ايلول الاسود في تشرين الاول..بقلم: بن كاسبيت/ معاريف

05.09.2011 04:00 PM

(المضمون: وزراء محفل الثمانية ينقسمون الى من يخاف أيلول، من لا يبالي له ومن يتمناه. والاخيرون يأملون منه أن يحدث فوضى تامة قد تسقط الاردن وتحوله رسميا الى دولة فلسطينية ).

          "يوجد احتمال كبير لجولة عنف لم يشهد لها مثيل"، هذه اقوال قالها الاسبوع الماضي، في حديث مغلق، مصدر سياسي كبير جدا يعتبر مصدرا يعرف عما يتحدث. قبل النزول الى الملجأ، من الواجب التشديد على أن المصدر آنف الذكر في الاقلية. فالتقديرات الاسخبارية لا تشخص احتمالات تفجير. وزراء الثمانية ينقسمون الى من يخشون ايلول، من هم غير مبالين تجاهه، ومن يتمنوه. لماذا تمني ايلول؟ لانهم يسارعون الى الاضطرابات ويعتقدون بانه قد يكون هذا هو الزمن المناسب للفوضى التامة. ما هي الفوضى التامة؟ اضطراب عنيف هائل، يجترف اليه اجزاء واسعة من المنطقة، وتحت رعايته يكون بوسع اسرائيل احداث "نظام جديد": انهاء عهد ابو مازن بل ربما تشجيع سقوط الاردن وتحوله رسميا الى دولة فلسطينية.

          ومثلما أنهى عرفات في حينه دوره التاريخي، في القيادة الاسرائيلية يوجد من يعتقدون بان ابو مازن ايضا لن يحملنا الى أي مكان. حقيقة. وعليه، كون السلطة الفلسطينية الجديدة، التي تعارض الارهاب، تقضم من الشرعية الدولية لاسرائيل، آخذة في التطرف، هي كيان معادٍ. واذا كان منذ الان لا يوجد مع من يمكن الحديث، فان من الافضل ان تكون الكلبة في الجهة الاخرى هي حماس، التي تعرف في معظم أرجاء العالم كمنظمة ارهابية، وليس سلام فياض، الذي يعرف في معظم ارجاء العالم كمعتدل، متنور و "غربي". ومرة اخرى، قبل انعاش الستر الواقية، ينبغي التشديد على أن الحديث لا يدور عن السياسة الاسرائيلية الرسمية، بل عن خطط وأماني لاقلية في القيادة.

          إذن ماذا سيكون في ايلول؟ مثلما هو الحال دوما، هذا منوط بمن تسأل. فضلا عن ذلك، فان ايلول يقع هذه السنة بالذات في تشرين. فعلى فرض ان الخطوة في الامم المتحدة ستتم مع حلول نهاية الشهر، فان نضوج الاحداث، اذا ما نضجت، ستقع في تشرين، الشهر الذي تجتمع فيه هذه السنة معظم الاعياد. بحيث أن مفهوم "بعد الاعياد" هذه السنة يحصل على مضمون جديد. نكتفي بان نصل الى هذا الموعد ونحن على قيد الحياة. ومرة اخرى ينبغي أن نتذكر ونأمل: في النهاية، احتمال لا بأس به في أن كل هذا الامر سيمر، على الاقل من حيث العنف في الميدان، بسلام.

          اسرائيل مبرمجة. الجيش جاهز ومستعد، الشرطة متدربة، في الاشهر الاخيرة انزل في موانىء اسرائيل مئات الحاويات المحملة بالمعدات المتنوعة لتفريق المظاهرات وثمة عدد لا حصر له من الابتكارات المختلفة والمتنوعة. هذا يذكرنا بشيء ما بالاستعدادات للمواجهة في العام 2000. في حينه ايضا كان الجيش جاهزا (بالاساس بفضل نائب رئيس الاركان بوغي يعلون). بل ربما جاهز أكثر مما ينبغي، وسحق بسهولة نسبية الانتفاضة الفلسطينية في ايامها الاولى، الامر الذي نقل الانتفاضة الى مطارح الجنون والدم للمخربين الانتحاريين. القاسم المشترك للموعدين التاريخيين هو هوية وزير الدفاع في حينه والان، ايهود باراك. فلمرة واحدة سبق أن أغرق المنطقة بالدم والنار، ونأمل الا يحصل له هذا مرة ثانية.

          امس عقد في تل أبيب مؤتمر دولي اعدته وزارة التعاون الاقليمي برئاسة النائب الاول لرئيس الوزراء سلفان شالوم. وتشرف حفل الافتتاح الذي شاركت فيه وفود من الخارج، دبلوماسيون وسفراء كثيرون، بخطاب القاه رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت. وقدمه شالوم للحضور بكلمات حميمة. وقف اولمرت هناك وانتقد الحكومة بشدة، في الموضوع الفلسطيني وفي الموضوع التركي على حد سواء. ولم يظهر أن شالوم يعاني على نحو خاص. استوضحت الامر وتبين لي ان رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، فضل الا يشارك في المؤتمر وعندها دعي سلفه. كما أن شالوم واولمرت التقيا قبل يومين من ذلك في تل أبيب في حدث اجتماعي، بحيث أن شالوم على ما يبدو لم يفاجأ باقوال اولمرت في مؤتمره. من جهة اخرى، لم يذكر اولمرت نتنياهو بالاسم ووجه انتقادا عموميا الى "الحكومة". نصف مواساة. بالمقابل كان لاولمرت الكثير من الكلمات الدافئة والمثنية على المضيف، سلفان شالوم وكذا على القيادة الفلسطينية القائمة التي اثنى عليها بحماسة كبيرة. كل هذا حصل، كما يذكر، في تل أبيب امس، فيما أن ايلول بات هنا.

          واذا وصلنا الى تركيا، يجدر بنا أن ننتبه الى الفوارق بين ايلول 2011 وبين تشرين الاول 2000 (اندلاع الانتفاضة الثانية). في حينه كان العالم كله تقريبا معنا، ضد الفلسطينيين وارهابهم الاجرامي. في حينه كانت لنا علاقات استراتيجية مع مصر وتركيا. الشرق الاوسط كان مستقرا. معظم الدول العربية كانت معتدلة، هادئة ولم تحتمل عرفات. اليوم، ذات الشيء، ولكن فقط بالعكس. العالم كله ضدنا، الفلسطينيون يتمتعون بتأييد جارف بالاجماع تقريبا. وعلى فرض أن ليس لديهم نية للعودة الى الارهاب، فهم على ما يبدو لم يفقدوا شرعيتهم. اطلاق جنود الجيش الاسرائيلي النار على متظاهرين غير مسلحين في الحاجز قد يصبح مصيبة شاملة يضع جنود الجيش الاسرائيلي في صف واحد مع زعران القذافي او جنود بشار الاسد، واذا ما حصل هذا، فيما أن اسرائيل معزولة، محاصرة، بل وامريكا الكبرى تكاد لا تساعدها، فمن شأننا ان ندخل الى ايلول طويل واسود على نحو خاص. في تشرين الاول. 

تصميم وتطوير