في يوم البيئه العربي...ما هي الاولويات البيئيه؟

30.10.2020 04:22 PM

كتب د.عقل أبو قرع صادف في الرابع عشر من هذا الشهر (تشرين الاول) ما يعرف ب"يوم البيئة العربي"، حيث بدء الاحتفال به في هذا اليوم لمناسبة إنعقاد المؤتمر الوزاري الأول لمسئولي البيئة  في الدول العربية في تونس في نفس اليوم من عام 1986، والهدف من الاحتفال هو زيادة التوعية باهمية البيئة وانعكاساتها على مجالات الحياة المختلفة، وخاصة التنمية المستدامة التي لا تستنزف المصادر والامكانيات،  وكذلك لإبراز الأهمية القصوى للتعاون بين الدول او بين فئات المجتمع العربي من اجل تحسين الأوضاع البيئية العربية، وجاء يوم البيئه العربي في هذا العام، (عام 2020 ) تحت شعار الاهتمام بالتنوع البيولوجي،  في ظل تغيرات مناخيه بيئيه عالميه مقلقه، تتمثل في ارتفاع حرارة الارض ومياه المحيطات بسبب ذوبان الجليد وبالتالي زيادة منسوب المياه، وقلة الامطار، وزيادة شدة الاعاصير والفيضانات والتصحر والحرائق والتلوث وما الى ذلك من تداعيات بيئيه بعيدة المدى عل العالم والعالم العربي ونحن جزء منه. 

ومر يوم البيئه العربي هذا العام، في ظل تغيرات بيئيه عالميه وعربيه، بسبب تغاضي دول عديدة ومنها الدول الصناعيه الكبرى عن اعطاء الاولوية للبيئة وحمايتها، وخاصة خلال عملية النمو الاقتصادي الكبير و المتواصل، حيث بدأت دول كثيره تلمس الاثار الكارثية على البيئة، فنفايات المصانع ودخانها والمخلفات العشوائية للبنايات ادت الى تلوث الهواء والمياة والتربة، حتى بات لا يمكن السير في شوارع في بعض المدن العالميه مثل بكين ودلهي والعربيه مثل القاهره، بدون كمامات، او شرب المياة الا معبأة او بأستخدام فلتر، وملاحظة الاثار البيئية والصحية الوخيمة التي احدثها ويحدثها الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية في الزراعة من مبيدات واسمدة وبلاستيك، تنتشر فيها امراض السرطان والتشوهات الخلقية بشكل متزايد.

وجاء يوم البيئه العربي هذا العام، في ظل ما يشهده العالم هذه الايام من ظواهره متطرفه أو على الاقل ظواهر غير اعتياديه في حدتها وتوقيتها وصعوبة التعامل معها، وربما نكون قد شهدنا مثل هكذا ظواهر في الماضي، ولكن ليست بنفس الشده والتكرار والاهم محاولة العلماء والباحئين والمختصين ربطها مع ظواهر مناخيه بيئيه ساهم الانسان بشكل مباشر وغير مباشر في الوصول اليها، ومن أهم هذه الظواهر ما بات يعرف بظاهرة " التغير المناخي"، أو "البيت الزجاجي" وانعكاساتها من خلال ارتفاع درة الحراره، وقلة الامطاروالتصحر،  والتي ترتبط بشكل مباشر بالتلوث وبالاخص تلوث الهواء في الجو بما تبثه نشاطات الانسان الى طبقات الجو، مسببا تراكما لمواد كيميائيه لم نشهدها من قبل.

وفي بلادنا، الحفاظ على البيئة الفلسطينية في الضفه وفي غزة من المفترض أن يكون اولوية وطنية في خطط التنمية الفلسطينية البشرية والاقتصادية، لان من سمات البيئة الفلسطينية ان المصادر الطبيعية، من مياه وارض وحيز هي مصادر محدودة، وان المساحة الجغرافية ضيقة وتضيق باستمرار، وان كثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة وربما من اعلى النسب في العالم وخاصة في قطاع غزة، وان ازدياد البشر وبالتالي نشاطات البشر وما ينتج عن ذلك من نفايات وبانواعها في تصاعد مستمر، وما لذلك من تداعيات بيئيه، أن لم نلمس أثارها الان فسوف يكون بعد فتره.
وما زلنا نرى النفايات في الشوارع، وما زلنا نستخدم المبيدات الكيميائية بشكل مكثف وفي احيان بشكل غير امن أو سليم، وما زالت مياة المجاري وليست فقط المياة العادمة المكررة، تصب في بحر غزة، واصبحت مياة غزة الجوفية مالحة وربما ملوثة وما زالت التقارير تشير الى ان اكثر من 95% من المياة في غزة هي مياة ملوثة، وبالاضافة الى ذلك ما زالت المستوطنات الاسرائيلية تساهم بشكل او باخر في تلويث وتشويه البيئة الفلسطينية، حيث ما زلنا نسمع عن مجاري المستوطنات والمياة العادمة تصب في قرى سلفيت وبيت لحم والخليل ورام اللة، وما لذلك من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى متواصلة على البيئة الفلسطينية.

وفي ظل هذا الواقع البيئي الفلسطيني، وفي النظر الى الاولويات البيئيه العربيه وبالتحديد الفلسطينيه،  فاننا نحتاج الى تطبيق حازم للقوانين الفلسطينية المتعلقة بحماية البيئة، سواء اكان قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999، او قانون الصحة العامه المتعلق بالبيئة، او قانون حماية المستهلك الفلسطيني، بشكل يعطي الغرض من اصدار مثل هكذا قوانين، وبأن يتم محاسبة وبشكل رادع من يلوث البيئة بالنفايات الصلبة، او بالمياة العادمة، او من يلوث الهواء بالغازات والمواد الكيميائية، او يلوث المياة الجوفية بالاسمدة، او يلوث المنتجات الزراعية بالمبيدات، وما الى ذلك، وبحيث تطبق القوانين بأيدي الشرطة او سلطة البيئة او البلديات والهيئات المحلية.

ونحتاج الى تكثيف جهود  كافة العاملين في مجال حماية البيئة، سواء أكانوا من  الجهات الرسمية او غير الرسمية في بلادنا، وكذلك الجهات العربية العاملة في مجال حماية البيئة، والمنظمات الدولية العاملة في مجال البيئة، من أجل اتخاذ اجراءات عملية للحد من احتمال وقوع كارثة بيئية وصحية بعيدة المدى، وبالاخص في قطاع غزة وذلك نتيجة الدمار الهائل للبنية التحتية وتلوث المياة والطعام والهواء، واستنزاف الموارد الطبيعية المحدودة في القطاع، حيث تشير تقارير متعدده الى ان اكثر من 95% من المياة في غزة لا تصلح للاستخدام البشري حسب المعايير الدولية.
وهناك ضروره ماسه الى خطة عمل بيئية وطنية، تعتمد على الحقائق لتحديد متطلبات التدخل، وهذا يعني اجراء الفحوصات لعينات بيئية من خلال مختبرات مؤهلة سواء اكانت تتبع جهات رسمية او غير رسمية، ومن خلال دراسات تقييم علمي وموضوعي للاثر البيئي لمشاريع او لاعمال يمكن ان تؤثر على البيئة، ومن خلال تفعيل المراقبة والمتابعة لقضايا بيئية، ومن خلال تفعيل العلاقة والتواصل مع المواطن الفلسطيني الذي هو الاساس في العمل من اجل حماية البيئة التي فيها يحيا.

والمطلوب النظر الى البيئة الفلسطينية بشكل اوسع، من خلال اهمية التعاون في مجال البيئة وحل قضاياها مع المحيط العربي الذي نحيا فيه، حيث ان مشاكل البيئة لا تعرف الحدود، والاستفادة كذلك من خبرات المنطقة، سواء في مجال المياه او الهواء او التصحر والانتاج الزراعي او التخلص من النفايات، وهذا يعني وجود علاقات تعاون عربية ودولية، والاستفادة من البرامج الدولية وتأطيرها بشكل مبرمج لحماية البيئة الفلسطينية.

ومن ضمن الاولويات البيئيه العربيه،  الحاجه الى بناء ثقافة حماية البيئة وبشكل مستدام، وهذا يتطلب التركيز على تنمية الوعي البيئي، في المدارس والجامعات وفي المصانع وورشات العمل وفي الحقول الزراعية، ويتطلب الاستثمار وبشكل عملي في التعليم البيئي وخاصة في الجامعات، بشكل يلائم احتياجات البيئة الفلسطينية، والتعاون مع مراكز الابحاث البيئية في جامعاتنا وفي محيطنا العربي من اجل ايجاد حلول لمشاكل البيئة المحلية، وكذلك الاستخدام الاكثر للاعلام  وبأشكالة في مجال البيئة، والاهم ترسيخ مفاهيم البيئة واهمية حمايتها وفهمها كاولوية وطنية، ليس فقط تعتمد عليها اي خطة تنمية بشرية او اقتصادية، ولكن لا يمكن العيش حياة سليمة عادية في هذه البيئة اذا كانت ملوثة او غير محمية من التلوث.

ومع الاحتفال ب " يوم البيئه العربي" في عام 2020  تحت شعار حماية التنوع البيولوجي، فالمطلوب التوجه وبشكل مدروس وعملي نحو مصادر الطاقة الخضراء، حيث أن هذه الطاقة الخضراء او الطاقة المتجددة، اي التي لا تنضب، والنظيفة التي لا تلوث البيئة من هواء ومياه وارض وبالتالي الانسان،والاقتصادية، اي التي لا تكلف كثيرا، هي البديل للطاقة الحالية، التي تعتمد على النفط ومشتقاتة او على الفحم، والتي في العادة تتناقص ومن ثم تنضب مع الزمن، والتي هي طاقة غير نظيفة، اي لا تؤثر عكسيا على البيئة المحيطة بها، حيث لا يمكن ان تلوث الهواء، ومصادر المياة والطعام، حيث أن هناك العديد من الدول التي قامت باعتماد خطط وتبنت استراتيجيات تهدف الى الاستغناء عن مصادر الطاقة التقليدية من فحم ونفط، والانتقال التدريجي الى استخدام تكنولوجيا الطاقة و مصادر الطاقة النظيفة او المتجددة مثل الطاقة الناتجة عن الشمس اومن الرياح، وهذا الذي من المفترض ان نبدأ بالعمل عليه من خلال القوانين والسياسات والحوافز والتطبيق العملي.

  ومع انتظار يوم البيئه العربي في العام القادم، عام 2021، فأن العالم ومن ضمنه العالم العربي سوف يستمر بمراقبة ظواهر أقل ما يقال عنها بالمقلقله أو غير الطبيعيه، وبالاخص في ظل مواصلة تفشي  فيروس كورونا بشكل واسع هذه الايام عندنا وعند غيرنا من القريب ومن البعيد، ومع استمرار عبث الانسان بالنظام البيئي، ومواصلة استعمال مصادر الطاقه التقليديه غير المتجدده، وكذلك المواد الكيميائيه من مبيدات واسمده،  التي هي الملوث الاكبر للبيئه في العالم، وبالتالي الخطر الاكبر على ما يحويه من التنوع البيولوجي وعلى تصاعد حدة الحرائق والاعاصير والفيضانات وانتشار الامراض، وما لذلك من انعكاسات على مختلف بلدان العالم، والمنطقه العربيه لن تكون بالبعيده عن ذلك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير