صندوق العجب..

21.02.2021 11:45 AM

كتب: رامي مهداوي

"قـــــرب قـــــرب قـــــرب .. قرب شوف واتفرج قـرب... وصــل صندوق العجــب.. الحكـــواتي أبـــو رجــــب.. معانــا أبو زيد الهلالـي.. اللـــي سيفـه بيــلالــي.. معانــا عنتــر العبسي.. عدوه يصبـــح ما يمسي" هكذا كان يتم الإعلان عن وصول صندوق الفرجة أو صندوق العجب أو صندوق الدنيا كما يطلق عليه البعض في البلدان العربية.

ونحن الآن ننتظر صندوق الإنتخابات بلهفة الغريق الذي يريد التعلق بقشة، فالانتخابات لا تستكمل إلا بتأمين ليس فقط الصناديق بل وبتأمين الطريق إلى الصناديق حتى تستنير عقول الشباب إلى اختيار من يمثلهم فى المجلس التشريعي القادم، خاصة أن الشباب الفلسطيني أكثر من نصف تعداد سكان الوطن.

كان صندوق العجب بمثابة السينما المتنقلة في نهاية الستينات من القرن الماضي، وهو عبارة عن صندوق خشبي مستطيل وعلى احجام مختلفة، يطلي بالوان لمّاعة وعليه بعض شبر وشرائط مزركشة، لجذب انتباه الأطفال، الذين ما ان يشاهدونه حتى يهجموا عليه ملتفين حوله، ليشاهدوا ما في هذا الصندوق العجيب الغريب.

صندوق الإنتخابات بدون زركشة سيجذبنا بقوة إن تمت عملية الإنتخابات لأسباب كثيرة؛ أهمها بأننا نريد التغيير ومعاقبة كل من أساءة للمواطن والقضية الفلسطينية، بالتالي الأهم من الألوان اللماعة التي سيحظى بها الصندوق هو ما هي المادة الإنتخابية التي سيقدمها كل حكواتي عن ذاته؟ مع الأخذ بعين الإعتبار بأن المواطن الفلسطيني ليس ساذج وقد جرب الجميع وهو جاهز لقول كلمته.

في الوجه الأمامي لصندوق الفرجة توجد فتحات دائرية بقطر يتراوح 15سم، مغطاة بعدسات زجاجية مكبرة، ليتسنى للطفل مشاهدة الصور بشكل واضح. ويكون عدد الفتحات من 2-6 فتحات، حسب حجم الصندوق. ويثبت في جانبي الصندوق من الداخل عصاتين او محورين رفيعين من الخشب، ينتهيان من الأعلى بمقبضين لكل منهما خارج الصندوق.

وفي داخل الصندوق بكرة على كل طرف يثبت عليها لفة ورق عليها صور تماما مثل وضع الأفلام داخل الكاميرا، ويقوم صاحب الصندوق" الحكواتي" بلف البكرة لتظهر الصور واحدة تلو الأخرى أمام الناظرين، لكن قبل ذلك عليهم أن يدفعوا له المعلوم ويجلسون، ويبدأ الحكواتي بإدارة الصور ويحكي الرواية.

دفع المواطن الفلسطيني ما عليه قبل الذهاب الى صندوق الإنتخابات، دفع ما عليه مبكراً منذ بداية الإنقلاب ومازال يدفع بشكل يومي معاناة الفقر، الجوع، الدم، السجن، الضرب، التحريم والتخوين، سنوات من عمر شعبنا وقضيتنا ذهبت سُدى استفاد منها الإحتلال الإسرائيلي بغرس أنيابه بجسدنا الفلسطيني المُنهك.

لا أعرف ماذا سيشاهد المواطن الفلسطيني عندما سيقف أمام صندوق الإنتخابات من صور وسيناريوهات عاشها بمرارة وقهر وأوجاع؟! هل سيشاهد الفساد والإختلاس؟ هل سيشاهد صورة القدم التي داست على صورة رمزه الوطني" ياسر عرفات"؟ هل سيشاهد الحروب التي دمرت غزة؟ هل سيشاهد كيف قتل الأخ أخيه؟ هل سيشاهد العصى التي ضرب بها؟ هل سيشاهد بعض القيادات الذين تلونوا بناءً على مصالحهم الضيقة!!

أخشى أن يكون صندوق الإنتخابات القادم؛ القصة التي يرويها الأجيال القادمة، أن هذا الصندوق هو الذي ضيع ما تبقى من فلسطين فينهي عرضه الحكواتي ويجر صندوقه خارج فلسطين متجهاً صوب أطفال العالم وهو يكمل أغنيته بوصية " الدُنيا صندوقة فرجة، لا تغرّك فيها البهجة، من يوم ما خلقت عوجة، لا تبكي عليها ولا تنوح".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير