قائمة التيار الديمقراطي بين الحزبية والجماهيرية

04.03.2021 10:14 AM

 

كتب: عمر عساف

يبدو ان إمكانيات توافق القوى الديمقراطية على خوض الانتخابات في قائمة واحدة تخطو الى الامام ودون شك سيكون ذلك ممكنا بإنجاز الاتفاق على البرنامج السياسي للقائمة وكذلك البرنامج الاجتماعي ، بعد نقاشات لن تكون عسيرة ، بمرونة هنا وتدوير زوايا هناك دون المساس بالقضايا الجوهرية ، المتعلقة بمغادرة نهج اوسلو ونتائجه باتجاه استراتيجية مقاومة بديلة تقوم على حق شعبنا في ممارسة المقاومة بكافة الأشكال التي تضمنها الشرعية الدولية ، ومغادرة نهج المفاوضات الذي جلب كل هذا الدمار خلال اكثر من ربع قرن ، والتمسك بمرجعية سياسية فلسطينية اساسها قرارات المجلس الوطني والمركزي بالتنصل من اتفاق اوسلو ، والتزاماته وفي مقدمتها التنسيق الامني وكذلك مخرجات اجتماع أيلول للأمناء العامين ووثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن الحركة الأسيرة .

والأمر لا يختلف على الصعيد الاجتماعي الديمقراطي فيما يتعلق بالفقر والبطالة والفساد وتغول الامن، والتعديات على الحريات وتسلط الفرد وهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، وتطويعه لخدمة أهدافها وغياب العدالة الاجتماعية واقتصاد الصمود وتوزيع الأعباء، كلها قضايا من السهل تبنيها وتضمينها في برنامج قائمة التيار الديمقراطي.

اعتقد ان هناك عقبتين ينبغي تذليلهما بعيدا عن التشاطر والفهلوة والفئوية الحزبية اذا اريد لهذا التوجه ان يقلع؛ أولاهما تتعلق باستخلاص العبر من التجارب السابقة والأسباب التي أدت لإخفاق تلك التجارب وهنا يمكن التركيز على إقرار ضوابط عديدة ، منها ما يتصل بآلية اتخاذ القرار ، بما لا يتيح المجال لأي كان بخرق اَي من عنصر البرنامج او الخروج من التحالف وقت شاء، وكذلك فيما يتصل بأية توجهات للائتلاف في قضايا قد تطرح او تطرأ وتتباين مواقف مكونات الائتلاف تجاهها، هنا ينبغي الاتفاق واعتماد ضوابط صارمة فيما يمكن ان يسمى" ميثاق شرف"، توقع عليه الهيئات القيادية لكل من مكونات الائتلاف وعدم اقتصارها على الأفراد حتى لو كان الأمين العام او من يمثله لان الالتزام جماعي.

أما ثاني هذه العقبات فهو توزيع وترتيب القائمة، او بتعبير اكثر فجاجة الاقتسام بما في ذلك طبيعة القائمة؛ فإذا كانت القوى المنظمة ذاهبة في قائمة حزبية ديمقراطية فلها ذلك وهذا من حقها، ويمكنها ان تقدم قياداتها الحزبية بغض النظر عن جماهيريتها ، وقبول الشعب بها لانها تنطلق في قوتها وشرعيتها وتضحياتها وما لها من مكانة وسمعة وقبول الشعب بتنظيماتها ، وفي حالة كهذه فان هذه القائمة ستحصد أصوات أعضاء هذه الأحزاب الراضين عن مرشحيها وتحالفاتها ، ومؤيدي وانصار أحزابها ، واعتقد هنا سنكون امام جمع كمي وميكانيكي لجمهور القوى مجتمعة ومن المتوقع انها لن تحظى في حالة كهذه بدعم وزخم جماهيري واسع ، لأكثر من سبب لعل احدها : هذا النكوص او الموقف السلبي الذي يتسع لدى بعض الأوساط تجاه الأحزاب وهو موقف ليس شرطا ان يكون صحيحا ، لكنه واقع وهناك اصحاب مصالح يروجون لهذه المقولة ، اما الامر الاخر فهو تواضع الدور الذي لعبته هذه الأحزاب في التصدي لسياسات السلطة ومعارضتها ، بل ونظر بعض الأوساط لبعض هذه القوى باعتبارها تسوق او تتذيل لسياسات السلطة ، وبالتالي تتحمل مسؤولية ما آلت اليه أمور الواقع الفلسطيني من ترد وانهيار ، وبذا فان هكذا شكل للقائمة سيضعها امام نتائج متواضعة، وستنجح في انقاذ بعض القوى من خطر عدم اجتياز نسبة الحسم اذا خاضت الانتخابات منفردة ، ولكن يمكن لهذه القوى حتى لو خاضت الانتخابات باسم أحزابها ان تزيد من فرص حصولها على مقاعد اكثر اذا احسنت اختيار مرشحيها الحزبيين ممن ينخرطون من أعضائها في النضال اليومي دفاعا عن حقوق قطاعات المعلمين والمهندسين والمحامين، والمتصدين للتعديات على الحريات العامة والقضاء.

بين هذا التوجه وبين نهج آخر، يقوم على تقديم هذا الائتلاف باعتباره ائتلافا وطنيا ديمقراطيا يضم في صفوفه أوساطاً متعددة من الحراكات والمجتمع الأهلي والشخصيات الوطنية الديمقراطية الوازنة وطنيا وميدانيا، دون اجحاف بمكانة وتاريخ وتضحيات هذه التنظيمات، وتمثيلها الحزبي والجماهيري في القائمة ولكن دون هيمنتها المطلقة، واعتبار مصالحها اولا وأخيرا هي معيار مشاركتها ودورها في الائتلاف، وضرورة مغادرة النظرة الاستعلائية والغرور الذي واكب بعضها وجعلها تراوح مكانها او تتراجع في اداء الدور المنوط بها لقيادة الجماهير دفاعا عن حقوقها الوطنية والاجتماعية.

ان القيمة المضافة التي تضيفها مشاركة قطاعات اجتماعية وازنة من خارج القوى المنظمة لا تنحصر في اضافة كمية للأصوات وحسب ذلك ان لا احد يدعي ان هناك كما هائلا من الأصوات وراء اية مجموعة او حراك، ولكن لان تشكيلا كهذا يعكس تمثيلا واسعا غير محصور في القوى المنظمة، بل يقدم ممثلين لقطاعات وفعاليات قد يكون لها امتداد شعبي مختلف عن التمثيل الحزبي وربما مكمل له، وربما من خلال ذلك لتحصين القوائم والتحالفات الحزبية من الانفراط امام اية أزمات تواجهها كما عبر عن ذلك احد قادة القوى اليسارية.

ان الانفتاح على المجتمع المدني والفعاليات والشخصيات يفتح الباب امام مغادرة الحوصلة الحزبية ولو تدريجيا لتوسيع قاعدة هذه القوى والتيار الديمقراطي ويعزز من التصاقها بهموم الناس لتستعيد جماهيريتها وألقها في النضال الوطني والاجتماعية لتشق طريقها وتتحمل مسؤولياتها في تشكيل كتلة شعبية ضاغطة تساهم في كسر القطبية الثنائية التي عمقت الانقسام لعقد ونصف من الزمن، ولتستعيد دورها التاريخي وتجدد برامجها وقياداتها، من الكوادر الشبابية والنسائية من مختلف القطاعات الاجتماعية وبشكل خاص الفئات المهمشة التي همها الاول والأخير النضال من اجل حرية الشعب وحقه في المساواة والعدالة الاجتماعية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير