عباس السيد.. 12 عاماً وقصاصات من صور قطط وحمام - فؤاد الخفش

09.05.2013 09:18 AM
اثنا عشر عاماً متواصلة تلك التي أمضاها السيد عباس ( حتى الآن ) في سجون الاحتلال وفي كل مرة وفي هذه الذكرى أعود للكتابة متمنياً على رب عباس أن يعجّل في فرجه وأن يعيده لأسرته وعائلته سالماً غانماً ، مع يقيني أن الأمور لا تتم بالأماني ولكن هو رجاء الفقراء المحبين أمثالنا.

قادتني أقداري ظهر هذا اليوم وقبل ساعات من ساعة دخوله عامه الثاني عشر في سجون الاحتلال لتهنئة الأسير المحرر عمر عيسى الذي طلب مني أن أوصل رسالة أخرجها عباس لزوجته مع الأسير المحرر ومع الرسالة كان هناك بضع قصاصات من الورق المقصوص من جرائد وصحف بها صور قطط وحيوانات أليفة قام بتجميعها الأسير القائد لولده الوحيد ( عبد الله ) لأن عبد الله يحب ويعشق مثل هذه الصور وهذه الكائنات.

نظرت لها وثارت بالنفس ألف خاطرة وتخيلت عباس في زنزانته وهو يتابع الأخبار السياسية في الصحف القديمة التي تصله وتوقفه عند منظر يحبه ولده ، فيستأذن رفاق القيد لأخذ هذه الصورة وهذا عرف السجون لأنها حق عام فيؤذن له فيقص الصورة ويخفيها ليقتنص فرصة الإفراج عن أسير (وهي فرص نادرة في سجن هداريم) يخرجها معه ليدخل السرور على قلب عبد الله الذي كبر بعيداً عن حضن والده .

هذا النوع من الرجال والقادة يملك قدراً كبيراً من الحب والمشاعر الجياشة ولديه إحساس بالأمور والجماليات لا يوازيه إحساس ، هذا النوع من القادة يهتم بشكل كبير في المناسبات الاجتماعية الخاصة فيحرص وقبل وقت طويل على إرسال أجمل الكلمات والمشاعر في جميع المناسبات الخاصة ... بل إن تفاعله مع المناسبات أكبر من تفاعل غيره لأن عدد المرات التي شارك فيها عائلته المشاعر والمناسبات قليلة فقد أمضى جل عمره مطارداً وأسيراً.

في كل مكان تنطبق مقولة ( البعد جفاء ) إلا لدى أسرانا الذين يمضون أجمل الأوقات في سجنهم يتحدثون عن أطفالهم وصغارهم الذين كبروا وعن الذكريات التي جمعتهم بها بل يحتفلون بطرقهم الخاصة في ميلاد طفله الذي أصبح شاباً داخل الأسر بما تيسّر من حلويات ومرطبات ، هم مع عائلاتهم حاضرون في كل مناسبة .
عباس السيد كرامة شعب وحكاية مجاهد لم يلقِ عن كتفه في يوم من الأيام حب وطنه والعمل من أجل تحريره .

التقيته المرة الأولى في سجن النقب عام 1993 ولم يكن معي في ذات القسم ولم أتحدث إليه بأي موضوع فقط كل ما حملته ذاكرتي عنه حديث رفاق القيد عن صمود الرجل في أقبية التحقيق وكيف لقّن المحققين درساً في الصمود وكيف لم يعترف وأنه مهندس ولم يكن عمري حينها سوى سبعة عشر عاماً فحفظت اسمه وطبعت صورته في مخيلتي وتمنيت التقرب منه .

عدت مرة أخرى لألتقيه في سجن الجنيد نهاية التسعينات وكان حينها مع ثلة لم يبق منهم أحد مضوا إلى ربهم شهداء وأشلاء ، حينها كنت أنظر له عن بعد يجلس في ساحة السجن تحت الشمس ومن حوله زوجته وطفلاه الصغيران ( مودة وعبد الله ) فكنت أنظر وأقول أي نوع من الرجال هذا ..

خرج من سجنه وخطّ طريقه نحو وطنه وأصبح صاحب الصولات والجولات والرقم الأصعب في المعادلة واعتقل بعد طول جهاد وحكم بالحكم الكبير المؤبدات التي لا تحصى ، وعدت أتقرب له بالكتابة مرة بعد مرة عساني أضئ شمعة أمام شمس عطائه ، وماذا عساها تفعل الكلمات أمام القامات السامقة!!

لعباس في عامه السابع والثامن والتاسع كتبت وتوقفت في العاشر بسبب الاعتقال وعدت لأكتب في العالم هذا وأطلق الأماني وهل يحرر الرجال بالأماني ؟؟ لا أظن ذلك فعباس الذي رفض الاحتلال الإفراج عنه ما زال أمله بالله كبيراً وما زالت زوجته تنتظر وما زالت مودة تحمل صورته أمام الكاميرات تتحدث عن أبيها وحبها له ، وما زال عبد الله شبيه أبيه يجمع ويحتفظ بالصور التي يخرجها له أبوه ويحلم بأن يخرج الوالد ويحضر له الطيور التي يحب والحيوانات الأليفه التي يريد ، وقبل كل هذا حضن دافئ يلقي عليه حمل السنين .

لعباس في عزل هداريم ... كرامتك كرامتنا وجرحك جرحنا وحبك في قلوب الرجال الأوفياء من أبناء شعبك كبير نعرفه نحن يقيناً وتحسّه أنت بقلبك الرقيق وحسك المرهف واعلم أننا مهما كتبنا فلن نوفيك حقك علينا ، دمت فارساً ملهماً وقائداً حقيقياً في زمن أنصاف القيادات .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير