الانتخابات ووعي المواطن الفلسطيني

09.02.2021 08:43 AM


كتب: أشرف صالح

إن صمت المواطن الفلسطيني على الانقسام طوال السنوات الماضية، خشية منه أن يترجم نزوله للشارع الى ثورة ضد الحاكم، وتتحول الشوارع الى دماء مهدورة،  جعل الأحزاب السياسية تعتقد أن المواطن لا يعرف شيئا بما يدور حوله، وبالتالي فلا يملك إلا أن ينتظر تطبيق مخرجات الاجتماعات بين الأحزاب والتي بدأت منذ أربعة عشر عاماً ولم تنتهي بعد، وحتى في اجتماعات القاهرة المنعقدة الآن فلا زالت الأحزاب تتشاور على قاعدة أنها صاحبة الولاية وصاحبة الحق في إبطال الانتخابات في أي لحظة وبحسب مزاجها العام أو أجندتها الخارجية، ولهذا السبب بالذات نجد أن الشارع الفلسطيني  يترقب الحوارات بخوف شديد، وهذا الخوف بحد ذاته يتولد من القاعدة التي ذهبت على أساسها الأحزاب السياسية الى حوارات القاهرة، وهي أن الانتخابات الفلسطينية تخص الأحزاب وحدها، وبناء على ذلك تستطيع الأحزاب التحكم بها بعيداً عن إرادة الشعب، وبدليل أن حوارات القاهرة التي تجرى الآن لا زالت تأخذ طابع الحوارات القديمة، والقابلة للفشل في أي لحظة، رغم أنه عملياً لا يجوز أن تحمل حوارات القاهرة الحالية نفس طابع حوارات المصالحة القديمة، لأنه يوجد الآن مراسيم رسمية بالانتخابات وبتحديد مواعيدها على مرأى ومسمع العالم وبموافقة كافة الأطياف الفلسطينية عليها، وبناء على ذلك فمن المفترض أن تتمحور حوارات القاهرة حول إدارة ولوجستيات الانتخابات، وليس حول مناقشة قوانين وسياسات وملفات شائكة ليس لها علاقة بطبيعة مفهوم الانتخابات كونها حق للشعب وليس للأحزاب.

إن المواطن الفلسطيني واعي بما يدور حوله جيداً، ويعرف تماماً حقوقه وواجباته، ولو قارنا بينه وبين الأحزاب السياسية والتي تتعامل معه وكأنه كمالة عدد، لوجدنا أن الأحزاب هي الخاسرة، لأن دليل خسارة الأحزاب في هذه المقارنة هو وجود انقسام نتيجة فشلها المتكرر بإنهائه، وحتى أن الأحزاب فشلت في إدارة الحوارات بحد ذاتها، وأكبر دليل على ذلك هو وجود هذه الحوارات خارج فلسطين، وبرعايات مختلفة ومتعددة، وزد على ذلك أن كل خطوة تخطيها الأحزاب تحتاج الى ضمانات دولية، إذاً فصمت المواطن الفلسطيني ليس شهادة على عدم وعيه، بينما فشل الأحزاب السياسية في إنجاز مجرد ملف داخلي يسمى بالمصالحة هو أكبر دليل على عدم وعي الأحزاب .

أعتقد أن الدلائل كثيرة على وعي المواطن الفلسطيني بما يدور حوله، فعدم نزول المواطن الى الشارع بسبب القيود الأمنية، لا يعني أنه عديم التعبير عن رايه، فالمواطن الفلسطيني عبر عن رأيه على كل منصات التواصل الاجتماعي، وفي كل وسائل الإعلام، وعبر عن رأيه عبر مؤسسات المجتمع المدني، والنقابات والاتحادات وحقوق الإنسان وجميع الأطر المهنية، وحتى في الأطر السياسية كان هناك تعبيرا عن الرأي، ولكن التعبير السياسي يدخل في سياق المنافسة أو الحرب بين الأحزاب، فمثلاً إبن حماس يقول في فتح ما قاله الإمام مالك في الخمر، وكذلك إبن فتح يقول في حماس ما قاله الإمام مالك في الخمر، ويعتبر تعبير الموطن من داخل حزبه وعياً مؤطراً ومسيساً، وبحاجة الى الخروج كي يتطور ويصل الى مرحلة تحديد جهة الخطأ وجهة الصواب بشفافية ونزاهة، ولا يقتصر وعي الموطن على الحراك المؤسساتي والكتابة على التواصل الاجتماعي وإبداء رأيه عبر وسائل الإعلام، إنما ثبت هذه الأيام أن الإقبال على التسجيل للانتخابات كبير، وهذا يدلل على أن المواطن يعرف حقه جيداً في الانتخابات، ويعرف أنه مصدر للسلطات، وحتى وبحسب التوقعات أن الأيام القادمة ستشهد تغير واضح في خريطة الانتخابات، وهذا التغير يتمثل في مشاركة كبيرة من المجتمع المدني والمستقلين من خلال قوائم غير حزبية، وحتى على مستوى الرئاسة فمن المتوقع أن يزداد عدد المرشحين للرئاسة كمستقلين.

السؤال المهم في هذا المقال والذي يدور في عقل المراقبين حول العالم، وهو، لماذا المواطن الفلسطيني والذي نضرب فيه المثل بالشجاعة، والذي يعرف ويعي كل ما يدور حوله، لا يتحرك فعلياً في الشارع لتغيير الواقع كما حدث في البلدان العربية ؟ الإجابة بكل صراحة وقد يعرفها الإقليم أيضاً، وهي تعتبر الإجابة  الأهم من سبب خشيته النزول الى الشارع بسبب مفهوم الثورة وحمام الدم والقبضة الأمنية، هي أن المواطن الفلسطيني يرتبط بمصدر دخله ارتباطاً كلياً بصانعي القرار أو الحاكم الفعلي أو الحزب المهيمن، سواء كانت وظيفة أو بطالة أو عمل أو مساعدات أو أو أو...إلخ , وهذا الارتباط بحد ذاته يعتبر قيد يكبل المواطن ويجعل له خط رجعة وسقف معين، وحتى في سياق ما ذكرت أعلاه من أدوات التعبير عن الرأي، نجد أن المواطن أصبح له سقف ومرجعية لسلوكه التعبيري، وبالطبع كلها مرتبطة بلقمة العيش، فالقيود المعيشية والأمنية  ترجمت شخصية المواطن الفلسطيني أمام الساسة وأصحاب القرار، على أنها غير واعية وغير مثقفة سياسياً وقانونياً ولهذا نجد عزلة كبيرة بين الأحزاب السياسية والحكام وبين المواطنين، وهذا أدى بالطبع الى أن الأحزاب السياسية أصبحت تخطئ وتتمادى في الخطأ، وأصبت تفشل وتتمادى في الفشل، في حين أنه لا زال المواطن وسط القيود ينتظر موعد الإقتراع، كي يمارس حقه ويثبت أنه صاحب الاختيار الصحيح.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير