" اتفاق ابراهام" والانتخابات الفلسطينية !!

16.03.2021 07:11 PM

 

كتب: د.هاني العقاد

ما لا يعرفه الكثيرون  ان "اتفاق التطبيع" الذي هو اتفاق  " ابراهام " يتعدى حدود اقامة علاقات بين الامارات واسرائيل وعقد اتفاقيات تعاون في كافة المجالات الاقتصادية والامنية وتبادل المعلومات والتجسس والصحية والتكنولوجيا  وكثير من المجالات الاخرى , لا يعرفوا ان  هذا الاتفاق تم صياغته من  قبل دهاقنة السياسة الامريكية والاسرائيلية مفكرو اجهزة الاستخبارات المركزية في البلدين كاتفاق طويل الامد ,مراحلة متعددة يتعدى الجغرافيا والحدود السياسية علي الارض يشمل الجو وباطن الارض  والفضاء الخارجي ويتعدى المنطق العربي ويتعدى الاجماع العربي وكسر قرارات القمم العربية المتعددة التي تحرم اقامة علاقات تطبيع مع دولة الكيان قبل ان تتخلي اسرائيل عن احتلال الارض الفلسطينية والاقرار بحقوق الشعب الفلسطيني السياسية والمدنية واولها حقهم في اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. هذا الاتفاق يتعدى الدولة الواحدة والعلاقات الثنائية ويتعدى تصورات بعض المراقبين لصناعة سلام بين دولتين , انه اتفاق لصناعة سلام بالمقاسات الاسرائيلية الامريكية مع العرب بمجموعهم وبالطبع مركز هذا السلام قبول اسرائيل عربيا علي انها دولة سلام ومحبة ودولة تحترم الديموقراطية وتحافظ علي حقوق الانسان ,ودولة ترغب في العيش مع الفلسطينيين وتكون وصية في  ذات الوقت علي الارض الفلسطينية والفلسطينيين لتوفر لهم الامن والاستقرار والنمو الاقتصادي دون الاعتراف بهويتهم.

لم يكن احد يعرف ان اتفاق "ابراهام" ليس اتفاقا امراتياً فحسب بل هو مخطط استراتيجي وضعت الامارات العربية علي راس هذا المخطط لادخال اسرائيل بيوت الامراء العرب بيتا ..بيتا , يبدأ من دبي ويمر بالخليج العربي دولة .. دولة  وينتقل لمصر والسودان والمغرب العربي واخير ان استطاعوا السعودية  , هكذا انطلق قطار "ابرهام " الاسرائيلي الي المحيط العربي وبالطبع فان الفلسطينيين جزء من هذا المحيط بل هم الدائرة الاهم في هذا المحيط والذي يخشي ان يصلهم عبر قطار ديموقراطيتهم  , اليوم اوصلتنا التحاليل الي ان اتفاق ابراهام  لا حدود له ولا نهاية ينتهي بها ولن يكون كباقي الاتفاقات التقليدية التي عقدت مع اسرائيل كاتفاق "كامب ديفيد" بين مصر واسرائيل او اتفاق "وادي عربه" بين الاردن واسرائيل .مخطط استراتيجي تقوده الامارات بالشراكة مع اجهزة المخابرات العالمية ومساعدة عرابين كبار تم اعدادهم وتدربهم لتنفيذ هذه المهمات بدقة متناهية بالاضافة لعملاء ال "سي اي ايه"  والموساد والمخابرات المركزية الاخرى التي تعمل كطرف مسهل وميسر لكل العرابين والوكلاء ,  تنطلق الاستراتيجية من الامارات ويساهم العالم في توظيف كل المتغيرات الاقليمية والعلاقات الجديدة والاتفاقيات الاقتصادية حتي انتشار كوفيد 19   لصالح الدخول الي عمق الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عبر تغلغل وكلاء لهذه الاستراتيجية في عمق الهيكل الوطني الفلسطيني لتهيئة الاجواء وتمهيد الممرات المناسبة التي تؤمن وصول "ابراهام الاسرائيلي" بسلام  للهدف الكبير والاستراتيجي وهو السلام الكبير والتاريخي بين الفلسطينيين واسرائيل .

الانتخابات الفلسطينية ليس التشريعية منها فقط بل كافة اشكالها الرئاسية والمجلس الوطني هي بوابات محتملة ليتسلل منها المتسللون ويقفز من خلالها وكلاء وعرابو صفقات اتفاق "ابرهام" الخطير الي صفوف الشعب الفلسطيني ليس لتحسين واقع هذا الشعب ورفع الظلم والمعاناة وانما لاستغلال هذه المعاناة والفقر والحاجة لاهداف سياسية ابعد من هذه الانتخابات بهدف استدراج الفلسطينيين رويداً ..رويداً للدخول في اطار هذا الاتفاق دون ان يستطيعوا رفضه في النهاية، ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم هو محاولة خطيرة لتوظيف هذه المتغيرات التي تم دراستها بعناية فائقة للوصول بالشعب الفلسطيني قبول اي شيء دون التفكير في ابعاد وتبعيات اي برامج اقتصادية او اغاثية او حتى صحية . وما كان هذا ليتم الا عبر اضعاف  " فتح الام" وازاحتها عن المشهد السياسي واخراجها عن الطريق الذي يؤدي في النهاية  الي  استنساخ حل سياسي اقذر واخطر من "اوسلو" الذي تم تصفيته بايدي الاسرائيليين انفسهم ليفسحوا الطريق امام المستجدات والمخططات الجديدة .

لماذا فتح ...؟ قد يسأل البعض وقيادتها تعترف باسرائيل وتقبل بالتعامل مع الادارة الامريكية الجديدة علي افتراض ان صفقة القرن التي اسست لاستراتيجية ابرهام قد انتهت , نقول لان "فتح الام" حركة واسعة وجماهيرية مطلوب تخريبها من داخلها  واظهارها بالصورة الشنيعة امام جماهيرها لينجذبوا للنسخة الاقليمية الجديدة والمحدثة  ,  ولان "فتح الام "اعتبرت اتفاق "ابرهام " خيانة للقضية والمقدسات , وهي التي تمترست خلف ثوابت الشعب وحافظت على  بقاء القضايا الكبرى في دائرة الصراع ورفضت تجزئة هذه القضايا  واخراج بعضها من دائرة الصراع وبالتالي عدم بحثها ضمن اي مفاوضات قادمة بين الاسرائيليين والفلسطينيين  كانت ومازالت المعيق الكبير امام استكمال استراتيجية "ابراهام" التصفوية .مئات ملايين الدولارات توظف اليوم لهذا المسار تحت مظلة مشاريع انسانية للفلسطينيين لكنها ليس لاجل سواد عيونهم ولاحبا فيهم وانما لوضعهم في دائرة المقارنة بين هذا وذاك بين من قدم لهم وبين من يعجز عن ذلك ,بين من يواسيهم في المحنة وبين من يترصدهم في العقاب , مشاريع كان قد حرمها الاحتلال  علي الفلسطينيين اصبحت اليوم حلال ,بل وان الاحتلال هو من ييسر وصولها لهم وتحت اشرافه .مئات الملايين كانت السلطة الفلسطينية قد حرمت من تلقيها ومنعت عنها لانها رفضت اتفاق "ابرهام " واعتبرته اتفاق خياني يضر بالقضية الفلسطينية ويفتت قضاياها . الخطة خطة مخابراتية خارجية بنيت بدقة و وضعت لها اجراءات تنفيذية حسب المتغيرات , والمال مال عربي ,والمنفذين فلسطينيين , هذا اخطر ما تواجهه الحركة الام اليوم ,هو استنساخ "فتح النسخة الاقليمية" والتي يرضي عنها العرب ويتعامل معها العرب ويقبل فكرها الامريكان ويسعي الاسرائيليين لتوفير كل عوامل البقاء والقوة لرجالها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير