فدوى البرغوثي تكتب لوطن: النظام القضائي الاستعماري والفلسطينيون

29.11.2020 01:30 PM

منذ بداية الإستعمار للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 قررت الحكومة الإستعمارية تطبيق الحكم العسكري على الضفة والقطاع بعد ان أعلن عن ضم مدينة القدس الشرقية واعتبرت الحكومة الاستعمارية بتغطية من المستشار القضائي والمحكمة الصهيونية العليا ان الأراضي الفلسطينية ليست مناطق محتلة بل مناطق مدارة ومتنازع عليها، ورفضت هذه المحكمة من خلال قراراتها العديدة تطبيق إتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية مدعية انها ستوصي بتطبيق بعض الجوانب الإنسانية على السكان.

ويتناول هذا المقال دور النظام القضائي الاستعماري في تشريع الاستعمار والانتهاكات والجرائم والاستيطان والاعتقال والاغتيالات والإبعاد والنفي وتدمير البيوت، ويشكل قبول الفلسطينيين التعامل معه والتوجه للقضاء الإسرائيلي المدني والعسكري مثالاً واضحاً على غياب استراتيجية فلسطينية في الصراع مع الاستعمار بكل أشكاله ومجالاته، وقد ألحق التعامل مع النظام القضائي الاستعماري ضرراً شديداً بالشعب الفلسطيني ونضاله العادل والمشروع، وتجدر الإشارة إلى أن القضاء المدني والعسكري الإسرائيلي يستند الى ترسانة من الإرث التشريعي والقانوني العثماني والبريطاني وقوانين الطواريء الإسرائيلية والتي توظف لخدمة الاستعمار الصهيوني للأراضي الفلسطينية. وبعد عدوان 2002 والاجتياح أعادت الحكومة تطبيق كامل القوانين والأوامر العسكرية ملغية الولاية القانونية والقضائية للسلطة في الضفة والقطاع مع الإبقاء على وظائف السلطة التي لا تتعارض مع سياسة الاستعمار بل تخدمها أحياناً، وللتذكير فإن نقابة المحامين الفلسطينيين اتخذت عام 1967 قرار بمقاطعة القضاء الإستعماري بكل الأشكال إلا أن هذا الموقف تم كسره من قبل عدد من المحامين مما أضعف هذه المقاطعة إلى أن تلاشت تقريباً، والمحصلة أن التوجه للمحكمة الصهيونية العليا منحها ولاية قضائية على الأراضي المحتلة عام 1967 لا تملكها وفقا لاتفاقية جنيف والقانون الدولي، والآن وبعد مرور 53 عاماً من التوجه للنظام القضائي الاستعماري المدني والعسكري بما في ذلك المحكمة الصهيونية العليا بطرح السؤال ما الذي استفاده الفلسطينيون؟ وكيف انعكس على نضالهم وحقوقهم؟

ألم يحن الوقت لمراجعة هذه السياسة الكارثية؟ ولماذا الاستمرار في التعامل مع هذه المحاكم؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية ؟ ومن المطالب باتخاذ قرار وطني ملزم؟ ألا يكفي ما يزيد عن خمسة عقود من التجربة المريرة والكارثية لمراجعة هذا السلوك الفلسطيني؟ ونقول بكل أسف ومرارة لا شيء تقريباً، وما سلوك النظام السياسي الفلسطيني سوى ردود فعل ضعيفة وارتجالية لم ترتق أبداً الى مستوى استراتيجية شاملة في مراجعة الغزو الاستعماري الشامل، وحتى بعد قيام السلطة الفلسطينية فانه لم يتم مناقشة هذا الأمر وكأنه لا يعني سوى ضحايا هذا الاستعمار وهم الشعب الفلسطيني بكل فئاته، ولن نجد في أرشيف (م.ت.ف) أو الفصائل كافة أو الحكومة أو المؤسسات ذات العلاقة بالأسرى من عام 1967 – 2020  ما يشير أنه تم مناقشة هذا الأمر الخطير واتخاذ قرار بشأنه، ويبدو أن البعض يتجاهل ويتعامى عن حقيقة أن النظام القضائي الاستعماري هو جزء لا يتجزأ من منظومة الاستعمار وهو في خدمة المشروع الاستعماري الصهيوني ويمنحه الغطاء القانوني، وبمراجعة سريعة نسجل عقود من التعامل مع النظام القضائي الاستعماري يتضح أن هذا النظام وما يسمى بالمحكمة الصهيونية العليا تشرع الاستعمار بكل سياسات الاحتلال والاستيطان والاغتيالات والاعتقالات والتعذيب ومصادرة الأراضي والتهويد والتدمير، وكيف أن النظام القضائي الاستعماري ومحاكمه المدنية  والعسكرية لا يقل خطورة عن الأذرع الأخرى الاستعمارية والحالات النادرة التي رفضتها المحكمة الصهيونية العليا لم تؤثر بتاتا على سياسات الاستعمار مطلقاً، أما منظومة القضاء العسكري فإنه يخضع بشكل مطلق لخدمة المشروع الصهيوني وما يسمى الإعتبارات الأمنية وهي منظومة تستند في التشريع الى قوانين الطواريء والأوامر العسكرية التي يصدرها ما يسمى قائد المنطقة بصفته مصدر التشريع، وهذه الأوامر تتناقض مع إتفاقيات جنيف، وتخالف قواعد القانون الدولي والمحاكم العسكرية هي إداة استعمارية تفتقد لأدنى معايير وقواعد المحاكمات العادلة، وتخضع أحكامها بشكل مطلق لتحقيقات وإفادات تنتزع باغلبيتها الساحقة تحت التعذيب الجسدي والنفسي والتهديد بالأحاييل والألاعيب كما أن المحاكمات فيها لا تخضع لمرافعات بل أغلبها صفقات وأحكام ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الفلسطينيين والذين قضوا وما زالوا زهرة شبابهم وأعمارهم في غياهب السجون والزنازين ومعسكرات الاستعمار، وأزاء هذه الحقائق المأساوية ما زال هناك من يعتقد باستمرار التعامل مع هذا النظام القضائي الاستعماري، والسؤال الأهم هل تدرك القيادة الفلسطينية  خطورة استمرار هذه الكارثة؟ وما دور الفصائل ومؤسسات الأسرى  حيال هذه المسألة الهامة جداً؟

ونشير إلى أن القائد الوطني مروان البرغوثي اتخذ قرار فور اختطافه عام 2002 برفض التعامل والتعاطي  والاعتراف بهذا القضاء الاستعماري، وقرر مقاطعة المحكمة دافعاً ثمناً باهضاً وسنوات عمره تزيد عن الربع قرن في السجون مصراً على دعوة الفلسطينيين لمقاطعة النظام القضائي الاستعماري ولحق به عشرات الأسرى المناضلين، غير أن الفصائل سواء في السجون أو خارجها والقيادة الفلسطينية لم تتخذ قرار وطني بالمقاطعة. وأن المطلوب وعلى وجه السرعة هو التوقف عن حالة اللامبالاة والإهمال والتقصير على مستوى القيادات الفلسطينية والفصائل والمؤسسات ذات العلاقة، وعقد لقاء وطني سياسي وحقوقي فوري لدراسة الخطوات الواجب اتخاذها حيال النظام القضائي الاستعماري وما يترتب على ذلك من نتائج وآثار، واعتبار ذلك جزء من معركة التحرر الوطني وأحد أعمدة المقاومة الشاملة للاستعمار، خاصة أن النضال والكفاح من أجل الحرية والعودة والاستقلال مستمر ومتواصل وطويل وشاق ويحتاج الى مراجعة شاملة وشجاعة لكثير من المواقف والسلوك، وإننا في الحملة الشعبية لإطلاق سراح القائد الوطني مروان البرغوثي وكافة الأسرى والتي نجحت في نقل قضية الأسرى نسبياً الى المستوى الإقليمي والعربي والدولي الى جانب جهود كافة المؤسسات ذات العلاقة بقضية الأسرى ندعو وبالتعاون مع كافة المؤسسات والشخصيات لتنظيم ورشة عمل كمقدمة لمؤتمر وطني لرسم رؤية وطنية استراتيجية شاملة لمقاطعة النظام القضائي الاستعماري.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير