معركة الحرب على المنهاج في القدس بدأت بقلم :- راسم عبيدات

09.09.2011 01:30 PM

في إطار الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على مدينة القدس،تم استهداف قطاع التعليم كحلقة مركزية في الحرب،بهدف كي وتخريب الوعي الفلسطيني ومحاولة شطب ذاكرتنا كشعب وتشويه الثقافة والعبث بالتاريخ والجغرافيا الفلسطينية،والحرب على التعليم والمنهاج في القدس بدأت مع بداية الاحتلال،وتلك الحرب كانت تعلو وتخفت يتقدم فيها الاحتلال أو يتراجع تبعاً للحالة الفلسطينية،ففي الوقت الذي كانت فيه الحركة الوطنية الفلسطينية قوية وفي حالة صعود وتوحد أفشلت المخطط الإسرائيلي لأسرلة وصهينة التعليم والمنهاج في القدس،وفي الوقت الذي تراجعت فيه الحركة الوطنية الفلسطينية وعانت من الشرذمة والانقسام تقدمت إسرائيل خطوات على صعيد أسرلة وصهينة التعليم والمنهاج في القدس،وبغض النظر عن كون الممارسة الإسرائيلية تتعارض مع القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي لا تعطي الحق للاحتلال في فرض تعليم  أو منهاج على الشعب المحتل يتناقض ويتعارض مع حقوقه ومنهاجه وثقافته الخاصة،فإسرائيل تعودنا عليها كدولة خارجة على القانون الدولي،مع توفير شبكة حماية وأمان أمريكية - أوروبية غربية لها في المحافل والمؤسسات الدولية ضد أية قرارات او عقوبات قد تفرض عليها،جراء الخروج والتعارض مع القوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية.

ومن هنا لا نجد أية غرابة في ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات لأسرلة وتهويد المدينة وعبر سياسة التطهير العرقي،فهي تعلن بشكل سافر ووقح أنها لن تلتزم لا بقوانين ولا مواثيق ولا اتفاقيات دولية وستستمر في السيطرة على مدينة القدس وفرض سيادتها عليها على اعتبار أنها "عاصمة أبدية" لكل اليهود في العالم وليس لدولة اسرائيل.

وفي هذا السياق وجهت مديرة المعارف في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية "لارا مباركي" كتابا إلى مدراء مدارس القدس العربية حكومية وخاصة في 7/3/2011،تطلب منهم عدم الحصول على الكتب الدراسية للطلبة من الصف الأول وحتى العاشر من أي مصدر آخر غير التي تطبعها وتوزعها بلدية القدس،وهذا القرار الذي كان يوجه فقط لمدراء المدارس الحكومية على اعتبار أنها خاضعة إداريا وتعليميا وتربويا لبلدية الاحتلال ودائرة معارفها،توسع هذا العام ليشمل إدارات المدارس الخاصة،وبما يكشف عن تطورات وتداعيات خطيرة على صعيد أسرلة وصهينة منهاج التعليم الفلسطيني في القدس،وكذلك كشف هذا القرار أو الرسالة الموجهة عن تلقي المدارس الخاصة في القدس دعماً مالياً من البلدية ودائرة المعارف الإسرائيلية منذ سنوات،وهذا المال المشروط واحد من الأرضيات الخصبة التي توفرت لمثل هذا القرار،فهي تدرك جيداً أنه بعد تورط المدارس الخاصة في تلقى المال المشروط ستضعف قدرتها على المجابهة والرفض للقرار الإسرائيلي،وفي إطار التصدي لهذا القرار عقدت عدة لقاءات واجتماعات وندوات ومؤتمرات صحفية شاركت فيها قوى ومؤسسات وطنية ومجتمعية فلسطينية وكذلك العديد من رموز وزارة التربية والتعليم الفلسطينية،ومن ضمن ما طرح من آليات للمجابهة والتصدي لهذا القرار،هو البحث عن إمكانية دعم السلطة الفلسطينية للمدارس الخاصة مالياً بما يوازي ويعادل المبلغ الذي تتلقاه من بلدية الاحتلال ودائرة معارفها،واذا تعذر ذلك ان تقوم السلطة الفلسطينية بتوزيع الكتب مجانا على طلبة المدارس في القدس وتحديداً المدارس الخاصة،ولكن حتى ذلك البند أو الشرط لم تلتزم به السلطة الفلسطينية،وقد غابت الرؤيا والإستراتيجية على صعيد السلطة والمنظمة ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية لكيفية مواجهة القرار الإسرائيلي،وتركت المسألة للعفوية والارتجالية والتحركات غير المدروسة،وبقيت المواجهة والمجابهة تفتقر للخطة والبديل رسمياً وشعبياً.

وهذا شجع بلدية القدس ودائرة معارفها لتوجيه رسالة أخرى الى المدارس العربية في القدس بتاريخ 18/3/2011،تطلب منها فيها عرض ما يسمى بوثيقة استقلال دولة إسرائيل في مكان بارز في المدرسة بحيث يطل عليها الطلبة،وعلى أن يقوم المعلمين بشرح ما في هذه الوثيقة من مبادئ ومعاني" تدعو إلى التسامح والعدل والمحبة والتعددية وغيرها".

ومن ثم بعد سلسلة التحركات التي جرت رسميا وشعبيا لمجابهة القرار الإسرائيلي وإفشاله،ركن الجانب الفلسطيني إلى تطمينات إسرائيلية بأنه لن يتم تطبيق هذا القرار في العام الحالي،وبالتالي جرى تجميده،وهنا تراخت الحالة الفلسطينية الرسمية والشعبية القائمة على ردات الفعل وليس الفعل ذاته،ولتفاجئ برسالة توجهها مديرة قسم التعليم الابتدائي في بلدية الاحتلال ودائرة معارفها رفيقة عثمان للمدارس العربية الخاصة والحكومية في القدس تعلمهم فيها بأنها ستبدأ بتوزيع الكتب على المدارس في 6/9/2011 ،وهذه الكتب المؤسف والمخجل انه جرى طباعتها في مطابع مقدسية،وأنا أدرك تماماً أن أصحاب تلك المطابع لا يدركون الفحوى لتلك الكتب وما حوته وتضمنته من تشويهات وتحريفات للمنهاج الفلسطيني،فهم ليسوا خبراء لا في المناهج ولا في الكتب،وهذه مسؤولية الحركة الوطنية والسلطة،التربية والتعليم الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني،وفي هذا السياق قامت الكثير من المدارس الخاصة والحكومية كخطوة استباقية وعبر لجان أولياء الأمور وادارات المدارس بشراء الكتب وإحضارها من مخازن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية،وتحملت مسؤولية إدخالها الى القدس وتوزيعها على الطلبة،والبعض منها رفض استلام الكتب التي حاولت بلدية الاحتلال توزيعها وآخرين استلموها لتخزينها،وهذا الإرباك الحاصل نتيجة عدم وجود موقف فلسطيني واضح في هذا الجانب،أي الرفض القاطع لإستلام أية كتب من ووزارة المعارف الإسرائيلية،لكون تلك الكتب اشتملت على الكثير من التشويهات التي مست عصب المنهاج الفلسطيني،ففي "البروشور" الذي وزعته الحملة الأهلية للحفاظ على المناهج الفلسطينية في القدس،ورد فيه ان الاحتلال"يلغي أي كلمة أو جملة لها صلة في تاريخنا الفلسطيني كمقدسيين...حتى أنهم شطبوا أي ذكر للانتفاضة الأولى(قصيدة الانتفاضة/ عربي،الصف الخامس...نشيد الانتفاضة/ عربي الصف السابع )،وكذلك أورد أمثلة حول كتاب العربي للصف السادس صفحة 81،شطبو"سيرحل المستعمر عن أرضنا رحيل الذليل" وأيضاً في كتاب العربي للصف السادس صفحة 10،شطبوا العبارات التي لها علاقة بالقدس.. " القدس ....ما زالت تقبع تحت الاحتلال تنتظر من يفك أسرها ويعيدها إلى أهلها،فلا بد أن تسترد القدس عروبتها وحريتها".

وعمليات الشطب والتشويه طالت الكثير من المواد التي لها علاقة بالأدب والثقافة والهوية والتراث وحق العودة  في العديد من المقررات والمباحث،ونحن نثمن الدور والجهد الذي يقوم به مركز القدس للمساعدة القانونية والذي يعمل على متبعة كل عمليات الحذف والتغير التي حصلت على المناهج الفلسطينية.

هذه الحرب الشاملة على المنهاج الفلسطيني التعليمي،تستدعي خطة وتحرك شامل فلسطيني شعبي ورسمي،بحيث تكون معركة المنهاج،مقدمة لاستعادة السيطرة الفلسطينية على التعليم بمختلف مظلاته في القدس،ويجب ان تخاض المعركة قانونياً وشعبياً بالأساس،بحيث تكون لجان أولياء الأمور والأهالي والطلبة العنوان الأبرز في خطة المواجهة والتصدي لأسرلة وصهينة المنهاج الفلسطيني في القدس،وعلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية امتلاك الإرادة السياسية وترجمة شعارات دعم صمود المقدسين من إطارها النظري الى ترجمات عملية على الأرض،وبالضرورة أن تكون هناك صناديق مالية مستقلة لدعم قطاع التعليم في القدس وفق رؤيا وإستراتيجية واضحة ومحددة.

وخسارة المنظمة والسلطة والمقدسيين لمعركة أسرلة وصهينة مناهجهم التعليمية في القدس،سيعني خطوة كبيرة على طريق إكمال إسرائيل لسيطرتها على المدينة،وعلى المقدسيين أن يخوضوا معركتهم في إطاراتها الشعبية والمجتمعية والمؤسساتية بعيداً عن انتظار الدعم والمساندة من أحد،فصناديق الدعم العربي والاسلامي مجرد شعارات ولغو فارغ،والدعم العربي للقدس أو التعليم فيها رهن بموافقة أمريكا،فهي من تدخلت في تعديل المناهج في أكثر من بلد عربي،وهي من تتحكم في المال العربي،وهي من يأمر هذه الدولة العربية بتقديم الدعم أو وقفه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير