د.عقل أبو قرع يكتب لـوطن: قمة مجموعة السبع...والعدالة المناخية!!

18.06.2021 10:42 AM

انتهت قبل عدة أيام في بريطانيا، اجتماعات قمة مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع، وهي الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا، وهذه الدول تملك مجتمعه أكثر من 40% من مجمل الناتج الاقتصادي الاجمالي في العالم، أي أنها تملك اقتصاديات قوية ذات أذرع صناعية ضخمة ومتشعبة، وبالتالي تساهم بشكل كبير في بث غازات التلوث المتعددة الى طبقات الجو وما الى ذلك من تداعيات بيئية ومناخية، وبالتالي لا عجب أن احد المواضيع الرئيسية التي ناقشتها القمة كان التغيرات المناخية التي حدثت وتحدث في العالم بسبب نشاطات البشر وسبل الحد منها.

وبغض النظر عن القرارات التي تم اتخاذها فيما يتعلق بمحاربة التلوث التي تساهم به بشكل كبير هذه الدول، هذا بالاضافة الى دول صناعية اخرى مثل الصين والهند والبرازيل وغيرهما، وبغض النظر عن الالية التي تم وضعها للتطبيق العملي لهذه القرارات والتي تهدف في الاساس الى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها الى الجو، والى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، الا أن الاثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها هذه الدول بفعل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية قد شملت معظم دول العالم، وبالاخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في احداث التغيرات المناخية ولكن تتحمل العواقب والاثار بشكل أكثر ايلاما أو بدون أنصاف أو بدون عدل، وهنا نشأ مصطلح ما بات يعرف " العدالة المناخية" أو بالاحرى عدم وجود أو غياب عدالة مناخيه في العالم.

وهذا يعني بالتحديد الصورة القاتمة والظالمة التي باتت تحياها دول فقيرة أو ضعيفة ولا تملك المصادر أو الامكانيات للتعامل معد تداعيات بيئية ومناخية وربما صحية، بسبب النشاطات التي تقوم بها دول أخرى، حيث بتنا هذه الايام نلمس هذه التداعيات على أشكال مثل قلة الامطار وارتفاع حرارة الارض، وذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع منسوب المياه والفيضانات، والتصحر اي فقدان قدرة التربة على الزراعة والتلوث وانتشار بعض الامراض بسبب ظهور افات جديده وما الى ذلك، وما ينتج عن ذلك من التداعيات الانسانية والسياسية والاجتماعية، والتي تأتي افرازا أو نتاجا لغياب العدالة المناخية.

والعدالة المناخية أو البيئية غائبه منذ زمن، وربما بدون ظهور أثار ملموسه مثل ما نلحظ هذه الايام، ونحن نعرف أن قمة مجموعة السبع هذه، ليست الاولى ولن تكون القمة الاخيرة أو الاجتماع الاخير الذي يناقش المناخ والنظام البيئي، حيث  عقدت قبلها قمم عالمية ناقشت المناخ، وشارك فيها ممثلي معظم دول العالم، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات، وتم التركيز خلالها على عرض الادلة والبيانات ونتائج الابحاث التي قام ويقوم بها المختصون والباحثون، سواء كانوا يتبعون مراكز ابحاث مستقلة أو هيئات أكاديمية، أو حكومات أو هيئات دولية ومنها ما يتبع منظمة الامم المتحدة، بتخصصاتها وبرامجها المختلفة.
وكان يتم في هذه الاجتماعات عرض الصور القاتمة التي وصلت اليها الارض وما تحويه من نظام بيئي، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشرية التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالاخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف بغازات الدفيئة.

وانعكاسات ذلك من خلال ارتفاع درجة حرارة الارض الكبير والمستدام  خلال السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الامطار، وتشكل الامطار الحامضية،  والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة أو المحاصيل أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الافات المختلفة ومنها الجديدة وبالتالي انتشار الامراض المعدية، وتداعي الامن الغذائي، وتلوث المياه، وذوبان الجليد والفياضانات وما يمكن أن يجر ذلك من تداعيات وكوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل.   
وكان يتم في تلك الاجتماعات دق ناقوس الخطر الشديد وغير البعيد للنظام البيئي العالمي، ومن ضمن هذه التقارير الدولية، وبان العالم سوف يخسر التربة الصالحة للزراعة، المتوفرة حاليا، خلال ال 60 عاما القادمة أو اقل، اذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، والذي يؤدي الى تداعي خصوبة التربة وبالتالي عدم امكانية زراعتها.

والسبب الاساسي لذلك هو التغيرات المناخية التي يحدثها البشر، وبالاخص الدول الصناعية الكبرى والتي تتحكم في الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة بث الغازات والملوثات الى طبقات الجو، وما ينتج عن ذلك من عدم القدرة على زراعة التربة بسبب ملوحتها او قلة الامطار، ومن ذوبان للجليد، وبالتالي احداث الفياضانات، واغراق مساحات من الارض والبلدان،  وكذلك الجفاف وبالتالي الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية وتراكمها في التربة والطعام الذي يصل الينا.  

وتحقيق العدالة المناخية تعني الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، وهذا يعني الحد من النشاطات الاقتصادية، او الى التوجه نحو الاستثمار اكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني او يؤثر على المال والفلوس والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، او تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم العالم وبالاخص قمم الدول الصناعية الغنية.

والعدالة المناخية تنطبق كذلك علينا في فلسطين، ورغم اننا لسنا بالبلد الصناعي او الزراعي ذو التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، الا اننا قد نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، ونعاني من غياب العدالة المناخية، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، فقد يكون هذا التأثير علينا  كبيرا وملموسا، ان لم يكن الان فسوف يكون بعد فترة، وبالتالي فأن ما يتم في العالم من نقاش او جدل حول اساليب الحد من التغيرات المناخية، قد يكون له انعكاس علينا، ولو بشكل غير مباشر، سواء في المدى القصير او البعيد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير