ليس هكذا تُبنى الأوطان

16.03.2021 02:31 PM

 كتب: د. غسان طوباسي

أحزنني و ألمني كثيراً ما قاله الصديق ابراهيم ملحم " الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء " امام الصحفين حول تجربة اشتية الفريدة وكيف أن الحكومة الأسرائيلية تستلهم هذه التجربة الفريدة و نجاحها في التعامل مع جائحة الكورونا و السيطرة عليها ، وهم أي الاسرائيلين عاجزين عن نقل هذه التجربة، و هنا فكرت ملياً عن سبب هكذا تصريح من ناطق رسمي بأسم الحكومة و وجدت أن هناك احتمالان طبعاً كلاهما مر .

الخيار الأول أن هؤلاء الأشخاص أي المستشارين و المقربين من صّناع القرار يعتقدون أن أمور البلد في أحسن حال و أنهم يحققون النجاحات و بالتالي كل من يعارض أو ينتقد بهدف الأصلاح و البناء له مآرب خارجه عن الصف الوطني و هذه طبعاً مصيبة لأن الوقائع للقاصي و الداني تؤكد أن الأمور كاملة ليس على ما يرام بتاتاً لا صحياً و لا علمياً و لا اقتصادياً .

و الخيار الثاني أن هؤلاء المستشارين و هم كثر طبعاً ينقلون الى قادتهم ما يريدون سماعه و يرضي ضمائرهم من باب التملق و المحاباه ليبقوا في مواقعهم ولو على حساب ضمائرهم وهذا ذكرني بما كتبه الخالد فينا محمود درويش عندما قال " نرسيس ليس جميلاً كما ظن ، لكن صُنّاعه ورطوه بمرآته فأطال تأمله في الهواء المقطر بالماء .. لوكان في وسعه أن يرى غيره ، و لو كان أذكى قليلاً لحطم مرآته و رأى كم هم الأخرون ، و لو كان حراً لما صار اسطورة "

ان الوقائع تؤكد يوماً بعد يوم فشل الحكومة العتيدة في معالجة جائحة الكورونا على كافة الأصعدة و قد  ترجم ذلك بعدم قدرتها على تأمين اللقاح لشعبها و اختصار ما تم احضاره لأعضائها و القيادات الباقية و معارفهم و مرافقينهم و حراسهم تاركين الشعب كل يدبر امره لوحده ،و رغم أن هذه الجائحة تدخل عامها الثاني و قد كان ممكناً طول هذه الفترة تأمين مستشفيات ميدانية في كل المحافظات بالتعاون مع البلديات و المؤسسات العامة و الخاصة ولكن اقتصر العلاج على اغلاقات محدودة دون تخطيط على مناطق السيطرة الأمنة الفلسطينية غير قادرين على ضبط الأمور خارج هذه المناطق مما ألحق ضرراً اقتصادياً كبيراً دون فائدة صحية تذكر و قد كان الأجدى التوعية و فرض الغرامات العالية على المخالفين و منع التجمعات بكل انواعها و تنظيم عمل القطاعات التجارية و الصناعية بما يسمح بأستمرار الحياة مع مراعاة المعايير الصحية المطلوبة، و المحزن في ما قاله صديقناهو ان الحقيقة تماماً غير ذلك فالعالم كله مندهش من نجاح التجربة الأسرائيلية في معالجة الجائحة من حيث ايصال التطعيم الى غالبية شعبها استناداً الى معايير عادلة من حيث السن و الوضع الصحي و النظام و الدقة في توزيع اللقاح و متابعة نتائجه ، وهذا كان واضحاً في لقاء رئيس شركة فايزر " المصنعه الأهم للقاح كورونا " مع قناة 12 في تلفزيون اسرائيل حين قال " نتنياهو لم يجعلني انام الليل للحصول على اللقاح لشعبه " .

ان مراجعه سريعه لمذكرات الأباء المؤسسين للكيان الصهيوني مثل بن غوريون و غولدا مائير تبين الفارق الكبير بين من يريد أن يبني وطناً عندما ضحى بأملاكه و جاء الى أرض يدعون أنها أرض اباءهم و اجدادهم حسب الرواية الدينية طبعاً وعاشوا حياة التقشف و المساواة و ابتدأو حياتهم من الصفر و كان همهم الأول و الأخير تحقيق الهدف و العناية و لو على حساب السكان الأصليين و قد نجحوا و تحولوا الى دولة ذات طابع خاص و استثنائي بالمجال الصحي و العسكري و الصناعي و الرياضي و العلمي، و ما حققته الحركة الصهيونية من انجاز بني على روايات و اساطير استطاعت أن تقنع العالم بها بداية. و بعد مائة عام أو أكثر نجحت في تحويل الاسطورة الى واقع ناتج عن الأنتماء للفكرة من القيادة و التفاف الشعب حول وضع اللبنات الأولى لهذا المشروع و ترجم ذلك بأن القائد جزء من الشعب و دوره خدمة الشعب و ليس العكس .

اننا و نحن نحمل مشروعاً انسانياً و واقعياً حقيقياً مستندا الى تاريخ واقعي و ليس اسطورة و خرافات تمثل قضية عادلة و تحظى بدعم و تأييد من شعوب العالم علينا أن نعيد حسابتنا، بداية أن نعي تماماً اننا لا نزال تحت الأحتلال و ان ما وقّعنا عليه في اوسلو لم يعطنا دولة أو كيان مستقل بل حصلنا على سلطة وطنية محدودة الصلاحيات و الجغرافيا ليس أكثر و هذا بالطبع يستدعي أن نعيش الواقع كما هو من حيث التواضع و التقشف و تسمية الأشياء بمسمياتها الواقعية و الحد من الحراسات و المواكب و الألقاب و البطالة المقنعه ، و لكي نشكل ظاهرة تستدعي الأحترام من الصديق و العدو علينا أن نتصرف بما يليق بتاريخ وعدالة قضية هذا الشعب .

و بغض النظر عن قدرتنا على تحصيل حقوقنا المعترف بها دولياً و المتمثلة بحق تقرير المصير وصولاً الى الدولة المستقلة في وقت قريب أو بعيد و ان السلاح الأهم في تحقيق ذلك هو الصمود فوق الأرض من حق هذا الشعب أن ينعم بالعدالة و المساواة و الشفافية و النزاهة وممارسة الحياة الديمقراطية واحترام الحريات العامة و قبول الراي الأخر وبناء ركأئز المجتمع المدني الحر واطلاق الطاقات الشابة حتى يستطيع شعبنا ان يواصل مسيرة العطاء والبناء لتحقيق الحلم المنتظر.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير