القصاص للقاتل على خلفية "شرف العائلة"جاد الجعبري- أمين عام المجلس الأعلى للقضاء
12.05.2013 01:40 PM

وقال أيضاً: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً" (النساء: 93) صدق الله العظيم.
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (اجتنبوا السبع الموبقات... ومنها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
إن موقف الشرع من جريمة القتل بدافع الشرف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، حيث إن هذه الجريمة تخالف الشرع في أمور عدة نوجزها في هذه المحاور:
أولاً: هي اثبات للحد بغير بينة، وهذا حرام، ومن أشد الكبائر في شرعنا، ولا شك أن اي اتهام بغير بينة هو قذف بالباطل، قال تعالى: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) (النور: 4) صدق الله العظيم.
ومن أين لمن قتل بتهمة الزنا أن يأتي بالبينة بعد فعل القتل، وكيف تستطيع المغدورة أن ترد التهمة عن نفسها وتثبت براءتها، وقد سبق غليها سيف القتل مع ان الشرع قد قرر لصاحب الحق مقالاً.
ثم بأي وجه حق يفوض للناس تنفيذ القتل سواء أكان قصاصاً، أو حداً أو عقوبةً دون أن يمنح المتهم حق الدفاع عن نفسه امام هيئة محايدة، كما هو شأن القضاء في العالم، وفي شرعنا الحنيف يقول تعالى: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" (البقرة: 11).
ثانياً جريمة القتل هي حكم بالقتل بغير حق حيث لا يحل أبداً اثبات الزنا إلا بالبينات الصادقات من الشهود العدول، وهو أمر لا يتحقق أبداً في ظروف القتل بدافع الشرف الذي يتحكم بفاعله الغضب والانفعال والتهور، الأمر الذي ينافي روح القضاء والعدالة.
لقد وقعت التهمة بالزنا مرات عديدة في عصر النبوة، ولم يأذن الرسول الكريم للزوج أبداً بقتل زوجته، بل كان رده واضحاً صريحاً بتحريم الإقدام على القتل تحريماً قاطعاً، وأوجب العقوبة لكل من اتهم زوجته بالزنا، ولم يأت بالبينة، وكانت عبارته لهم دائماً (البينة أو حد في ظهرك).
عجب سعد بن عبادة من هذا الحكم الشرعي وقال: لو وجدت امرأتي مع رجل لقتلتهما، فكان رد المصطفى صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى صاحبكم إنه لغيور، ولكن الله أغير منه).
ثالثاً: إن جريمة القتل بدافع الشرف إلغاء لدور ولي الأمر، وهو حرام ايضاً، إذ إن المكلف شرعاً بإقامة الحدود إنما هي الدولة بمؤسساتها القضائية والتنفيذية، ولا يحق لأحد أن ينوب عن الحاكم إلا بإذنه، وليس من شأن الأفراد أيا كانت غيرتهم واهتماماتهم أن يقوموا بذلك.
رابعاً: الأصل في الإنسان أنه معصوم الدم لقول الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
خامساً: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وربما بدا أن القانون المطبق حالياً في بلادنا فيه منفعة للجاني بسلامة روحه ونجاته من القصاص، ولكن الحقيقة أن فيه مفسدة عظيمة للناس، حيث يستهان بالقتل وتضيع حقوق الناس، وتتم تصفية أحقاد كثيرة للفرار من حقوق الوارثين وغير ذلك تحت غطاء الشرف.
إنه لمن المؤسف حقاً أن يتردد البعض في العمل على فرض عقوبة رادعة لمن قذف امرأة برصاص أو ساطور بدون دليل في الوقت الذي نصت فيه الشريعة على عقوبة ثمانين جلدة لمن قذف امرأة بلسانه دون دليل.
قال تعالى: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) صدق الله العظيم.
وعليه فإننا نؤكد ونطالب بالتشدد في عقوبة مرتكبي القتل على خلفية الشرف بالقصاص من الجاني جزاءً وفاقا، وكذلك التشدد في عقوبة مرتكبي جرائم الفحشاء من دعارة وزنا واغتصاب وسفاح قربى، وهي مسائل جرمها القانون، ولكنها تحتاج للمزيد من التشدد طلباً للعفاف والفضيلة بأدوات القانون وليس بعادات الجاهلية.
وأخيراً، لا بد من المحفاظة على الاسرة الصالحة وعلى استقرارها وتماسكها، ومراعاة قيمها ومثلها، والتواصل الدائم بين افرادها، فيحن فيها الكبير على الصغير، ويوقر فيها الصغير الكبير، وأن يقف الجميع امام مسؤولياتهم في معالجة كل ما يحدث من مشاكل او ما يسبب في حدوث المشاكل، وأن نغرس فيها كل القيم التي تحافظ على سمعة الإنسان وشرفه وحقه في الحياة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..).
سائلاً المولى عز وجل أن يبصرنا بالحلال ويجنبنا الحرام ويهدينا إلى أحسن الأقوال والأفعال، وأن يحفظ علينا دماءنا وأعراضنا من السفك والدنس إنه نعم المولى ونعم المجيب.
· كلمة ألقاها خلال مؤتمر "جرائم قتل النساء.. لا أعذار بعد اليوم" والذي نظم في نيسان 2013 من قبل مجموعة صبايا حائرات عالفيسبوك ومنتدى المنظمات الأهلية لمناهضة العنف ضد المرأة وتحالف ألواني وائتلاف قانون العقوبات الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء