التحكيم الإلكتروني لحل منازعات التجارة الإلكترونية

28.11.2020 04:32 PM

كتبت: الباحثة سوسن شاكر الجواعدة

أدّى التطور  التكنولوجي وما صاحبه من تطور في وسائل الاتصال إلى  ظهور التجارة  الإلكترونية، كإحدى روافد ثورة المعلومات، حيث أصبحت  شبكة  الإنترنت تمثل العمود الفقري للمعاملات الاقتصادية والعلاقات المالية، ووسيلة فعالة في إبرام عقود وصفقات  إلكترونية، فاتجهت التجارة  التقليدية إلى التجارة الإلكترونية، لما تتميز به من سرعة في إبرام العقود وتنفيذها، فضلا عن كونها تتم من خلال بيئة إلكترونية، تعتمد أساسا على وسائل اتصال تقنية حديثة  على رأسها شبكة الإنترنت ومع ازدياد المعاملات التجارية المبرمة عبر شبكة الإنترنت، زاد معها حجم النزاعات.

كان اللجوء إلى القضاء العادي يمثل عبئا كبيرا على المتعاقدين والمتعاملين عبر الإنترنت، ظهرت أهمية التحكيم الإلكتروني في حل هذه المنازعات، لما يوفره من سرعة ومرونة وبساطة لا تتوفر في القضاء العادي.

تتميز نزاعات التجارة الإلكترونية بكونها تتم بين أطراف من جنسيات مختلفة وخارج الإقليم الواحد، لذا كثيرا ما ترفض الأطراف في هذا النوع من المنازعة إلى اللجوء لقانون دولة ما، بمعنى المحاكم الوطنية، مما أثار العديد من التساؤلات عن كيفية حل هذه النزاعات، وما هي أفضل الطرق وأكثرها ملاءمة لحلها، هذا ما أوجد التحكيم الإلكتروني أو التحكيم الرقمي، كما يطلق عليه فقهاء القانون، والذي يعتبر من أهم المواضيع في الوقت الحاضر، لما له من دور فعال في مجال التجارة الإلكترونية، والحسم الفوري لمنازعات التجارة الإلكترونية، الناتجة عن التطور الاقتصادي الهائل واستخدام التقنية الإلكترونية  في  إبرام العقود و المعاملات التجارية.

وكان لا بد من ظهور وسائل حماية سن قوانين وتشريعات واتفاقيات تحمي التعاملات الإلكترونية، إذ أنشىء بناءً على ذلك العديد من المواقع للمساعدة على حل النزاعات بواسطة التحكيم، واتجهت مواقع البيع الإلكتروني وأبرزها مركز المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) إلى التعاقد معها لحل المنازعات التي قد تنشأ بينها وبين المتعاملين معها.

يعتبر التحكيم أحد الوسائل البديلة عن القضاء لتسوية المنازعات التجارية شاع اللجوء إليها في العقود الدولية بشكل خاص، حيث أن التحكيم الإلكتروني لا يختلف كثيرا عن التحكيم العادي؛ فهو يختلف في الوسيلة التي يتم بها، لذلك هو اتفاق يبرم بين أطرافه ثم يمر بإجراءات معينة.. إلى أن يصدر في النهاية حكم من الجهة التي عهد إليها بالتحكيم، ذلك أن التحكيم الإلكتروني لا بد وأن يستند إلى اتفاق بين أطرافه لحسم ما قد ينشأ بينهم من منازعات عن طريق التحكيم بطريقة إلكترونية، وهذا الاتفاق غالبا ما يُبرم إلكترونيا، حيث يتم تبادل الرسائل الإلكترونية فيما بين الأطراف أنفسهم ابتداء، ثم فيما بينهم وبين مركز التحكيم الإلكتروني من خلال تعبئة نموذج إلكتروني خاص ببعض مراكز التحكيم، ثم يجري التحكيم بعد ذلك عبر سلسلة من الإجراءات التي تتم بصورة إلكترونية، وذلك كانعقاد الجلسات عن طريق الإنترنت سواء بواسطة استخدام الوسائل المرئية والسمعية، أو حتى بواسطة تبادل الرسائل الإلكترونية بين أعضاء هيئة التحكيم، كما يمكن أن يتم تقديم الأدلة بصورة إلكترونية، وكذلك الاستماع إلى الشهود باستخدام ذات الطريقة من قبل هيئة التحكيم التي يصدر في النهاية حكمها بصورة إلكترونية.

فلا بد أن يكون التحكيم إلكترونيا، إذا تم بأكمله عبر الوسيلة الإلكترونية، فينبغي أن يبدأ التحكيم باتفاق تحكيم إلكتروني، ويمر بإجراءات تحكيم باستعمال وسائل الاتصال الحديثة، ولا يلتقي الأطراف مع المحكم والمحكمين ماديا ولا يصار إلى انعقاد جلسات تحكيم مادية. وبالمثل، ينبغي أن ينتهي التحكيم بإصدار حكم إلكتروني فيه.

وأخيراً، يمكن القول إن التحكيم الإلكتروني نظام قائم فعّال يوفر العديد من المزايا التي لا يوفرها التحكيم التقليدي، ويجسد كل الأحكام والقواعد التي تنظمها التشريعات الذاتية بالتحكيم، ولا يقف أمام تطوره وفعاليته أكثر سوى وجود إطار قانون دولي خاص به بالإضافة إلى  إقرار التشريعات الوطنية بالمعاملات الإلكترونية وبالأخص بخصوصيات التحكيم الإلكتروني. وفي نظرنا لن تزول إشكالات التحكيم الإلكتروني إلا بعد تعهّد مؤسسات التحكيم الكبرى بصياغة تنظيم عام لهذا الإجراء، ووضع الضمانات الكفيلة لحماية حقوق المتنازعين.

ويتبيّن لنا مدى الأهمية التي يتمتع بها التحكيم الإلكتروني كنظام لفض المنازعات الإلكترونية، وفي مجال المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقود والصفقات الإلكترونية ذات الطابع التجاري، ذلك أن الاختلاف بين كيفية إبرام وتنفيذ الصفقات التجارية التقليدية، وإبرام وتنفيذ الصفقات التجارية الإلكترونية في مجال التجارة الإلكترونية.. حتّم ضرورة تبني قواعد قانونية جديدة تتلاءم مع التجارة الإلكترونية والمعاملات الإلكترونية بصفة عامة، وهذا التبني لهذه القواعد يجب أن يصاحبه ويلازمه تبني آليات ووسائل جديدة لحل المنازعات الناشئة عنها.

- هذا المقال ينشر بالتعاون مع مركز أفق للدراسات والأبحاث

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير