هاني عرفات يكتب لـوطن: عندما يردح نتنياهو وينتحب

15.06.2021 09:58 AM

 

كلمة نتنياهو الوداعية ، أمام الكنيست ، كانت مزيجاً من الردح والانتحاب. واضح أن الرجل لم يكن يتوقع أن تسقط حكومته، كيف ذلك واليمين يحوز على أكثر من ثمانين مقعدًا في الكنيست، ونتنياهو هو نفسه الأب الروحي لهذا اليمين وقد فرخ عدد من الأحزاب اليمينية من تحت عباءته. يحق له أن ينصدم بعض الشيء.

ولعل سبب سقوط نتنياهو الأساسي هو ما ركز عليه في جانب الردح من كلمته، التي خصص جزأً كبيراً منها لانتقاد الادارة الاميركية، نتنياهو قال أنه هو من عمل على إلغاء الاتفاق النووي ، بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وأنه استغل بذلك، نفوذه وحضوره في البيت الأبيض، وفي الكونغرس، وفي أوساط الرأي العام الأميركي، متهماً خصمه بينيت بأنه لا يملك هذا الحضور للتأثير ، ويسهب في الحديث عن العلاقة مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، ويقول أن هذه الادارة طلبت أن تبقى هذه المعلومات سرية، دون أن يوضح ما هي هذه المعلومات، لكن بالإمكان قراءة ما بين السطور، بأن الادارة الجديدة لم تمنحه ما كانت الادارة السابقة تقدمه له عن طيب خاطر. ويتعرض أيضاً لموضوع إعادة افتتاح القنصلية الاميركية في القدس، ويقول مخاطباً خصمه : بعد أن نقلنا السفارة وحصلنا على اعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ، يريدون إعادة فتح القنصلية في "القدس الشرقية" ، بعد كل هذا ، لماذا لا يقيموا واحدة  في أبو ديس؟ وهل تستطيع أن تمنعهم من أن يعيدوا افتتاحها؟

هذا طبعاً لا يعني بأي حال أن إدارة الرئيس بايدن سوف تغير السياسة الاميركية في المنطقة، وتقلبها رأساً على عقب، بل على الأرجح ستعيدها الى ما كانت عليه، قبل عهد ترامب . الإدارة الحالية مثلها مثل الإدارات التي سبقتها باستثناء إدارة ترامب، ليس بالضرورة أن ترى مصلحة "إسرائيل" من نفس الثقب الضيق، الذي يرى منه نتنياهو.

نتنياهو المغرور والمتمكن من خفايا المجتمع الأميركي، سبب الكثير من المتاعب لعدد من الادارات الاميركية، كان يحاول تذكيرهم دائماً بأنه هو من يتحكم بأوراق اللعب والنفوذ من خلال اللوبيات والاصدقاء الكثر في مجلسي الشيوخ والنواب. ولعل أقرب مثال على ذلك تحدي الرئيس الاسبق أوباما، بالقدوم الى الولايات المتحدة وإلقاء كلمة في مجلس النواب ، دون دعوة من رئيس البلاد، وتوجيه النقد اللاذع لإدارته فيما يتعلق بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران في حينه.

الرئيس بايدن والذي كان نائباً للرئيس حينها، لم يغفر لنتنياهو هذا الاحراج، ولن يغفر له علاقته المميزة مع إدارة ترامب، وكان لا بد من التخلص من هذا المتعجرف، كي لا تتكرر تجربة الرئيس أوباما السابقة، وعلى غير ما جرت العادة تأخر اتصال الرئيس الأميركي بعد تنصيبه بنتنياهو، مما دعا سفير دولة الاحتلال في واشنطن بالخروج في تصريح علني، يلوم الرئيس بايدن على إهمال نتنياهو.

بعد بدء العدوان الأخير على غزة، ورغم الموقف المعهود للإدارات الاميركية ، بتأكيد ( حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها) قامت الادارة بإجراء أكثر من ثمانين مكالمة هاتفية مع أركان حكومة الاحتلال ، خلال أيام العدوان التي استمر إحدى عشر يوماً، وخمس مكالمات هاتفية من قبل بايدن مع نتنياهو، لم يفصح عن ماهية هذه المكالمات، لكن التسريبات كانت تقول بأن الادارة كانت تضغط على نتنياهو لتقليل حجم الخسائر وتحديد موعد لإنهاء العمليات القتالية.

نتنياهو كان يحاول جاهدًا تحقيق نصر ما خلال هذه الفترة، واستمر سعيه هذا حتى آخر يومين من العدوان، حيث أعلنت الادارة الاميركية بأن القتال سوف يتوقف خلال يومين، ظهر نتنياهو في اليوم التالي ليقول أن لا موعد لوقف القتال بعد، وعلى إثر تصريحه هذا اتصل به الرئيس الأميركي، الذي يقال أنه أوعز الى نتنياهو بوقف العمليات وبشكل صارم لا يدع مجالاً للشك مما دفع الاخير الى التوقف فعلاً في الوقت الذي حددته الادارة ودون أن يحقق النصر الذي وعد به.

صحيح أن نتنياهو هو الذي دفع الأمور الى حافة الهاوية من خلال تأزيم الوضع في حي الشيخ جراح، وفي القدس عموماً، كان ذلك بهدف إفشال لابيد من تشكيل حكومة، وقد كاد أن ينجح فعلاً، حيث أنه وأثناء العدوان صرح بينيت بأنه أوقف المفاوضات مع لابيد وأنه يدرس إمكانية الائتلاف مع نتنياهو لتشكيل حكومة يمينية خالصة، لكن فشل نتنياهو في تركيع المقاومة في غزة، ووقف العمليات  دون تحقيق أي إنجاز، شجع بينيت على الذهاب الى حكومة نتنياهو ليس فيها.

الحكومة الجديدة لدولة الاحتلال، ليست أقل تطرفاً من نتنياهو، بل ربما تزيد، وغير مؤهلة لتخوض مفاوضات أصلاً، أما نتنياهو وإن استطاع أن ينفد بجلده من السجن فسيكون الموجه لعمل هذه الحكومة من الخارج ، بتحديها لتنفيذ أجندة اليمين في كل خطوة ، لكي يستفز طرفي هذه الحكومة في اليمين واليسار بهدف إسقاطها قريباً.

مسألتان يجب إعارة الانتباه لهما، الاولى هي أن رموز هذه الحكومة لا تتمتع بنفوذ وحضور كما كان يتمتع به نتنياهو في الساحة الدولية، وهذا أمر يجب استغلاله على أوسع نطاق.

المسألة الثانية: بعد خروج نتنياهو من السلطة، أصبح بالإمكان رفع قضايا جرائم ضد الإنسانية ضده في كل من أوروبا وأميركا، وفي حال استصدار قرارات قضائية، يكون ذلك انتصاراً للدم الفلسطيني المسفوح على يد هذا المجرم الشاكي الباكي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير