أسماء سلامة تكتب لوطن: الباذنجان وخدم الباب العالي وسياسات الإعلام

25.09.2020 08:53 AM

قال الأمير الشهابي لخادمه يوماً : تميل نفسي لأكلة الباذنجان ! ، فقال الخادم : الباذنجان ! بارك الله في الباذنجان ، هو سيد المأكولات ، لحم بلا شحم ، سمك بلا حسك ، يؤكل مقلياً ويؤكل مشوياً ، يؤكل كذا .. ويؤكل كذا ... فقال الأمير : ولكنني أكلت منه قبل أيام فنالني الكرب ( أي توجعت ) ، فقال الخادم : الباذنجان !! لعنة الله على الباذنجان ، فإنه ثقيل غليظ  نفّاخ  أسود الوجه ، فقال الأمير : ويحك تمدح الشيء  وتذمه في ذات الوقت ؟!! فرد الخادم : أنا خادم الأمير يا مولاي ، لا خادم الباذنجان ، إذا قال الأمير نعم ، قلت نعم ، وإن قال لا قلت لا ....

هذا الخادم الباذنجاني ، الذي تغير موقفه من النقيض للنقيض لمجرد تغير كلمات أميره ، هو المتكاثر بشكل كبير في بعض البلدان العربية مؤخراً ، حيث معدومي الرأي والإمعات ، الذين يتبدلون بين عشية وضحاها ، تبعاً لمواقف الباب العالي ، من مؤيدين لمعارضين والعكس ، من مادحين لقادحين ذمامين ، يبدلون أقنعتهم حسب مقتضيات الحال ، لا يهمهم ما هو الصواب أو الخطأ ، لا يهمهم قول الحق أو الباطل ، جل اهتمامهم ينصب على رضا الباب العالي ، ما أسهل أن يخرجوا علينا بتصريحات تروّج لما كانوا ينتقدون .. تراهم يسبون فلاناً وبعد فترة يخطبون وده .. من كان عدو البارحة بات المخلص اليوم . 

أبواق الباب العالي كالحرباء التي تغير جلدها حسب البيئة التي تحيط بها ، وقد اصطبغ جلدهم الآن بسواد نفوسهم ، وقبح نواياهم ، يحتلون القنوات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي ليجملوا فظاعة ما قام به أولياء أمرهم ، وضعوا الدين والأخلاق والمبادئ جانباً ،  وعطلوا عقولهم ،  مهزلة بكل معنى الكلمة .. ليس فقط من لبس كمامة عليها علم دولة الاحتلال ، أو غنى بالعبرية  متغزلا بنتنياهو ،  بل الأدهى والأمرّ من عرف بأنه داعية إسلامي ، ويحكم .. انسلخوا من هذه الألقاب والمسميات وانتقوا ما يليق بوظيفتكم الحقيقية البعيدة كل البعد عن الدعوة .. حتى الدين لم يسلم منكم ، فأنتم تسارعون إلى إصدار الفتاوى ( بل تفصيلها على مقاس أولى الأمر ) فتاوى جاهزة تحللون كذا وتحرمون كذا ، بناء على طلبات ورغبات أوليائكم .. تستمرون في ترديد عبارات أفرغتموها من معناها الحقيقي " طاعة أولي الأمر " أنطيع أولي الأمر وإن كان مجرما وعلى باطل ؟؟ أنطيع الشخص وهو إنسان قد يصيب وقد يخطئ ، فلا أحد معصوم عن الخطأ ، أم أن الطاعة هنا المقصود بها إطاعة المنصب .. مهما صدر عنه من فعل أو قول أو حتى إشارة ، فهو على صواب دائم .. ولي الأمر لا يخطئ .. رحمك الله يا أمير المؤمنين عمر الفاروق ، والذي قال أصابت امرأة وأخطأ عمر، في الزمن الذي كانت امرأة تملك الشجاعة لتناقش عمر بن الخطاب " أمير المؤمنين " باتت مفاخرتنا بأن هذه الدولة تمنع ركاب الطائرات في أجوائها عن شرب الخمر .. لم يتبق إلا هذا الأمر كان يؤرقنا ، والحمد لله انتهينا منه ...

أين ما تدعو إليه الرسالة التي تدعون الدعوة إليها من قول للحق ولو على قطع العنق ، ألا تعلمون أنكم شهود  زور ، وشهادة الزور من الكبائر ، ألا تعلمون أن الظلم ظلمات ، ألا تعلمون أن الحلال بين والحرام بين .. وأنتم تحاولون إلباس الحرام ثوب الحلال ، بل وتدعون إليه بكل وضوح وصراحة .. لن أسهب في الحديث عن الأمور الدينية ، لأن الدين أكبر وأعظم من محاولة الحديث عنه وربطه بهذا النوع من البشر ..

يخرجون الآن مشككين في وجودنا ، ويلمعون صورة الاحتلال ، ويصورونه على أنه دولة مظلومة من قبل الجميع، وأنها دولة السلام ،وأنها لم تهدد أيا من الدول العربية وكأن الفلسطينيون ( يتبلون ) عليهم  ويضعون فيهم الباطل ، يصورون الشعب الفلسطيني الذي عانى ويعاني الظلم منذ أكثر من سبعة عقود ، على أنه شعب ظالم ، شوه صورة " دولة إسرائيل " ، وأنه شعب يفتعل هذا الصراع ليأخذ الأموال من العرب .. تباً لكل عابث في تاريخنا ومشوه لنضالنا ومشكك في عدالة قضيتنا ، ألا تقرؤون القرآن الكريم يا جهلة ؟؟؟ ألا تعرفون تاريخ بني إسرائيل على مر الأزمان ، ألم يتحدوا الأنبياء والمرسلين ، ألم ينقضوا عهدهم مع النبي محمد ( عليه أفضل الصلاة والتسليم ) ، أم أنكم تريدون التشكيك في السيرة النبوية الشريفة ، وتشعرون بالذنب الآن على ما وقع من غزوات ضد اليهود .. ولربما بادرتم لدفع تعويضات لهم عما بدر من المسلمين تجاههم .. لا أستغرب أي شيء منكم بعد الآن .. فعندما تموت النخوة يموت أي أمل في اتخاذ أي موقف .. استحضر هنا قول الشاعر مظفر النواب الذي يعبر بعمق عن حالكم " تتحرك دكة غسل الموتى .. أما أنتم فلا تهتز لكم قصبة "

لم يتوقف الأمر على بعض أشخاص لا ذمة لهم ولا ضمير ، فيبدو أن هناك خطة ممنهجة لتزوير التاريخ ، وتغيير الحقائق ، حيث قامت إحدى القنوات العربية المعروفة بنشر تقرير مؤخراً تتحدث فيه عن الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود في أرض فلسطين ، وقيام الفلسطينيين ( أصحاب الأرض ) بقتل اليهود ومن بينهم النساء والأطفال ، محاولة بذلك قلب الواقع ، من كان على هذه الأرض ، ومن جاء بنية الاستيلاء عليها ، من المعتدي ومن المدافع ، أيريدون لشعوبهم أن تنسى مذابح دير ياسين والطنطورة وقبية وغيرها  ، والتي تم تدوينها في كتب التاريخ لتوثق بشاعة تعامل اليهود مع الفلسطينيين ، أيريدون أن يزيلوا من التاريخ مذابح الهرم الإبراهيمي وكفر قاسم وحرق المسجد الأقصى ؟؟  بات الأمور  الآن مكشوفة بشكل كبير ، هناك سياسة واضحة بتغيير الصورة الحقيقية لما اقترفه اليهود بحقنا واستبدالها بصورة أخرى مزيفة تخدم هذا الكيان وأعوانه ، أيريدون إزالة فلسطين وتاريخها وشعبها من هذا العالم؟؟
عندهم باتت الخيانة وجهة نظر وليست جريمة .. بل إن قول الحقيقة أصبح جريمة..

أين إعلامنا من كل ما يجري الآن على القنوات العربية  ( التي يمكن اعتبارها رسمية ) ، والرسالة الإعلامية التي يتوجهون بها لشعوبهم ، ماذا يطلب منا أن نفعل لنبقى على رهاننا على الشعوب العربية ، وأن نمنع تشويه فكر الأجيال الجديدة ، وزرع  فكر التطبيع فيهم  ؟؟ إن إعلامنا للأسف هو أكبر مقصر بحقنا ، فلا يقوم بما هو مطلوب منه  في نقل الوضع الحقيقي لفلسطين ، ولا يعرض قضيتها بالطريقة الصحيحة ، قنواتنا الرسمية في كثير من الأحيان تبدو منسلخة عن الواقع ، تتجنب الخوض في الأمور والقضايا الساخنة ، فتبدو كأنها في واد ، والواقع في واد آخر ، لا يمكن أن يبقى الإعلام الرسمي مقتصراً عن نقل جدول أعمال الحكومة ونشاطاتها ، وعرض اجتماعاتها وفعالياتها ، خاصة في وضع فلسطين الاستثنائي ، حيث لا يهدأ الحال لدينا على كافة الأصعدة ، استغرب حقيقة للهدوء الإعلامي لدينا في حيث أن ما لدينا يستطيع أن يشعل إعلام العالم كله ، أرض تصادر ، وبيوت تهدم ، وشباب في الأسر ، وشهداء ، وحجز على أموال وحواجز ، و.. و .. و .. .

هل بات يتعامل إعلامنا ع هذه القضايا كأمور روتينية ، لا تحتاج للمناقشة وتسليط الضوء عليها ؟؟ هل باتت من طبائع الأمور ، إن كان إعلامنا لا يمثل ما نعيشه ولا ينتصر لنا ، ولا يتبع سياسة مرضية في عرض قضيتنا على العالم بالطريقة التي تحشد التأييد الكامل ، وتترك المجال للإعلام الاحتلال الذي يضلل العالم ، والآن الإعلام في بعض الدول العربية الذي بات مساندا للاحتلال ، ويحاول تسويق وجهة نظره ويخدمه على حسابنا .. إلى متى سيبقى إعلامنا يحاول انتقاء الألفاظ التي لا توقعه في تهمة التطرف والعنف ، وإلى متى سيبقى يعزل نفسه عن عرض الواقع ، إلى متى سيبقى في حياد ، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الإعلام أقوى وسيلة للانتصار لأي قضية ، وأن أي موضوع تريد له الانتشار ما عليك سوى أن تجعله قضية رأي عام عبر الإعلام  .

مع شديد الأسف فشل إعلامنا الرسمي في نصرة قضيتنا ، ولا وجود لوسائل إعلام خاصة على المستوى المطلوب ، تركنا شعبنا قبل الشعوب العربية لاستقبال ما ينشر في العالم عنا ، وأصبحت معلوماتنا عن واقعنا مصدرها الآخر ..

آن الأوان لإعادة ا لنظر في سياسة الإعلام ، وباقي السياسات الأخرى التي تخاطب الآخر ، كفانا ترك الميدان لعبث الآخرين ، على العالم أن يعرف ما هي فلسطين وما هي قضيتها ، من هو شعب فلسطين وما هي حقوقه .. بخطاب وأسلوب جديد بعيد عن النمطية الحالية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير