حراك استقلال القضاء .. نقابة المحامين تستحق الدعم

07.02.2021 11:18 AM

 كتب عمار جاموس: للأسبوع الثالث على التوالي، يستمر حراك استقلال القضاء الذي تقوده نقابة المحامين للدفاع عن حق المجتمع في قضاء مستقل يحترم الحقوق ويصون الحريات. فعاليات احتجاجية عديدة أعلن عنها ونفذها مجلس نقابة المحامين رفضاً للقرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية والقرارات بقانون الأخرى المعنية بالشأن القضائي مطالباً بإلغائها وإلغاء جميع آثارها.

شيء طبيعي أن يخوض المحامون هذه المعركة، لأنهم هم قادة التغيير في المجتمعات ومنظري الثورات، فالثورة تحدث كردة فعل على اهانة سلطات الدولة للدستور "العقد الاجتماعي بين السلطة التي تحتكر وسائل العنف وبين المواطنين العزل". الدستور بشكل أساسي هو وسيلة لحماية الناس من شر السلطة، والسلطة شر، والدستور هو لحماية الناس من هذا الشر. فإذا انحرفت السلطة عن مصلحة العموم؛ تحقق الشر، والمحامون باعتبار تخصصهم هم الأكثر إدراكاً لهذا الانحراف وآثاره على حقوق الناس، ولذلك كانوا هم الأسبق في حث الناس على الدفاع عن عقدهم الاجتماعي وتذكيرهم بأن تقاعسهم عن ذلك فيه هلاكهم،  لذلك، ليس غريباً ولم يأت من فراغ نص قوانين مهنة المحاماة على أنها مهنة حرة تعاون السلطة القضائية في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ونصها كذلك على أن هدف نقابة المحامين هو تكريس سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

القرارات بقانون المعنية بالشأن القضائي، هي شر محض، هي مثال على الشر الذي تكون عليه السلطة إذا خرجت عن الدستور "العقد الاجتماعي"، ففيها انحراف تشريعي واضح وإهانة للدستور ومبادئ النظام الديمقراطي، لقد أنهت استقلال القضاء، وهدمت الفصل بين السلطات، ونالت من سيادة القانون، وتنكرت لحقوق طبيعية لصيقة بالبشر "حق الدفاع والمساواة مثالا"، ولك أن تتأكد من ذلك بالاطلاع سريعاً على نص القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية والذي يسمح بعزل أي قاض بمجرد الاطلاع على ملفه ومرفقاته وبدون أن يمنح فرصة الدفاع عن نفسه، فمن هو القاضي الذي سيحكم بالعدل وهو مهدد بالذهاب للمنزل وفقدان وظيفته بتلك البساطة؟!

لا عدالة ترجى إذا كان القضاء غير مستقل، وإذا غاب العدل الذي هو أساس الملك، حل الظلم، والظلم عاقبته وخيمة.
من ناحية أخرى، فإن تلك القرارات تلحق ضرراً كبيراً بمهنة المحاماة، بالطريقة التي كتبت فيها ومن ثم إصدارها وصولاً إلى سريان مفعولها بنشرها في الجريدة الرسمية على حين غرة، هذه الطريقة، تجاهلت بشكل كامل رسالة مهنة المحاماة في إقامة العدل، وتتجاهل جسم نقابي منتخب "هي الجهة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية من بين اللاعبين الحاليين في قطاع العدالة"، وربما في ذلك رسالة من السلطة التنفيذية بأنها لا ترى أحد حتى لو كان معبراً تعبيراً حقيقياً عن إرادة أعضائه. كما أن المحامي لا يمكن أن يؤدي عمله في الدفاع عن حقوق موكليه على أكمل وجه أمام قاض غير مستقل، فالقاضي غير المستقل لن يكون ولاؤه للقانون والضمير، بل للأشخاص الذين يستطيعون وبسهولة إرساله للمنزل أو ترقيته أيضاً بسهولة.

إن أخطر ما في تلك القرارات هو أنها تجعل من حالة الخروج عن الدستور وحالات أخرى غير منطقية كانت تحدث في الماضي، جزء من النظام القانوني للدولة الذي من المفترض أن يعبر عن ضمير الشعب ووجدانه، وهذا بالتأكيد سوف يضعف المساءلة المجتمعية التي تعتبر نقابة المحامين جزءاً منها. سابقاً وفي أي حالة خروج عن القانون، فإن المساءلة المجتمعية سوف تكون فاعلة وبسهولة تستطيع الاحتجاج بأن ثمة خروج عن القانون وتطالب بإعمال صحيح القانون. أما الآن، فالأمور "قانونية" تماماً، هذا سيضعف المساءلة المجتمعية لحالات الخروج الحقيقي عن القانون، وإن كان ذلك في جميع الأحوال لا يؤثر على المساءلة القانونية، فالقوانين السيئة لا تعفي المسؤول عنها أو من يطبقها من المساءلة أمام القضاء في أي فرصة تتاح طالما كان هنالك تنكر لمبادئ الدستور واعتداء على الحقوق والحريات التي يكفلها، وتوفرت عناصر علاقة السببية و الإرادة الآثمة.

لذلك كله، أعتقد أنه من المهم جداً استمرار نقابة المحاميين في احتجاجاتها وفعالياتها حتى تحقيق جميع مطالبها، وهي تستحق كل دعم مجتمعي في ذلك. والمحامين الآن يدفعون ثمن دفاعهم عن حق المجتمع في قضاء مستقل من قوتهم وقوت أطفالهم، يدفعون ثمن إعمال مسؤوليتهم في تكريس مبدأ سيادة القانون التي أسندها إليهم قانون تنظيم مهنة المحاماة. إلا أن الثمن المترتب على التراجع الآن والقبول باستمرار سريان القرارات بقانون هو أكبر بكثير، لا بل لا يقارن بثمن تعليق الدوام. 

يقول داوود درعاوي عضو مجلس النقابة مخاطباً المحامين: "معركة الكرامة التي تقودها نقابتكم تستحق أن ندفع الثمن وإن كان من مصالحنا ومصدر رزقنا، لكن التراجع والانكسار لن يصيب مجلس النقابة وحده وإنما سيطيح بكرامتكم اولا وبنقابتكم ثانيا بحق المواطن في قضاء مستقل".

موقف نقابة المحامين يستحق الدعم والالتفاف الشعبي من الجميع بمن فيهم السادة القضاة، فصمت القضاة الأفراد حتى الآن على قوانين تجردهم من ضمانات استقلالهم وتتعامل معهم على أنهم موظفين وليسوا سلطة رئيسية من سلطات الدولة الثلاث، لن يمر مرور الكرام، وربما يحتاج الأمر لسنوات طويلة لترميم صورة هيبة القاضي وعزته وغضبته، فكيف سينظر المجتمع والمحامي بعد الآن إلى قضاة صمتوا وقبلوا بمثل هذه القوانين؟! فالقاضي والمحامي إذا لم يكونوا قادرين على الدفاع عن حقوقهم كيف سينبرون لحماية حقوق الناس والدفاع عنهم؟!

لذلك، اعتقد بضرورة أن يقوم السادة القضاة سريعاً بواجبهم وإعمال مسؤوليتهم في حماية استقلال القضاء برفضهم وإعلان رفضهم لتلك القرارات. صحيح، أن قضاة أعلنوا صراحةً رفضهم لتلك القرارات ومن ضمنهم القاضي عبد الله غزلان -أقدم قاض في المحكمة العليا، لكن يد واحدة لا تصفق، الأمر بحاجة إلى رفع الصوت عالياً من قضاة فلسطين كافةً، فالأمر لا يعني القضاة فقط، بل يتعلق بحقوق الآخرين.أخيراً من المؤسف جداً استمرار إدارة الظهر لمطالب نقابة منتخبة بانتخابات حرة ونزيهة ودورية، من المؤسف حقاً تجاهلها وتجاهل المجتمع المدني. من المؤسف تصوير الحراك بأنه صراع تنظيمي داخل فتح -وعلى فرض أنه كذلك وهو فرض ساقط-، هل يجب أن نصمت نكاية بفتح أو بأحد أجنحة فتح؟! وهل يعقل أن مجلس غير فتحاوي كان سيصمت على هذه القرارات؟! طالما موقف مجلس النقابة هو إعمال صحيح القانون لماذا لا يستحق الدعم؟! لماذا؟!

يجب الإسراع في الاستجابة إلى مطالب نقابة المحامين، احتراماً للدستور وللقيم التي يُعليها والحقوق التي يكفلها والحريات التي يصونها، واحتراماً أيضاً لإرادة المحاميات والمحامين أعضاء الهيئة العامة الذين ينتخبون دورياً ممثليهم في مجلس نقابة المحامين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير