" التعليم في الصراع العربي الإسرائيلي "

25.09.2020 03:47 PM

 

كتبت: د. ايناس عبّاد العيسى

تناول مقال عبد اللطيف محمود محمد "موقع التعليم لدى طرفي الصراع العربي الإسرائيلي في مرحلة المواجهة المسلحة والحشد الايدولوجي"، إحدى القضايا المحورية الهامة والتي تتمثل في الصراع العربي – الإسرائيلي ومدى وضوح رؤية كل من طرفي الصراع لدور التعليم، وكيفية استخدامه لتحقيق الأهداف العقائدية والسياسية. وبما أن الصراع مر بالعديد من المراحل، بداية بمرحلة الحشد الإيديولوجي والمواجهة المسلحة وهي الفترة الواقعة بين (1948- 1973م) والتي شهدت معظم المواجهات المسلحة، كما أنها نقلت المقولات النظرية لطرفي الصراع إلى حيز التطبيق، ورسخت في العقل الجمعي للطرفين الحدود والخطوط التي يمكن أو لا يمكن تجاوزها.

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا، ما موقع التعليم في المشروع الصهيوني والمشروع العربي؟ وما النتائج التربوية للمشروعين؟ حيث نلاحظ الاهتمام الملحوظ لدور التعليم في المشروع الصهيوني، وذلك قبل الإعلان الرسمي عن الحركة الصهيونية السياسية والذي تمثل في تأسيس جماعات اهتمت في نشر المدارس اليهودية، وتعليم اليهود بعض المهن؛ كما اهتمت أيضا بتحديث الفكر اليهودي وتعليم اللغة العبرية والأدب العبري، وكان ذلك بمثابة تمهيد لولادة الدولة الإسرائيلية.

ومن ثم قامت الصهيونية بتحديد أرض فلسطين وطنا لليهود من خلال تجسيد أسطورة أرض الميعاد والوحدة العضوية، وكان مفهوم العمل اليدوي والعودة إلى الأرض هي من أهم المفاتيح لفهم المشروع الصهيوني؛ وقد استخدم التعليم هنا لمواجهة مشكلة الأصول الحضارية المتعددة، ونشر الوعي اليهودي وتعميقه، ومشاكل إحياء اللغة العبرية القديمة، والتطبيع المهني لليهود المهاجرين. مما حتم إعادة تأهيل المهاجرين الجدد الذين قدموا من 102 دولة يحملون 82 لغة أم، وتربيتهم تربية روحية وعقائدية واحدة. وقد رأى بن غوريون أن الحل سيكون اعتبار التربية اليهودية شرطاً جوهرياً للوجدان المشترك بين يهود العالم، وأن للتوراة الأثر الكبير من الوجهتين القومية والتاريخية.

ومن خلال المؤتمرات التي عقدت بعد قيام الدولة توصلوا إلى ضرورة تعليم اللغة العبرية والتاريخ اليهودي، مع التشديد على الثقافة القومية والتراث، وعلى مركزية الدولة الإسرائيلية. ومن ثم قاموا بوضع أهداف معلنة للتعليم، بيّنت أهمية التعليم في تأسيس وبناء أجيال تؤمن بالفكر الصهيوني وبالحق التاريخي وفكرة الخلاص، واستخدمت التعليم ليكون سلاحا لبث عقيدتها في النشء الجديد وممارسة التعصب كوسيلة لتذويب الفوارق العرقية والثقافية لمهاجري الشتات، معتمدة على وسائل لتطبيق هذه الأهداف بداية بتكثيف الاستيطان، وتأسيس نظام تعليمي عبري قبل قيام الدولة؛ ممثلاً بإنشاء مدارس تعلم باللغة العبرية ثم الاهتمام بالتعليم الزراعي والأرض. أما بالنسبة للمدارس اليهودية فقد اشتملت مناهجها تطبيقا للفكر الصهيوني بدأ برياض الأطفال ومرورا بالمدارس الابتدائية وانتهاء بالمدارس الثانوية؛ بل إن المدارس كانت تتبع حزبا سياسيا أو دينيا.

أما بالنسبة لموقع التعليم في المشروع العربي فقبل قيام جامعة الدول العربية كان الاهتمام بالتعليم أكثر في اتجاه قطري والذي تحول لاحقا إلى بعد قومي فكان من أعمال جامعة الدول العربية في المجال الثقافي والتعليمي أنها اتفقت على معاهدة ثقافية عام (1945م) عبرت عن الفكر الذي سيحكم مسيرة العمل التربوي الذي لم يتعدى تبليغ كل نظام عربي الأصول العامة للدول العربية وتعريفهم بأحوالها وحضارتها.

ثم جاءت المؤتمرات الثقافية العربية، وكان أولها في لبنان عام (1947م) والذي نادى بتكوين نشء صالح يعتز بقوميته وعروبته، والثاني في الإسكندرية عام (1950م) والذي اهتم بالتعليم الجامعي والعالي، وأبناء اللاجئين الفلسطينيين، والثالث في بغداد (1957م) حيث ركز على تكوين مواطن عربي متجانس من خلال الاهتمام بموضوعي التاريخ والجغرافيا؛ وهو ما لم يحدث في المؤتمرات السابقة ثم تتالت المؤتمرات حتى عام (1970م) والتي كانت مقدمة لإنشاء المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ولا نغفل  ميثاق الوحدة الثقافية العربية عام (1964م) والذي أكد على ضرورة وحدة الفكر والثقافة من أجل وحدة عربية،  مع المحافظة على التراث العربي ونقله وتجديده لضمان تماسك الأمة.

وبالحديث عن مدى التطابق بين الواقع التربوي والفكر، فمن الممكن أن نرصد جانبين هما التحسن الكمي والكيفي في النظم، ومدى اتساق أهداف التعليم على المستوى القطري مع الهدف العام للتربية؛ فالهدف كما ذكرنا هو تنشئة جيل عربي واع؛ وذلك يشمل أبعاداً عقلية وقيمية ووجدانية.  مما جعلها غير قابلة للتنفيذ الفعلي، وجعل التربية العربية تصل إلى حالة الانكفاء القطري وغياب البعد القومي فيها، إذ أن دور التعليم هو أقل مما يجب من حيث المستوى الكمي والكيفي. أما الطرف الإسرائيلي فكانت الأهداف تنسجم مع الرؤية الواضحة. ولهذا جاء الدور الأوضح والأكبر للتعليم في تأكيد ذاتيته وهوية مجتمعه وتوجهاته والإيديولوجية وتجسيدها في الصراع لصالحه.

ولعل ذلك هو المؤشر الحقيقي لعدم فاعلية التعليم في الطرف العربي بحيث كان أقل مما يجب كماً وكيفاً، فالغياب الواضح للقومية الحقيقة وتشويه الوعي بدلا من بنائه أدى إلى إضعاف القدرة على بناء مفهوم لهوية قومية واحدة، فقد كان الهدف الواضح لجهاز التعليم الاستيطاني العنصري الرسمي الذي تضعه حكومة العدو" المضطهِد" هو طمس وعي المضطهَد وهويته القومية الفلسطينية، مع فرض الهيمنة الاستعمارية عليه من خلال مخطط مبرمج .

إضافة إلى ما أشار إليه فريري من التعليم البنكي وحشو الدماغ  بالمعلومات دون حوار نقدي بناء لأن الحوار لا بد  يؤدي إلى التحرر؛  ولكن نرى أنه وبالرغم من  كل ذلك فإن الوعي لدى المواطن العربي لا يرجع إلى ما تعلمه في المدارس وإنما إلى الجهد السياسي والأنشطة الفكرية لبعض المنظمات في المجتمع سواء الرسمية أو الحزبية أو الدينية، مقارنة بالوعي بالهوية الصهيونية للمجتمع الإسرائيلي حيث كان التعليم شبكة كثيفة من الرموز والأساطير التي احكم نسجها من التراث الديني والتاريخ السياسي والاقتصادي، وأحكم خلطها مع المضمون القومي.

وربما يحضرني ما ورد في كتاب مسيرة نحو الديمقراطية في إسرائيل والذي يدرس للمرحلة الإعدادية في المدارس العربية الإسرائيلية (أي للفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر) في الفصل السادس عشر عن رؤساء دولة إسرائيل من عام 1948 ولغاية الآن، فقد كان الرئيس الأول وايزمن، والذي عمل على بلورة مكانته السياسية وصلاحيات مؤسسة الرئاسة، حيث تحددت وظيفة الرئيس في تلك الفترة، أما إسحاق بن تسفي وكان في الفترة ما بين (1952-1963م) أي في فترة قدوم اليهود إلى البلاد وفترة استيعاب ودمج الجاليات وكان يفتح بيته مرة في السنة في عيد العرش لأناس من جميع الطبقات والطوائف والأقليات القومية في إسرائيل، ومن ثم الرئيس زلمن شازار الذي طور علاقات مع يهود المهجر ونمى العلاقة مع تقاليد إسرائيل، وبادر إلى حلقات للتوراة ومعرفة المهاجر، ولقد حكموا في مرحلة المواجهة المسلحة والحشد الأيديولوجي.

وأما المثال الآخر فهو عن التعليم في الأردن، ففي مادة التربية الوطنية للصف التاسع، كانت المادة تركز على الموضوع الأهم؟؟؟"الثورة العربية الكبرى" التي قادها الملك عبد الله الأول (اسم قومي وقائد قطري) وفي هذا المثال يتضح مدى تقطير الدول لمناهجها ولو أنها تحاول أن تصبغ نفسها باللون العربي ولكنها لا تجد له لونا إلا اللون القطري الذي انكفأت عليه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير