تحديد الانتخابات الفلسطينية اشارة امل وعنوان تحدي

23.01.2021 09:02 PM

كتب: الأسير خليل أبو عرام

منذ وقوع الانقلاب عام 2007 وصفحة سوداء تلف شعبنا ونظامها السياسي الفلسطيني، وتعيق حركته وانجازاته، وتجلت مظاهر إحداثيات العجز لدى النظام السياسي الساعي للخروج من هذا المأزق في عدم قدرته على إجراء الانتخابات؛ كاستحقاق شعبي لإعادة تجديد الشرعيات البرلمانية والرئاسية، التي مارست دورها في ظل دوامة التشكيك والطعن والتجاذبات على مدار تلك الأعوام الطويلة، وتركت بظلالها السلبية على مشروعنا النضالي التحرري، وأساءت لنضالنا الوطني، وأعاقت تحقيق المنجزات.

أما وأن الجهود والوساطات المحلية والأقليمية والدولية قد نجحت في الوصول لهذه اللحظة الحاسمة، والتي أدركت فيها الأطراف الفلسطينية المعنية ضرورة رأب الصدع كنتيجة لتلك الوساطات ولوجود بعض المتغيرات الدولية والاقليمية، فلا يسعنا إلا أن نرحب بهذا الموقف ونشكر كل المساعي الحميدة التي ساهمت في إنجازها .

والآن وبعد الإعلان عن هذا الموعد من خلال المرسوم الرئاسي والذي رحبت به كافة الأطراف، وهو ما تنعقد عليه الآمال ليكون سبباً في نقلنا خطوة للأمام على صعيد المصالحة، ويجدد شرعية مؤسساتنا ويدخلنا في حالة شراكة فعلية في النظام الفلسطيني بعد إتمام مراحل هذه العملية الانتخابية، وهذا ما يفرض علينا تحدٍ كبير رغم ما يمثله من بشارة خير وأمل ولكن أيضاً، ولكن هنا كبيرة وتحتاج الى توضيح، لا سيما وأن الشياطين تكمن في التفاصيل خاصة وأن التفاصيل لاتتعلق فقط فيما بين الفصيلين الرئيسيين، حركتي فتح وحماس فحسب، إنما قد تكون هذه المرة أيضاً في مؤسسات الفصيل الواحد والتي قد شابها الكثير من الخلل والاستبداد وطول فترات الخدمة وتخطي أجيال كاملة والمرور على استحقاقها من قبل المسؤولين، الذين ما أن يجلس أحدهم على الكرسي ويتمسك بزمام المنصب إلا ويصبح الكرسي جزءاً من ميراثه الشرعي الذي لن يتخلى عنه إلا بحضور ملك الموت وإن تركه فلورثته، وبالتالي حتى ضخ الدماء الشابة في المؤسسات التنظيمية بات غاية بحد ذاته، والتنويع فيها لا يكون إلا بالوساطات والولاءات.

وأمام كل تلك الآمال والعزائم والطموحات المبنية على هذا الإنجاز وكي لا نزيد العوائق ونضع العصي في الدواليب لهذا الاستحقاق الذي انتظرناه طويلاً وبفارغ صبر، ولكن لكي نكون ايجابيين في التعاطي مع هذا الفعل علنا نغير الواقع للأفضل فإننا سنشير إلى جملة من القضايا والتساؤلات التي تبقى بحاجة لإجابة من جهة، ولكي يتم التنبيه لها وإيجاد مخارج وحلول لها من جهة أخرى، كي لا نعود نراوح في ذات المكان فعودتنا حينها قد تسبب لنا اليأس واسئلتنا تأتي من التفاؤل المفرط؛ لأن هذه المرة لم تكون كغيرها وأن قطار الانتخابات بعد المرسوم الرئاسي والترحيب الفصائلي فعلاً سينطلق وهذه التساؤلات والقضايا هي:

1- هل فعلاً حركة حماس معنية ومقتنعة بالإنتخابات أم أنها مجبرة وتناور  على أمر ما يحدث ويقلب الموازين، وهل ستسلم إدارة القطاع للسلطة الوطنية في حال فشلها إذا ما فشلت؟ أم أنها حين إذٍ ستقلب ظهر المحسن وتدير ظهرها وتبقى على قطاع غزة رهينة تحت سلطتها؟ وإذا ما أرادت تسليم القطاع والاستجابة لشرعية صندوق الاقتراع، فهل ستعلن عن حل كتائب القسام أم ستبقيها ميليشيا مسلحة على غرار حزب الله في لبنان؟ أي بمعنى هل هناك حسماً لهذه الأمور أم أننا سنعود للحوار من جديد بشأنها وهو ما قد يفجر الأمور أو يعيدنا للمربع الأول وأن كنا نأمل بوجود جيش وطني يعمل على حماية الشعب وتحقيق حلمه في التحرير وبناء الدولة المستقلة وليس قوات أمن وأجهزة استخباراتية على غرار الانظمة العربية، لا سيما وأننا لا زلنا شعباً يرزح تحت الاحتلال.

2- أما التساؤل الثاني والمتعلق بحركة فتح فهو أمرٌ مختلف لكنه لا يقل حساسية وتعقيداً عن الأول، فضلاً عن دورهِ في إثارة جدلاً داخلياً قد يضر بالحركة وقد يؤول بها للسقوط، إذا لم تحصن نفسك جيداً وبطرقٍ إبداعية وقد يكون سقوطها هذه المرة كارثياً وهذا ما لا نتمناهُ لها، ويعودُ ذلك للأسباب الداخلية التالية:

أولاً: أزمة الرئاسة، صحيح أن المرحلة الأولى للإنتخابات هي التشريعية لكن بعد شهرين تقريباً سنكون أمام استحقاق الانتخابات الرئاسية، وهذا الأمر الأهم لأنه رأس الهرم السياسي والطموح الذي تسعى إليه الفصائل ولا يمكن فصل المرحلة الأولى عن الثانية، كما أن هذه الأزمة وإن كانت داخلياً منومة حالياً فقط، فهو تنويماً مغناطيسياً ما دام الرئيس قائم بدورهِ من ناحية، وما دامت الأطراف الطامحة على صعيد الحركة لم ترى حراكاً على صعيد العملية الانتخابية والآليات التي سيتم التعامل بها لفرز المرشحين لقائمة الحركة ومن هم أطرافها، هذا من جهة أخرى، وما إن كانت الحركة ستبقى مصرةً على وجود الرئيس أبو مازن على رأسها للسباق الرئاسي القادم دون الأخذ بأراء وحقوق هؤلاء الطامحين، أو محاولة تحديد من هو خليفة الرئيس في حال تنحيه الذي بات وضعه الصحي وتقدم عمرهِ محط أنظارٍ ودراسة وتكهن لمعرفة خليفته القادم على الصعيدين المحلي والإقليمي وأيضاً الدولي، وبناءاً على ذلك نعتقد أن عدم الوضوع أمام الطامحين لهذا المنصب الذين يرون أن من حقهم المنافسة بل ويتابعون استطلاعات الرئيس ويرون أن فرص فوزهم أفضل في تحقيق النجاح أمام منافسين حماس الذين قد يكونوا مستعدون جيداً، ناهيكَ عن تقول البعض بأن تراجعهم في الماضي كان بناءاً على وعد بأن يكونوا على رأس الحالة في المرحلة القادمة ولذلك فإن عدم ترتيب الأوراق جيداً قد يضرُ بالحركة ووضعها التنافسي.

ثانياً: أزمة التيار الدحلاني، مما لا شك فيه أن لهذا التيار أنصاره بين صفوف وكوادر الحركة ويجب عدم الاستهانة أو تركهِ بلا علاج، فضبابية الموقف تجاه هذه الفئة نتيجة عدم محاكمة عضو البرلمان وعضو مركزية فتح السابقين محمد الدحلان في محاكمة السلطة؛ قد يلقي بضلالة السلبية على وضع الحركة في هذه الانتخابات وخصوصاً في صفوف الحركة التي ستجد أن هناك كادراً حركياً وعناصر فاعلة لا زالوا يتعاطوا مع هذا التيار، الأمر الذي سيضعنا أمام التساؤلات التالية:
هل سيتم تصفية الأمور وإجراء مصالحة داخلية مع محمد دحلان قبل خوض الانتخابات، وإعادة تصويب وضعه الحركي لا سيما في ظل ضغوط بعض الأطراف الإقليمية والعربية من جهة، وخشيةً من هزيمة فتح إذا ما تشضت من جهةٍ ثانية.

هل سيلتزم دحلان الحيادية في الانتخابات تاركاً المجال لأنصارهِ بانتخاب القائمة الفتحاوية مسجلاً بذلك نقطةً مضيئة على الصعيد التنظيمي، منتظراً غياب خصومهِ ومفوتاً فرصة الاتهام لتقويض الحركة.

هل سيقوم بقلب الطاولة ومسبباً هزيمة للحركة، وهنا سيكون موقف أنصارهِ إما الخروج عليه أو الانقسام معه وضده، وهكذا تنتهي مبادرته للأبد.

في حال عودته وتصويب مسارهِ ماذا ستكون الحجة التي تم الاستناد عليها لعودتهِ بعد تلك الاتهامات القاسية.

ثالثاً: أزمة تدافع الأجيال وصراع الكادر الفتحاوي في ظل ديمقراطية غابة البنادق، لا شك أن لدى هذه الحركة صاحبة القاعدة الجماهيرية العريضة والإرث النضالي والتجربة الطويلة معضلة أساسية في عدم وضعها قانوناً يحدد فترات الخدمة في مؤسسات الحركة العليا، فضلاً عن عدم أخذهم بسنة التبديل والتدافع، كما هو الحال مع شجرة الموز التي تستبدل كل خمسة أعوام تاركة المجال لفروعها، وبالتالي استبد الجيل القديم أو جيل الخارج وما زال بالقرار، وبات الجيل الثاني والثالث والرابع منتظراً أن يأتي دوره عله يمارس خبرتهِ التنظيمية التي راكمها، لكن دون جدوى ولذلك بات الصراع مع الأجيال الناشئة التي لم تعد تثق بقيادتها الميدانية من الجيلين الثالث والرابع الذين لم يستطيعوا وصول الهرم لإعطائهم الفرصة، وتراكم الكادر وبات الصراع بينهما على هذه الأرضية، أرضية الإلتزام الطوعي النابعة من تربيةٍ ثورية لم تنصف أصحابها وبين جيلٍ متمرد على قادتهِ ويرى أن تنظيماً لا يتقدم انصارهُ أو أعضائهُ فيه قد لا يعنيهم، لذلك أيضاً باتت هذه النقطة بحاجة لمعالجة جذرية كي يدرك هؤلاء الانصار أن المستقبل لهم ويحمل تباشير خير.

المخرج والحل لهذه الأزمات، لا شك أن الأمور معقدة لكن لا إستحالة أمام الإرادة، ونعتقد أن خطوات الحل تبدأ بالعمل والبحث عن الأسباب الحقيقية ومعالجتها بعيداً عن الحلول المعقدة وإبر المورفين، وذلك للتأسيس لمستقبلٍ أفضل، ولكن إلى حين بلوغ ذلك نرى ضرورة الأخذ بالنقاط التالية:

_  إجراء برايمرز لأبناء الحركة الراغبين بالترشح جميعاً ودون محاذاة واختيار الأفضل من بينهم، وحتى على مستوى المرشحين بالرئاسةِ أيضاً.

_ الاجتهاد في اختيار الأفضل والأكفأ والأنقى سيرتاً وسمعةً وطنية وأخلاقية، لنبني مؤسسة قوية ونستطيع أن نجمع الناخبين حولهم لأن التنظيم مرآة الشارع.

_  ضرورة عقد مؤتمرات الحركة في مواعيدها المحددة دون تجاوز.

_ تحديد فترة المكوث في المؤسسات العليا للحركة لفترة زمنية محددة كي نفسح المجال للأجيال اللاحقة والمتدافعة لأخذ دورها في النهوض والبناء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير