كم تبعد إيران عن القنبلة النووية؟ وإلى أين يمكن أن تتجه المنطقة؟

20.01.2021 09:01 AM

كتب: محمود التميمي (*)

يتطلع العالم بشغف وترقب لليوم العشرين من يناير ليرى ما سيسفر عنه الشد والجذب بشأن الانتقال السلمي للسلطة والكيفية التي سيتصرف بها ترامب، وإذا ما كان سيقدم على أي عمل أخرق خلال الساعات الأخيرة المتبقية له في الحكم . لكن الانتظار في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، يأخذ طابعا أكثر استنفاراً و جاهزية ، على نقر طبول الحرب التي تعلو تارة وتخفت تارة.

وفيما ينشغل كل طرف بإبراز الأوراق التي يملكها ، في استعراض مفتوح ومرئي للقوة ، صدرت دراستان مهمتان عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي (  INSS ( وعن  المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي ( JINSA ) لسبر القدرات النووية الإيرانية ، والمدى الذي يمكن أن تبلغه إيران منذ أعلنت في الرابع من يناير 2021م  بدء تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 في المائة في منشأة " فوردو " ، رداً على اغتيال عالمها النووي " فخري زادة ".

وبحسب الدراسة الأولى ، فإن إيران كانت في نطاق اختراق بين عدة أشهر الى عامين قبل 12 عاماً . وعلى بعد سنة واحدة من انتاج  يورانيوم مخصب يكفي لصنع قنبلة أولى، وقت ابرام الاتفاق النووي  P5 +1)) الذي سمح لإيران باحتجاز ما يصل إلى 300 كجم من اليورانيوم المخصب ذاتيًا في مستوى 3.67 في المئة .
ووفقًا لتقديرات استخبارات الجيش الإسرائيلي في9 تشرين الأول / أكتوبر 2020م ،"فإن إيران ستكون على بعد عامين من صنع قنبلة ، منذ بدئها التخصيب بمستوى أعلى  ، بالنظر إلى أن أجهزة الطرد المركزي لديها اليوم أكثر كفاءة مما كانت عليه قبل خمس سنوات ، وأنه منذ عام 2019 قامت بتخصيب ثمانية أضعاف الكمية المسموحة لها بالاتفاقية".

ولصنع سلاح نووي لابد من "  ثلاثة مكونات رئيسية: المواد الانشطارية ( اليورانيوم المخصب للأغراض العسكرية )-  نظام الأسلحة - منصة لإطلاق القنبلة النووية)".
ونظراً لأن ما تمكنت إيران من إنتاجه حتى  تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 م "  هو (1.7 طن ) فقط من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 4.5 في المائة (بدرجات متفاوتة) ، إضافة لامتلاكها 1000 جهاز طرد مركزي متقدم " فقد خلصت الدراسة الى"  ثلاثة افتراضات :

السيناريو الأول :" تطوير آلية التفجير يحدث بالتوازي مع التخصيب إلى المستوى العسكري. وقد تم تطوير معظم مكونات نظام السلاح سراً والوقت الإضافي المطلوب لتطوير السلاح هو ثلاثة أشهر".

السيناريو الثاني (المحتمل ): " لم يتم الانتهاء من تطوير السلاح ، ولكنه في حالة متقدمة وسيستغرق حوالي ستة أشهر ، وثلاثة أشهر فقط منها بالتوازي لإكمال التخصيب. لا يوجد في إيران أجهزة طرد مركزي متطورة نشطة ، وسيستغرق الأمر ثلاثة أشهر قبل تفعيلها وتركيب الأجهزة الأخرى. لذلك فإن وقت التخصيب إلى SQ هو خمسة أشهر. في هذه الحالة ، فإن الوقت الذي تستغرقه إيران لصنع قنبلة هو ثمانية أشهر إلى عام ، اعتبارًا من نهاية عام 2020.

السيناريو الثالث  : بسبب النهج الحذر للتسليح ، فإن الوقت اللازم لتطوير السلاح هو عام ونصف. يحدث بعد الوصول إلى SQ (بواسطة أجهزة الطرد المركزي التشغيلية من الجيل الأول فقط) ، والتي تتطلب نصف عام. في هذه الحالة ، مدة القنبلة سنتان. يستند هذا التقييم ، وهو متطرف ، إلى مفهوم استخباراتي (قوي نسبيًا ولكنه محفوف بالمخاطر) أن إيران لم تتعامل مع التسليح منذ عام 2003".

.. تكمن أهمية هذه الدراسة في أن من عمل عليها ، باحثان اثنان، أحدهما  " عاموس يادلين " المدير التنفيذي الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب (INSS) ، الذي شارك في قصف المفاعل العراقي " تموز " وخدم أكثر من 40 عامًا في الجيش الإسرائيلي  ،قضى  تسعة منها ،عضوًا في هيئة الأركان العامة ، قبل أن يشغل مابين الأعوام  2006-2010 ، منصب رئيس المخابرات العسكرية وينخرط بعمل دؤوب وواسع لمراقبة البرنامج النووي الإيراني و السعي لعرقلته وتعطيله. والأخر هو "إفرايم أسكولاي" الذي عمل في هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية (IAEC) لأكثر من 40 عامًا، وتقلد العديد من المناصب ، وبالإضافة للمعلومات الفنية والتقنية التي توفرها الدراسة ،فإن انطباعاُ قوياً يتولد ،بقدرة إيران العالية على إحاطة برنامجها بالسرية ، لدرجة أن خبراء كيادلين وأسكولاي ، عملوا لعقود طويلة في تتبعها والتجسس عليها ، لازالوا حتى الأن حائرين ومتأرجحين بين ثلاثة احتمالات متباينة.

... أما الدراسة الثانية التي أعدها المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي ( JINSA ) فترى أن " إعلان إيران عن بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة يمثل أخطر تصعيد نووي منذ سنوات وتحول كبير في استراتيجية الضغط المضاد ضد الولايات المتحدة" وأن " نافذة الاختراق ستتقلص بسرعة مع نمو مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب بنسبة 20 في المائة ،من حوالي أربعة أشهر إلى شهرين محتملين بحلول منتصف عام 2021".

وأن إيران " بدلاً من  المخاطرة بإغلاق خيار المحادثات بشن هجمات قد تؤدي إلى سقوط قتلى أمريكيين" رداً على مقتل  سليماني وزادة " اختارت شكلاً من أشكال الضغط بتسريع ساعتها النووية".

و وفقًا لحسابات JINSA ، فإن تقدير زمن الاختراق بإنتاج 20 % من   اليورانيوم منخفض التخصيب يعتمد على عوامل عدة:

أولاً -  باستخدام أجهزة الطرد المركزي في " فوردو " فقط ، قد تحتاج إيران ربما سنة واحدة لإنتاج قنبلة واحدة.

ثانياً -  إذا استخدمت إيران أيضًا أجهزة الطرد المركزي العاملة حاليًا في منشأة " نطنز " ستحتاج فقط ما يقدر بنحو 2-3 أشهر لإنتاج  قنبلة واحدة.

ثالثاً - هذا التقدير سينخفض أكثر إذا استخدمت إيران أيًا من أجهزتها المتقدمة  IR-2mو IR-4 و / أو IR-6 لإنتاج 20 بالمائة من اليورانيوم المنخفض التخصيب.

.. وفي جميع الحالات ،  بمجرد أن تخزن إيران ما يكفي من 20٪ من اليورانيوم المنخفض التخصيب ( 260 كجم على الأقل )، فإنها ستحتاج فقط إلى ستة أسابيع إضافية أو نحو ذلك لتحويلها إلى يورانيوم صالح للاستخدام في صنع الأسلحة..

.. لا شك أن تقديرات مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية والأمريكية ، يهيمن فيها التوظيف السياسي على المحتوى العلمي والمهني ، ولا يمكن الركون اليها كمصدر مأمون للحقيقة بريء من الغايات والمقاصد ، لكنها رغم ذلك ، توفر لنا في هذا الموضوع ، إطلالة على جزء من المعلومات  والتوقعات التي باتت معروفة أو محتملة ، ومشاهدة من مسافة أقرب للكيفية التي يستخدم بها كل طرف ما في حوزته لتحسين مواقعه استراتيجيا وتكتيكيا. فضلاً عن أنها تفصح عن بعض ما يدور في خلد صاحب القرار ، أو من يزوده بالبيانات والتوصيات الأساسية.

ومع انحسار المدة المتبقية لترامب في السلطة ، وارتفاع وتيرة التصريحات ، والتصريحات المضادة ، وازدياد زخم المناورات الحربية ، واستنفار القوات ، وتسيير القاذفات وحاملات الطائرات  في أرجاء المنطقة ، تتقلص الفُرجة الأخيرة لتعرض المنشآت النووية الإيرانية لضربة عسكرية ، منفردة أو مزدوجة من طرف إسرائيل و الولايات المتحدة  الأمريكية، مما قد يجعل توجيه هذه الضربة في المستقبل ، وقبل إتمام إيران برنامجها النووي أمراً متعذراً أو بالغ الصعوبة ، مالم يقع ، أو يجري افتعال حدث كبير  ، يلقى به باللوم على ايران  و تنجم عنه خسائر فادحة بالقوات الأمريكية في الخارج ، أو داخل الولايات المتحدة على غرار ما وقع في الحادي عشر من سبتمبر .

وعوداً للسؤال  الذي أثارته الدراستان أعلاه عن مستوى التكامل الذي  قد يكون بلغه تطوير السلاح اللازم ،  بالتوازي مع انتاج الكمية المطلوبة من اليورانيوم منخفض التخصيب ، لتكون هناك على الأقل قنبلة نووية واحدة ، وقذيفة ، ومنصة إطلاق، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام قليلة " إن إيران بدأت العمل لإنتاج وقود من اليورانيوم المعدني لمفاعل طهران للأبحاث، يمكن أن يستخدم في بناء لب السلاح النووي ".

كما زعمت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن " طهران بدأت العمل على خط تجميع لتصنيع مادة رئيسية في الرؤوس الحربية النووية" ومعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فشلت في تمديد قرار مجلس الأمن الدولي حظر السلاح على إيران الذي انتهى فعلياً بحلول يوم الأحد 18 أكتوبر 2020م ، وبات بوسعها التزود بالأسلحة من أي مصدر تريده . ما يعني أنها ستكون أقدر على امتلاك أسلحة متطورة وحديثة ، و رفد صناعاتها العسكرية بما تحتاجه من الأجهزة والقطع و اللوازم ، وتطوير منظومتها الصاروخية التي وصل بعضها الى مدى 2500كم وأكثر ، فضلا عن منظومة دفاعها الجوي " باور – 373 " و أحدث أقمارها الصناعية " نور 1 " الذ ي يحلق في مداره على ارتفاع 435كم ويقطع دورة كاملة حول الأرض كل 90 دقيقة ، وتعمل جاهدة لتزويده بأسلحة قادرة على اقتناص الأقمار الصناعية المعادية ، وإطلاق نسخة أكثر  كفاءة ، عبر مركبات / صواريخ إطلاق الأقمار الصناعية التي تعمل بالوقود الصلب ، والمعروفة بـ SLV، من منصة إطلاق متحركة يصعب رصدها.
ولربما تحاول إيران في هذا الخضم ، الحصول على صواريخ ، روسية ، أو هندية ، أو صينية المنشأ مخصصة لإسقاط الأقمار الصناعية ، واستكمال ما ينقصها من تقنيات وقطع ووسائط لتسريع ساعتها النووية. خاصة أنها رفضت إعادة التفاوض على الاتفاق النووي وتعديله ، أو ربطه بأية اشتراطات ومطالب حول اسلحتها البالستية . ورفعت سقف مطالبها ، ملوحة بالاستغناء عن الاتفاق كلياً اذا ما بقي معطلاً من قبل الدول الموقعة . أو مرهوناً بقيود و معوقات واملاءات جديدة. ولعلها وصلت الى قناعة لا رجعة عنها أن استمرار الضغط والحصار وتوجيه الضربات اليها ، والتهديد المتكرر بضرب منشآتها النووية ، لم يترك لها خياراً غير  انهاء حالة المراوحة والتردد  والوصول دون إبطاء وبأسرع ما يمكن  الى تلك النقطة التي تمنحها الأوراق الأقوى عند اعادة التفاوض.

وإزاء ارتفاع درجة التوتر ، والمشارفة على وقوع انفجار في أية لحظة ، سارعت الإدارة الأمريكية الجديدة لإطلاق جملة تصريحات ورسائل تطمين للأطراف كافة ، باستعدادها لأخذ اعتبارات كل طرف بجدية ، درءاً لخروج الأمور عن عقالها أثناء الفترة الانتقالية . وقد يكون من جملة التطمينات والمؤشرات على المنحى الذي قد يتجه اليه الرئيس بايدن ، بعض الشخصيات المختارة ، لشغل مواقع حساسة ، خاصة في المؤسسات الاستخبارية والعسكرية ، لعل ابرزها " وليام بيرنز " الذي سيشغل منصب مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية. والذي اضطلع بجهد كبير وأساسي خلال المفاوضات السرية للوصول للإتفاق النووي  P5 +1)) ، والذي  يناهض استمرار الحرب في اليمن . و يرفض التعويل على زيادة الضغط على النظام الإيراني لإسقاطه من الداخل.

.. عندما شارك  " بيرنز " بالمباحثات العلنية الأوربية مع إيران عام 2008م في جنيف كمراقب ، مبعوثا من الرئيس جورج بوش الإبن ، قال للوفد الإيراني : " أتمنى أن تقدر إيران الرسالة الموجهة إليها عبر وجودي هنا كممثل لأمريكا " ، فهل يمثل تعيينه اليوم في منصب مدير الاستخبارات الأمريكية ، رسالة جديدة لإيران  في وقت حرج جداً ، وإيماءة  للتحلي بالصبر وضبط النفس؟

الظاهر أن الرئيس " بايدن " سيكون له وزيرا خارجية . أحدهما للمهام الدبلوماسية الاعتيادية والعلنية . وأخر للمهام الطارئة والسرية . لكن العديد من الأطراف ، وأولها إسرائيل ، وجماعات الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة ، ستحاول بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، حياكة المكائد ، ونصب الفخاخ ، لدفع الولايات المتحدة لضرب إيران بالوكالة عنها ، كما فعلت في العراق.  وستظل المشكلة الأساسية كامنة في صميم السياسة الأمريكية المنحازة كليا  لإسرائيل. وفي  حرص " بايدن " المبالغ به ربما، لخلق توازن بين تيارات وشخصيات مختلفة الاتجاهات في أهم المواقع والوظائف ، وعلى نحو قد يُزكي  التجاذبات الداخلية بينها ، أو يفقدها القدرة على المبادأة والمبادرة وتحديد الاتجاه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير