المؤتمر الدولي الذي نريد

29.10.2020 11:13 AM

كتب: عصام بكر (*)

ان يجمع المتحدثون امام الجلسة الخاصة المفتوحة التي عقدها مجلس الامن على تبني مبادرة الرئيس محمود عباس لعقد مؤتمر دولي للسلام اثناء القائه خطابه في الدورة الخامسة والسبعين لمجلس الامن اواخر الشهر الماضي، فهذا بحد ذاته تطور هام بالنظر لسيل التراجعات التي جرت خلال الاسابيع القليلة الماضية من هرولة للتطبيع، واختلال التوازن في العلاقات الفلسطينية العربية، وربما الدولية التي يرافقها محدودية التاثير في احداث اختراق واضح امام المساعي الامريكية الاسرائيلية لاغلاق الابواب في وجه اي جهد فلسطيني باتجاه حشد موقف دولي موحد يتعلق بنصرة القضية الوطنية للشعب الفلسطيني التي اصبحت في مهب الريح بنظر الكثيرين.

الاجتماع الذي القى فيه وزير خارجية دولة فلسطين كلمة عبر التقنيات الحديثة عن بُعد بفعل استمرار جائحة كوفيد 19 كورونا، وضرباتها المتتالية للبشرية شدد المالكي فيها انه ربما تكون هذه الفرصة الاخيرة لانقاذ مسار "التسوية" الذي انتهى فعلاً، واصبح بحاجة الى البحث عن مسار مختلف من حيث المضمون والقدرة بما يفتح نافذة أمل جديدة بمرتكزات واضحة لامكانية احراز التقدم المأمول، الحراك الدولي الجديد ينبغي ان يعتمد عل استخلاصات ما وصلت اليه عملية السلام التي انتهت، واسباب اخفاق كل الجهود في انهاء الصراع في المنطقة، وعليها يتم اعادة الاعتبار للمرجعيات الدولية المتمثلة بالقانون الدولي، وانفاذ قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة بما فيها تطبيق القرارات الدولية التي تلزم القوة القائمة بالاحتلال بالامتثال لقواعد القانون الدولي، وتوقف انتهاكاتها المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، لان من شأن استعادة المبادرة وقوة وهيبة المؤسسة الدولية ان يلجم هذا التغول الاحتلالي الذي يتباهى به قادة الاحتلال وافلاتهم الدائم من العقاب لم تكن في اي يوم من الايام اية ارادة دولية جدية مستعدة للعمل على معاقبة دولة الاحتلال على جرائمها او حتى التلويح بمعاقبتها على مسلسل جرائمها التي تصنف بكونها جرائم ضد الانسانية.

فالكلمات التي اسمعت تكاد تكون ذاتها حيث عادت لتؤكد على ذات الجمل التي طالما سمعناها كثيراً  "حل الدولتين" وصف الاستيطان( بالخرق) للقانون الدولي او بانه (عقبة) امام الوصول لحل الدولتين الى كل الصيغ، والعبارات المنددة التي تدين ما تقوم به دولة الاحتلال ومن ضمنها كلمة ميلادينوف المبعوث الاممي لعملية السلام لم تاتي بجديد ولا باكتشاف خارق للوضع لكن بوضوح الامر على الارض مختلف فحل الدولتين لم يعد قائما على اجندة حكومة الاحتلال مع تصاعد البناء الاستعماري الذي يلتهم يوميا ما تبقى من ارض " كان" يفترض ان تقوم عليها دولة فلسطين، ويدرك المبعوث الاممي ومعه العالم اجمع ايضا ان مخطط الضم يجري تنفيذه على قدم وساق وبشكل يومي في سباق محموم مع الزمن لتكريس حل الامر الواقع الذي هدفه الاساس الحيلولة دون قيام دولة فلسطين فعن اي حل دولتين يتم الحديث!! من اعلى منبر دولي في المؤسسة الدولية الا اذا كان من باب الكلام الخادع الذي يعبر عن عجز المجتمع الدولي مثلما هو طوال الوقت عن فرض الحل القائم على احقاق الحقوق، ومبادئ العدل والسلام، الكلمات التي حملت عبارات توحي بالايجابية، والنوايا الحسنة لدى المجتمع الدولي ينقصها الكثير من الخطوات العملية لترجمة حالة الاستجداء الدولي التي تعكس الوهن امام الهيمنة الامريكية، والنفوذ الاسرائيلي اولها العمل على تطبيق، وضمان تجسيد استقلال دولة فلسطين كاملة السيادة حتى يقال ويبدو ان حل الدولتين قائما فعلا ويمكن المباشرة بتنفيذه!! والاعتراف بدولة فلسطين كخطوة في سياق تصحيح اعواج وظلم متواصل، والا ما معنى حل الدولتين دون استعادة الحقوق، واولها حق تقرير المصير المصان بقوة قرارات الشرعية الدولية!! وبصورة مباشرة يمكن القول ان الكلمات التي القيت في الجلسة تجنبت بقصد او تطرقت بشكل خجول وغير واضح في احسن الاحوال لمسالة انهاء الاحتلال الاسرائيلي عن جميع الاراضي التي احتلت في عدوان 67 بما فيها القدس، مما يعني بأن الوقائع التي تمت اقامتها على الارض من مستوطنات، وغيرها هي اليوم بنظر اطراف عديدة لا تمثل عقبة كأداء امام فرص تحقيق السلام العادل، والشامل في المنطقة، فيما خلت كل الكلمات من الاشارة لانهاء الاحتلال بكل اشكاله عن جميع هذه الاراضي، وهو ما يشير لتطور يجب ان نراه جيدا في الخطاب الدولي مؤخرا امام معادلة اكبر تتمثل باعادة ترسيم المنطقة، والمتغيرات الاخيرة التي تشهدها مع انطلاق قطار التطبيع العربي، وسقوط حالة الاجماع التي مثلت حائطاً في السابق تهاوى الان ولم يعد قائماً، وبالتالي انشغال العالم اليوم يتركز على ضمان مصالحه في الخارطة الجاري تشكلها في المنطقة ربما تكون القضية الفلسطينية احدى ملفاتها، ولكنها ليست القضية الاهم او في صدارة المشهد كما كانت دوما الامر الذي تستغله اسرائيل، ويشجعها على ممارسة كل هذه الانتهاكات وتمعن معها في قفزها عن كل القرارات الدولية بل ربما تحمل بعض التطورات القادمة امكانية الحديث عن حل "الدولتين" في اطار السعي لتكريس حالة الانقسام واستدامته لتكون الدولة مثار الحديث هي "دولة غزة" بديلا لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران67 بما لا يشمل جميع الاراضي المحتلة التي تمثل الدولة المستقبلية ضمن ما يعرف بحل الدولتين وهذا هو الاخطر الحديث عن حل الدولتين بات غير واضح عن اي دولة؟ وماهي معالم هذه الدولة؟

وامام الصورة القاتمة هذه رغم الاهمية التي يكتسبها عقد هذه الجلسة التي ترأس فيها روسيا الاتحادية مجلس الامن، ومن المقرر ان تخلفها تونس في الدورة المقبلة فان الحراك السياسي الفلسطيني ينبغي ان ينطلق من اسس تتعاطى مع متغيرات جديدة في الخطاب فلسطينياً منها التاكيد بالمقابل على قرارات القيادة الفلسطينية في التاسع عشر من ايار الماضي القاضية بالتحلل من جميع الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، واعادة القضية الوطنية بوصفها قضية تحرر وطني للامم المتحدة بديلا عن مسار التسوية واعتماد مقررات اجتماعات الامناء العاميين نقطة البداية فيها انهاء حالة الانقسام الداخلي فوراً، والتوجه للعالم بخطاب يعكس رؤية استراتيجية توافقية موحدة ومغايرة تضم جميع المكونات على برنامج كفاحي ديمقراطي ينخرط فيه الجميع قوامه تصعيد المقاومة الشعبية كحالة طبيعية مستدامة لشعب تحت الاحتلال بات يتهدده خطر البقاء والوجود فوق ارضه، وديمقراطي يقوم على اجراء الانتخابات البرلمانية، والرئاسية، والمجلس الوطني حيثما امكن لتجديد دماء المؤسسة الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، عندها يمكن للعالم ان يستمع لنا، كلمات المتحدثين التي اعلنت وقوفها معنا نحتاج الى رؤيتها واقعاً يغير الحال، ويوفر الحماية لشعب تحت الاحتلال، ومجتمع دولي يمتلك الارادة لمحاكمة المحتلين، وانصاف الضحية وليس العودة عبر ابواب خلفية لاعادة عجلة المفاوضات الثنائية او بالرعاية المعهودة للولايات المتحدة، وحلفائها التي جربناها طويلا ونعرف تماما الى اين يمكن ان تقود عندها يمكن الدعوة لمؤتمر دولي تحت مظلة الامم المتحدة، وبكامل الصلاحيات لوضع اليات محددة للتنفيذ وانهاء  الاحتلال وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المكفولة بقوة القرارات الدولية .

(*) عضو المجلس الوطني الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير