بعل أولاً، سياسة تجذير الوجود والصمود- عبد الحميد البرغوثي
18.04.2013 12:07 PM

وقد كتبت منتقداً رسملة الزراعة وتغول رأس المال في القطاع الزراعي وتأثيره العكسي على الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية الإيجابية للزراعة خاصة في الريف والتي لا زالت تشكل نسبة عالية من سكان الضفة الرغبية وملاذهم الإقتصادي الآمن في حال تردت الأوضاع بشكل عام والأمنية والسياسية بشكل خاص.
وجدت مقالتي تلك بعض التحفظ خاصة من أصحاب الزراعات المكثفة إن البلاستيكية أو حتى زراعة النخيل في الأغوار، وقد كان ذلك النقد في محله حيث أن رسملة بعض الزراعات لا تشكل ضغطاً على قاعدة الإنتاج الإجتماعية إذا ما كان النمط الزراعي غير دارج ومنتشر في المناطق الريفية وبالتالي لا يعتبر بديلاً وإزاحة للزراعات التقليدية التي تشكل مصدر دخل لشريحة واسعة من أبناء الريف.
فما قصد من المقالة السابقة لم يكن موجهاً ضد الزراعة المكثفة بشكل عام وإنما ضد الزراعات التي تضح الفلاح الفلسطيني في موضع منافسة مع منتجات المزارع كثيفة رأس المال وبشكل غير متكافئ وبالتالي تعمل، شئنا أم أبينا، على إخراج المزارع من المهنة بعد أن خرج أبناءه والعائلة منها، فتكون النتيجة ليس ضرب البعد الإجتماعي الإقتصادي الوطني للزراعة فحسب وإنما وضع إستدامة الإنتاج الزراعي في مهب الريح وأكثر من مجرد في محل مخاطرة.
هذا التحليل يشير من ناحية إلى أن مجرد النظر إلى قيمة الإنتاج الزراعي ومساهمته في الدخل أو التصدير لا يشكل مقياس ومؤشر مناسب للحكم على التنمية الزراعية وخاصة من بعدها الوطني والمستدام وإنما مؤشرات مخادعة وإحصاءات تضلل أكثر مما تفيد، فالقيمة المضافة لبضع مزارع كثيفة راس المال ترفع مساهمة القطاع في الدخل وقد تطغى على إنتاج وقيمة الإنتاج الزراعي لمجموعة قرى أو حتى محافظة برمتها، وهذا يخدع إلا من ينظر إلى الزراعة كربح مالي وآني أو غير مستدام ولا يهمه البعد الاجتماعي والوطني.
هناك أهمية لإعطاء الزراعة التقليدية كثيفة اليد العاملة والزراعة البعلية والعائلية والمزارع صغيرة الحجم أولوية التنمية والدعم والإهتمام ويجب أن يكون مقياس وضع السياسة الزراعية الوطنية مدى تأثيرها على هذه الأنماط الزراعية ومدى تأثير الزراعات الأخرى على هذه الأنماط وذلك من أجل حمايتها من الآثار السلبية لنمو الزراعات كثيفة الرأسمال وغير المستدامة أو أقله الأقل إستدامة وأكثر عرضة لتقلبات السوق العالمية والعوامل الخارجية.
في بلد يعتمد وجوده وصموده وتصديه على القطاع الزراعي وخاصة ريفه الواسع الممتد وعلى العلاقة بين المزارع والارض يجب أن يتم التعامل مع القطاع الزراعي الوطني (البعل والعائلي والمزارع صغيرة الحجم) بإهتمام مبالغ فيه كمنجم ذهب ويجب أن تقاس القرارات والسياسات الموجهة لهذا القطاع بميزان الذهب من حيث الدقة والعمق في التحليل وبعد النظر ولن تغفر لنا الأجيال القادمة إن ورثناها هياكل حديدية وهناجر وآثار لمزارع كانت في يوم من الأيام تشكل الزراعة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء