الاحتلال يضغط على السلطة لإجبارها على دمج المستوطنات في مشروع مكب النفايات في جنوب بيت لحم

14.05.2013 09:07 AM
بالتعاون بين تلفزيون وطن ومجلة افاق البيئة والتنمية/جورج كرزم

رام الله - وطن للانباء: يمارس الاحتلال الإسرائيلي ضغوطا كبيرة على السلطة الفلسطينية بهدف إجبارها على قبول دمج المستعمرات في مناطق الخليل وبيت لحم في مشروع مكب النفايات الصحي الذي يجري العمل حاليا على إنشائه في منطقة المينيا جنوب مدينة بيت لحم؛ بهدف إغلاق المكبات العشوائية القديمة في محافظتي بيت لحم والخليل والتي تلوث المنطقة تلويثا كبيرا وتتسبب في مخاطر بيئية-صحية فادحة.

ويتوقع أن يستوعب المكب الجديد نفايات مدن وقرى المحافظتين، علما بأنه ممول من البنك الدولي وجهات دولية أخرى، ويتوقع تشغيله من قبل القطاع الخاص الفلسطيني. وستلحق بالمشروع محطات لترحيل النفايات في منطقتي جنوب وغرب الخليل، إضافة إلى إقامة مشروع مكمل لفرز النفايات في جنوب الخليل، بهدف تقليل كمية النفايات المرحلة إلى مواقع الترحيل، والتي تقدر بنحو 600 طن يوميا. ويشرف على هذا المشروع المجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظتي الخليل وبيت لحم.

الموقف الفلسطيني الرسمي يتلخص في عدم إشراك المستوطنين في مشاريع البنية التحتية البيئية مثل مكبات النفايات أو محطات معالجة المياه العادمة؛ بهدف عدم منح المستعمرات شرعية وجودية. إلا أن هذا الموقف المعلن يخرق أحيانا، كما هو حال بعض المكبات العشوائية، أو محطة معالجة المياه العادمة التابعة لمدينة البيرة والتي تعالج أيضا مياه مجاري المستعمرات في المنطقة.

مشروع مكب نفايات المينيا يعد أحد ثلاثة مشاريع حديثة يفترض بها خدمة الفلسطينيين فقط؛ وأول هذه المكبات أقيم في جنين (زهرة الفنجان). إلا أنه، وبالرغم من مرور سنوات طويلة على إنشاء المكب الأخير، فلا تزال تحيط به إشكالات بيئية-صحية عديدة، ما دفع أهالي سبع قرى في محافظة جنين إلى تقديم اعتراضات في حينه؛ فوجهوا آنذاك رسالة للرئيس محمود عباس، أكدوا فيها أنهم سيرحلون عن قراهم لوجود مكب زهرة الفنجان.

أما مكب نفايات رمون المخطط إنشاؤه شرق قرية رمون في محافظة رام الله والبيرة، فقد أثار تخوفات أهالي القرية من تنفيذ المكب على الأرض والبيئة والصحة؛ إذ أن بُعد المنطقة المُخطط إقامة المكب عليها لا يتجاوز 1200 متر هوائي شرق القرية، كما أن معظم الرياح الموجودة في رمون رياح شرقية، ما يعني أنها ستحمل الروائح الكريهة للمنازل والمواطنين؛ هذا ما كشفته في حينه ندوة آفاق البيئة والتنمية التي بثت بالتعاون مع تلفزيون وطن في تشرين أول 2013. لذا، اقترح مجلس محلي رمون وأهالي القرية منطقة بديلة للمكب في أراضي القرية، ومملوكة من الهيئة المحلية، ومحاطة بسواتر طبيعية مرتفعة، بعكس المنطقة الحالية، والتي تبلغ مساحتها نحو 8 آلاف دونم؛ علما أن الأهالي لا يعارضون المكب من حيث المبدأ، وإنما يعترضون على مكانه القريب من القرية والواقع في أراضيها الزراعية الخصبة ومناطق وجود تجمعات المواطنين البدو.

والأهم من ذلك، ما كشفته ندوة آفاق البيئة والتنمية في حينه، من استملاك أراضي المزارعين في رمون عبر سلطات الاحتلال وبموافقة الفصائل الوطنية؛ وذلك إثر فشل فكرة شراء الأراضي من القرية، علما أن مواطني الطيبة ودير دبوان سبق أن عارضوا إقامة المكب على أراضيهم. وكشفت الندوة أيضا وجود حالات استملاك أخرى تمت عن طريق سلطات الاحتلال، كما حدث في محطة التنقية في دير شرف، بذريعة أن هذه هي "الطريقة الوحيدة الممكنة" بعد "استنفاذ كل الجهود"! وأقر محضر اجتماع مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظة رام الله والبيرة المنعقد في 23 حزيران 2011، وجود شركة إسرائيلية أجرت تقييما بيئيا للمكب، وأخرى استشارية(ARGL ).

وقد نشرت في حينه مجلة آفاق البيئة والتنمية نقلا عن الندوة ذاتها بأن "لجنة القرية جمعت أكثر من 800 توقيع من الأهالي وبعض المغتربين الذين يرفضون المشروع (عدد سكان القرية نحو 3 آلاف)، وخاطبت الرئاسة ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي والفصائل الوطنية، وأوضحت أن موقع المكب من أخصب أراضيها، وسيؤثر سلباً على صحة المواطنين، وهو الامتداد الطبيعي للتوسع العمراني في القرية، ويؤثر على جودة المياه في المنطقة، ويؤدي إلى الضوضاء والإزعاج، ويؤثر على البنية التحتية فيها، كما أن المشروع كان مقرراً في قرى مجاورة غير أنها رفضته". إلا أن اللجنة لم تتلق أي رد من الجهات التي خاطبتها؛ ولكنها قررت أن تقاوم بكل الوسائل المشروعة والقانونية، فضلا عن اللجوء إلى القضاء لوقف المشروع.

ومن ناحيتهم، هدد المستوطنون بإلغاء مشروع مكب رمون كليا، بسبب أطماعهم في الأرض وسعيهم للاستفادة من المكب حال تشغيله.

رائحة العنصرية المريضة

مسؤولو التخطيط والبيئة الإسرائيليون قرروا بأن مشروع مكب نفايات المينيا يجب أن يخدم أيضا المستعمرات؛ بل وكي تمنح "الإدارة المدنية" (التابعة للاحتلال) الترخيص لإقامة المشروع، اشترطت دمج المستعمرات في المشروع. وفي أقوال تفوح منها رائحة العنصرية المريضة، يقول مسؤولو البيئة في المستعمرات الكائنة على أراضي بيت لحم والخليل، بـأن عدم استيعاب المكب المقترح لنفايات المستعمرين سيصعب على الفلسطينيين تشغيل مكب المينيا مع مرور الزمن؛ ذلك أن "قدرة التجمعات الفلسطينية على دفع تكلفة دفن النفايات محدودة؛ بينما تستطيع المستعمرات الإسرائيلية تحمل التكلفة"! ويروج بعض المستوطنين بأن الأخيرين في الضفة الغربية يجب أن يتبنوا نهج الإدارة البيئية على أرضية "التعاون" القائم أصلا في بعض المكبات (العشوائية). وبحسب أولئك المستعمرين، الحلول البيئية القائمة على "التعاون"، وبخاصة في مستوى القطاع الخاص، "قد تؤدي إلى حلول مثلى تأخذ في الاعتبار التسعيرة التفاضلية للإسرائيليين والفلسطينيين والتي تعكس الفوارق الاقتصادية بين الطرفين". لكن، ضمن علاقات القوة القائمة بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، فإن هذا "التعاون" عبارة عن علاقة السيد (المستعمِر) بالمسود (المستعمَر)؛ السيد الذي يتحكم بالموارد والأرض ويصدر التعليمات والأوامر، والمسود الذي لا حول له ولا قوة سوى التلقي وتنفيذ الأوامر والتعليمات.

البنك الدولي يقول بأن المنح المالية التي يعطيها للسلطة الفلسطينية مخصصة حصرا للمواطنين الفلسطينيين: "تُحَوَّل الأموال إلى السلطة التي تعتبر مسؤولة عن تنفيذ المشروع؛ وفي حالة مشروع مكب المينيا، يفترض بمواطني محافظتي بيت لحم والخليل الاستفادة منه فقط".

المسؤولون الفلسطينيون القائمون على مشروع المكب يقولون بأنه لن يستوعب نفايات المستعمرات، بالرغم من الضغط الإسرائيلي في هذا الاتجاه.

الاحتلال ممثلا بما يسمى الإدارة المدنية يقول بأن "عملية التخطيط المتصلة بإنشاء المكب نفذتها بشكل كامل مؤسسات التخطيط التابعة للإدارة المدنية؛ بما في ذلك دراسة الأثر البيئي. وقد اقترحت وثائق التخطيط استيعاب نفايات المستعمرات الإسرائيلية المجاورة للمكب؛ وذلك إضافة لاستيعاب النفايات من محيط مدينتي بيت لحم والخليل. وحاليا يوجد أيضا مخطط لإنشاء مكب رمون...وهنا أيضا أوصت لجنة البيئة الفرعية في الإدارة المدنية توسعة دائرة المستفيدين من طمر النفايات، بحيث تشمل جميع سكان المنطقة القاطنين في محيط المكب".

من ناحيته، كشف الباحث الإسرائيلي درور إتكس الأخصائي في شؤون الاستيطان بأن هناك تفاهماً غير معلن بين البنك الدولي و"الإدارة المدنية" مفاده أن المستوطنين يجب أيضا أن يستخدموا مكب المينيا. ويقول إتكس بأن هذا التوجه يهدف في النهاية تسهيل حياة الاحتلال وتخفيف تكاليفه الاقتصادية الكثيرة، وبالتالي جعله احتلالا "مستداما" (هآرتس، 22/3/2013).
تصميم وتطوير