حين تزول الرقابة الذاتية سنتحرر!- وفاء عبد الرحمن

02.05.2013 03:25 PM
"تكلم/ي بأمان" عنوان الاحتفالات العالمية باليوم العالمي لحرية الصحافة 2013، الاحتفال برام الله كان صورة كاريكاتورية يعجز عن تصويرها أبرع الرسامين.

"تكلم/ي بأمان" دعوة لكل إعلامي وإعلامية أن يتكلموا بحرية وبدون خوف، ولكي نتكلم بأمان تضافرت جهود اغلب المؤسسات الإعلامية لتنظيم احتفالاً يليق بالصحافة الفلسطينية، على رأس المنظمين كانت نقابة الصحافيين وتحالف مؤسسات الدفاع عن الحريات الإعلامية إلى جانب مؤسسات إعلامية أخرى وبشراكة ودعم من اليونسكو.

ورغم أن فلسطينيات شريكة في هذا الاحتفال، إلا أننا لم نفهم لماذا الاصرار على وجود كلمة للرئيس؟ فالانتهكات لا تأتي من أشخاص عاديين بل من أجهزة تنضوي تحت سلطته، ومع ذلك وافقنا تحت شعار أنها فرصة لتوريط المسؤولين بوعود بمزيد من الحريات، نسائلهم عن هذه الوعود ونحن ندفع بسقف الحريات كي يصل سقف المقاطعة وليس السماء (أضعف الإيمان)!

وصلت لقاعة الاحتفال في الهلال الأحمر الفلسطيني لأجد أن معتصمين تابعين للاسعاف يقطعون الطريق على رئيس الوزراء المستقيل وهو في طريقه للاحتفال بحرية الصحافة!

تفاجأت ولم أفهم من قام بدعوة رئيس وزراء مستقيل ويقوم بتسيير الأعمال حالياً؟ نحن شركاء ومع ذلك لم نستشر في الدعوة، ولم نفهم ما هي مصوغاتها؟ ولماذا تتم دعوته وهناك كلمة للرئيس- غير المستقيل والمستمرة ولايته-؟

فهمت لاحقاً ان الدعوة وصلت رئيس الوزراء المستقيل مساء أمس، وانه الغي التزامات له ليكون مع الصحافيين ويحتفي بهم! (شكراً)

طبعاً نرحب بكل الناس جاءوا بدعوة أو بدون، ولكن القاعدة ان يلتزم الضيوف ببرنامج معد مسبقاً- ولست ضد افساح المجال لضيف بوزن فياض ان يلقي كلمة وداع خاصة بالصحافيين ولكن دون المساس بفكرة الاحتفال وهدفه.

بكل الأحوال، بدأ الاحتفال بالتقليد المعتاد من عزف للنشيد الوطني، وتحية الشهداء، وعريفة حفل بثوب فلسطيني جميل (وملاحظة على الهامش: لا أفهم لماذا يجلس على المنصة خمسة رجال ليخطبوا فينا بينما العرافة دائماً وأبداً تعطى لامراة!)

بدأ عرض ومضات من انتاج المؤسسات الشريكة، والعرض الأول كان تقريراً لتلفزيون وطن عن رحلته في اكتشاف مبيدات حشرية محظورة عالمياً وموجودة في الأسواق الفلسطينية رغم نفي وزارة الزراعة. الجمهور في القاعة كان مشدوداً لمتابعة التقرير، أما الجالسون على المنصة فأخذ بعضهم في التململ- قد يكون لطول التقرير، أو لأسباب لن أنجمها.

بالنتيجة تحرك نقيب الصحافيين مرتين عن كرسيه باتجاه المتحكم في شاشة العرض، وتم وقف عرض التقرير قبل نهايته!

طبعاً لنا الحق في هذه اللحظة ولقد تحولنا من شركاء في الحدث إلى جمهور يتفرج أن نتساءل، لماذا تم وقف التقرير؟ هل لأنه صور بدون مجاملات ورتوش أنه غير مسموح للصحفي أن يتحدث بأمان، فتلفزيون وطن نموذج صارخ لحالة من يريد أن يبحث عن الحقيقة ويريد كشفها من موقعه كسلطة رابعة- أو هكذا يقولون- وطن تواجه قضايا مرفوعة عليها من مؤسسات حكومية- وشخصيات حكومية أو كانت بدعوى التشهير والقذف، وهذا تم قبل أن يستقيل رئيس الوزراء- ضيف الاحتفال- فهل وقف التقرير غلطة تنظيمية أم مجاملة للمسؤول الذي ينتظر دوره ليلقي خطاباً يعدد فيه ما قام به دعماً للصحافيين والحريات؟ هل تم وقف التقرير بطلب رئيس الوزراء المستقيل الذي يرزح تحت ضغط الوقت لتسليم الملفات لمن سيخلفه، وعليه أن يقول كلمته فينا ويمضي؟

لأول مرة أجدني غير قادرة على لوم مسؤول- رغم أنني أحمله مسؤولية كل انتهاك أو اعتداء ضد الصحافيين أو ضد الحريات- كونه مسؤول عن الاجهزة التي تقوم بالاعتداءات، والمؤسسات والشخصيات الحكومية التي لا تتقبل النقد أو المساءلة.

لأول مرة أعترف أن الحريات وتوفير البيئة الملائمة لها تقع على عاتق الصحافيين أولاً، فهم من يقرر أن ينام في حضن السلطة – بغض النظر عن طبيعة هذه السلطة، سلطة رئيس، رئيس وزراء، شركة خاصة، مؤسسة دولية أومحلية أهلية أو حتى عائلة! أو أن يكونوا عين وصوت المجتمع الذي يعملون فيه وهم جزء منه.

الأمن يبدأ من إيمان الإعلاميين/ات أنهم/ن قادة التغيير، وأنهم وأي سلطة لا يمكن أن يكونوا في ذات الطرف، أما القوانين ومسؤولية المسؤول فتأتي في مرتبة ثانية أو ثالثة.

الرقابة الذاتية تقتلنا، وإن لم نتحرر منها فعلى الحريات السلام، سنتكلم بأمان حين نقرر ان لا نجامل، وحين نقرر أن قوتنا تنبع من مهنيتنا وانحيازنا لجمهورنا، وليس لمسؤول قد يحجب المعلومة، وقد يرفع علينا قضية ، أوقد يهدينا رحلة بالطائرة أو منصب يوفر الامان الوظيفي الذي نفتقده في مهنة المتاعب التي تحولت على أيدي بعض الصحافيين إلى مهنة علاقات عامة لبعض المسؤولين والمتنفذين.

ملاحظة: غاب قطاع غزة عن الاحتفال تماماً- حكومة حماس تحضر لقانون إعلام خاص بتلك المنطقة الجغرافية المحاصرة، ونقابة الصحافيين ممنوعة من العمل هناك، فلنتكلم بأمان ولا خوف علينا، ففي فلسطين سقف الحريات هو السماء!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير