الظلم الذي استفحل

19.02.2021 05:05 PM

كتب د. مصطفى البرغوثي : أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على هدم جميع بيوت وخيام ومرافق الحياة لتجمع خربة الحمصة الفوقا في الأغوار الشمالية للمرة الرابعة فيما يمثل محاولة لئيمة لممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين القاطنين في هذه المنطقة بهدف الاستيلاء على آلاف الدونمات في سهل يقع فيه التجمع. ولا يمر يوم دون ان تقوم قوات الاحتلال بهدم بيوت و منشآت في منطقة الأغوار، وتواصل تهديد سكان الخان الأحمر بالترحيل بعد أن فشلت كل هجمات ودسائس الاحتلال أمام صمودهم.

  الهدف الحقيقي من عمليات القمع و الترحيل واضح، ضم الأغوار التي مساحتها حوالي ثلاثين بالمئة من الضفة الغربية بعد تطهيرها عرقيا لإسرائيل.

خلال نفس اليوم الذي هوجمت فيه الحمصة الفوقا اغتال حراس مستوطنة إسرائيلية الشاب الفلسطيني خالد محمد نوفل بدم بارد ودون أي مبرر بعد أن أصبح قتل الفلسطنيين هواية يمارسها المستوطنون وجنود الاحتلال تحت غطاء ادعاءات جاهزة  بأن الشهداء كانوا ينوون القيام بعمليات ضد الاحتلال.

الشاب عامر صنوبر ضرب بوحشية من الجنود مما أدى لاستشهاده قبل أشهر، أما إياد الحلاق الشاب الفلسطيني المصاب بالتوحد فقد طورد وقُتل أمام المسجد الأقصى ولم يستطع الإحتلال إخفاء جريمته ضد شاب يعاني من الإعاقة.

ولا يمر يوم على فلسطين دون أن تقتحم قوات الإحتلال المدن والقرى و تعتقل العشرات دون أدنى اعتبار اعتبار للسلطة الفلسطينية والاتفاقيات المعقودة معها.

على مدار أكثر من سبعين عاما رسخت إسرائيل ما هو أكثر من الاحتلال بإنشاء منظومة أبرتهايد عنصرية تضطهد جميع الفلسطينيين سواء كانوا يعيشون في أراضي 1948 أو الضفة والقطاع، أو ملايين المهجرين منهم المحرومين من حق العودة إلى وطنهم.

لا يوجد شعب عانى في العصر الحديث ما يعانيه الإنسان الفلسطيني، وليس على يد المحتلين وحدهم.

أعرف لاجئين فلسطينيين اضطروا تحت ضغط الإرهاب والمجازر عام ١٩٤٨ ان يهاجروا الى لبنان وسوريا. ثم اضطروا في خضم الحروب التي شنتها إسرائيل وعملاؤها ان يهاجروا من مخيم إلى مخيم، ومن بلد إلى بلد.

المحظوظ منهم انتهى به المطاف في صقيع النرويج او السويد، والكثيرون انتهى بهم الحال الى مقابر الشهداء أو مخيمات المهاجرين القاسية.

ومئات الآلاف اضطروا أن يحملوا على ظهورهم صليب معاناتهم، وصلبان معاناة شعوب العراق وسوريا ولبنان وغيرها.

آلاف ماتوا وهم يحاولون  عبور الحدود الملتهبة، أو قضوا ، كما وصفهم غسان كنفاني في رائعته "رجال في الشمس" في صهاريج النقل في صحراء الخليج.

كم رجل وامراة وكم طفل عانوا الأمرين في مطارات ترفض احترام إنسانيتهم. وكم من المرضى ماتوا لأنهم عجزوا عن الخروج من سجونهم، ليصلوا إلى العلاج الذي يحتاجونه.

لا يوجد في التاريخ الحديث ما يشابه بشاعة حبس مليوني فلسطيني في قطاع غزة الذي أصبح سجنا محكم الإغلاق من كل الجهات، يعاقب سكانه كل بضعة أعوام بحملات قتل وتدمير تقتل الاطفال قبل الكبار وتدمر البيوت وتلوث المياه، ويُمنع عشرات آلاف المرضى من سكانه الذين يعانون من أمراض خطيرة كالسرطان من الخروج للعلاج.

من من الفلسطينيين كبارهم وصغارهم، بما في ذلك من يخدعون انفسهم وشعبهم بحمل بطاقة VIP ، لم يعاني الإذلال المقيت على الحدود والحواجز.

وهل هناك ما هو أقسى من أن يقف فلسطيني من اقرث و كفر برعم أو عمواس وبيت نوبا على بعد أمتار من أرضه وقريته التي دٌمرت ولا يسمح له بالعيش فيها او اعادة بناء بيته و ذكرياته التي يغتصبها يوميا مهووسون عنصريون جاءوا من أصقاع سيبيريا أو أطراف كندا؟

وهل هناك قسوة اكبر من ان تُحرم أم أو أب من رؤية أبناءه وبناته لعشرات السنين، أو أن يتسابق الأسرى الفلسطينيون في احتساب سنوات الاعتقال التي تجاوزت الثلاثين عاما ليكسروا كل الأرقام القياسية في عدد سنوات السجن و الاعتقال ؟

وهل يشعر نشطاء حقوق الانسان ومنظماتهم العالمية بما يعنيه ان يعيش الشاب او الفتاة الفلسطينية حالة مزمنة من انعدام  اليقين، والعجز عن التخطيط لحياتهم ومستقبلهم؟

كم من الأحلام حطمت، وكم من المشاريع دمرت، لأن طالبا منع من العودة الى جامعته لاستكمال الدراسة أو لأن خطيبا حرم من رؤية خطيبته لسنوات طويلة.

وهل هناك ما هو أبشع من ممارسة إسرائيل لطب الأبرتهايد بتوفير المطاعيم ضد وباء الكورونا لحملة الهوية الإسرائيلية وترك أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة فريسة للوباء؟

الاحتلال والتهجير ليس مأساة سياسية فقط. انه وحش كاسر يلتهم حياة الناس ويتغلغل في أعماق مشاعرهم، ويحاول افتراس طاقاتهم، وقتل أحلامهم، ولذلك يجب ان يقاوم.

ولهذا قاومه ويقاومه الفلسطينيون بكل جوارحهم صانعين معجزة صمود مبهرة ومتواصلة على أرض فلسطين وفي المهاجر.

لم ينسوا ولن ينسوا.

ولم تفلح آلة القمع والتنكيل والحروب والتمييز العنصري في افنائهم أو قهرهم.

حتى صار الصمود الفلسطيني أعجوبة تحير الجميع، والبقاء على الأرض أسطورة حية، وغدا اسم الفلسطيني رمزا لقيم الحرية والعدالة والثورة على الظلم والطغيان.

رغم كل المعاناة، نحن نفتخر بفلسطينيتنا، ولكن أما آن لهذا الظلم الذي استفحل ان يزول ؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير