خطوات الشيطان بين الراشي والمرتشي

07.01.2021 11:16 PM

كتب: رامي شهاب

الرشوة هي أولى خطوات الشيطان نحو تزوير الحقائق والانزلاق نحو تغييب أصل الشيء وتضييع حقوق المظلومين ، فهي فساد كبير بل آفة متجددة في كل حين ،تقوم على دفع مبلغ من المال من قبل شخص ما لصاحب منصب أو صاحب مكانة اجتماعية عالية  كالموظف مثلاً وذلك من أجل أخذِ حقوق ليست لهُ وبالمقابل تضييع الواجب المستحقِ فعله في ذلك المجال وينبع الأمر من ضعف بالإيمان والعقيدة وربما الطمع والجشع وغياب دور الرقابة الحكومية من ممارسة سلطتها والحفاظ على الشفافية وكذلك الانسياق خلف تيارات سياسية . مما يؤدي إلى انهيار المجتمع وانعدام الثقة بين الأفراد وكذلك تفشي الفساد الذي بدورهِ يؤدي إلى الإضرار بشتى القطاعات المجتمعية دون الحفاظ على تكافؤ الفرص بين الأفراد أو التوعية المرجوة.

وبالتالي فإن الرشوة تتمحور حول مفهوم واحد بغض النظر عن كمية التعريفات المفرعة لها فهي أن شخصا له منصب معين يتصرف وفقاً لأهوائه الشخصية بقبوله الهدايا المقدمة له أياً كان شكلها سواء كانت مبالغ مالية أم خدمات يتقبلها بصدر رحب ومن ثم يقوم باستغلال ثقة الآخرين بهذا المنصب مما يؤدي إلى حصوله على ما يريد مقابل أن يومئ برأسه بقبوله على الأمر الذي تم رشوهِ من أجل الحصول عليه وتختلف أنواع الرشاوي ليس فقط في شكلها بل أيضاً في المجال المستخدمة به فالرشوة في أغلب الأوقات تستعمل بين الرجال الأعمال والموظفين وفي القطاع  الحكومي بين السياسيين والقانونيين وربما تندرج الرشوة للقطاع الطبي بين الأطباء والممرضين والصيادلة وفي ذلك إخلال في عملية أخذ الأدوية على سبيل المثال كأن يجيء المريض بوصفة طبية تحمل اسم دواء ما ولكن هذا المريض بحاجة إلى دواء ليس من أجل مرضه المزمن ربما لاستغلال الكمية المعطاة له ليتمكن من بيعها بسعر أعلى أو للاستفادة منه في أمور غير قانونية ولكن القانون يفرض على الصيدلي إعطاء المريض كمية معينة تقضي حاجته فيلجأ هذا المريض إلى تقديم الرشوة للصيدلي واستغلال عملية سير بيع الأدوية وفي هذا الأمر أشير إلى قرارات الأمم المتحدة بشأن مكافحة الفساد لسنة ١٩٧٧ من قانون العقوبات الصادرة بسبب جريمة رشوة لموظف عمومي أجنبي.

الرشوة وباء أشد فتكا في انتشاره من كوفيد ١٩ فهي متنقلة بالخفاء وليست تحظى بشهرة كورونا ففي الآونة الأخيرة نرى أن المعاملات في كثير من الجهات الخدماتية تنجز بفعالية وسرعة كبيرة دونما تدخل قانوني يفرض العقوبة للطرفين الراشي صاحب العين الوقحة الذي يغض البصر عن نواقص الخدمات وتمريرها والمرتشي ذي البطن الكبير الذي مهما قدم لها ما شبع،  وقد تصل مبالغ الرشوة في العديد من الجهات الحكومية إلى مبالغ طائلة حسب ما تقتضيها المعاملة أقلها الانتهاء بطبق عشاء أو شراء كرت للهاتف ، وفي هذا الأمر يتضح الخلاف بين المبيح لهذه الأفعال وبين المحرم لها بفتوى شرعية صدرت عن دائرة الأوقاف الإسلامية التي نصت على التالي (لا يجوز اعطاء الرشوة ولا التوسط بين المعطي والآخذ، سواء كان اعطاء الرشوة صريحاً أو ضمنيا مباشرة أو بمعونة الراشي على إعطاء الرشوة وعلى السائل التعامل مع من لا يأخذون العمولات أو الرشوة التي تخصص لهم عن عملهم معه).

إن الراشي والمرتشي كلاهما آثمان والرشوة حرام يكثر البلاء بسببها في المجتمع فهي نيل لحق الغير عنوة وجهراً وقسمت في قانون الجزاء إلى ستة مواد أولها يتناول الموظف العام الطالب للرشوة عقابه الحبس لسبع سنوات وبتغريمه بمقدار ما طلبه وأدناها هو استعمال النفوذ للحصول على سلطة نافعة من أي سلطة عامة عقابه الحبس مدة ثلاث سنوات بتغريمه ما وعد به من رشوة وخضوعه لإشراف السلطة العامة التي كان يحاول الانتفاع منها .

ملخص القول فإن الوظائف العامة لها أعمال ومهام ترفع من قيمة المجتمع والأفراد فيه وأي اتجار فيها يجردها من مسماها الوظيفي اللبق ومن الاحترام المجتمعي الشعبي الأمر الذي يؤدي إلى التفرقة الظالمة بين المواطنين وانعدام الثقة والنزاهة في الأحكام القانونية الهادرة للخدمات العامة والتشكيك في السلطة الحاكمة  واختلال ميزان العدل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير