خديجة أبو عرقوب..حكاية وطن في إمراة-ريمان ابو الرب

17.04.2013 11:42 AM
إمراة بألف رجل؛ رفيقة درب الراحل ياسر عرفات، ثائرة ومناضلة استثنائية في ثورة وزمان استثنائيين، ثارت وما زالت ثائرة، ناضلت وما زالت مناضلة، ضحت وما زالت تضحي، قدمت وبذلت كل ما بوسعها دفاعاً عن قضيتها وأرضها وحقها في العيش بحرية وكرامة، باعت صيغتها وحليها وأشترت بثمنهما سلاحاً وعتاداً للثورة من أجل النضال ضد المحتل.
أعتقلت وأمضت في الأسر سنوات من عمرها، وما زالت حتى اللحظة تحمل على عاتقها قضية وملف الأسرى، وتشارك في كل الاعتصامات والندوات والفعاليات التضامنية المتعلقة بالأسرى والداعمة لهم ولنضالهم وصمودهم خلف قضبان الأسر.

خديجة أبو عرقوب ... إمراة ليست بالاستثنائية، وإنما هي الإستثناء بحد ذاته، فهي المرأة الفلسطينية بكل ما تعني الكلمة من معنى، وهي النموذج الحقيقي لما ترمز إليه المرأة الفلسطينية ولما تحمله هذه الكلمة من معانٍ تجسد التضحية والبطولة والفداء.

البطاقة الشخصية للأسيرة المحررة خديجة أبو عرقوب

ولدت الأسيرة المحررة في الأول من يونيو (حزيران) عام الفٍ وتسعمائة وأربعة وأربعين ميلادية في بلدة دورا قضاء مدينة الخليل، لعائلة فلسطينية محافظة ومعروفة بانتمائها لوطنها وحبها لأرضها؛ فوالدها الفلاح البسيط، كان شديد التعلق بالأرض ودائما يربط حبه وتمسكه بها بحبه وانتمائه لوطنه الضائع والمسلوب. فالوطن بالنسبة له هو الهوية الحضارية والثقافية والوطنية، وهو الإرث الذي ورثه عن آبائه وأجداده، ولذا عليه أن يحافظ عليه ويحميه ويدافع عنه، ويربي أولاده على حبه والذود بالنفس من أجله. من هنا تعلمت أبو عرقوب معنى الانتماء وحب الوطن، فنشأت وتربت على هذه الثقافة التى غرست في نفسها وتشبثت فيها كما تتشبث جذور الشجرة بالأرض.

كانت أسرة أبي عرقوب تعاني من ظروف اقتصادية ونفسية سيئة وخاصة بعد النكبة الفلسطينية عام 1948م وهذه الظروف انعكست بشكل مباشر على حياة جميع أفراد العائلة، فمنعت هذه الظروف خديجة وحرمتها من الالتحاق بالمدارس كغيرها من الأطفال، إلا أن أصحاب الخير وخاصة المثقفين من أبناء البلدة لم يهن عليهم امرها وبذلوا كل ما بوسعهم من أجل إدخالها لإحدى المدارس، وبالفعل تمكنت من الدخول لمدرسة تابعة لوكالة الغوث الدولية.

" التحقت بالمدرسة _ تقول أبو عرقوب_ بعد إصرار أهل العلم وكان آخر صف في المدرسة هو الصف الخامس وهنا بدأ فصل جديد من المعاناة التي أعتدت عليها منذ الصغر، كان عليَّ الانتقال إلى مدرسة حكومية من أجل أن أكمل تعليمي ، إلا أن ظروفنا الإقتصادية الصعبة جعلت الأمر مستحيلاً، ولكن إصرار أهلي وقوة عزيمتي جعلاني أكمل تعليمي وأحصل على) شهادة المترك( عام 1959م، ولكنني بعد هذه المرحلة توقفت عن الدراسة وأكتفيت بما حصلت عليه من شهادات".

هذه الظروف الصعبة لم تمنع الحاجة أبو عرقوب من مواصلة اهتمامها بالثقافة والعلم فكانت على إطلاع كامل على الكتب والدراسات.

تنظر في عيونها فتعلم بأنك جالس أمام موسوعة تاريخية ووطنية وثقافية، وإنسانة تعلم معنى الصبر، فهي منذ نعومة أظافرها وهي تشدو للوطن، تحاول أن تحصل على ما تستطيع من العلم لتواجه عالماً مليئاً بالصراع والخداع، فحلمها ان تحصل على شهادة الثانوية العامة وتلتحق بالجامعه،إلا أن هذا الحلم كان صعب التحقيق ،ولكن إرادتها ما زالت كما هي بل وازدات فالاحتلال قرر أن ينغص على الحاجة أبو عرقوب حياتها؛ لأنه يعلم مدى أهمية أن تحقق هذا الحلم؛ لذا اعتقلها الاحتلال مرات عدة، وبذلك قضى على حلم فتاة فلسطينية كانت وما زالت تطمح أن تعيش كباقي الفتيات في العالم وليس أكثر.

هذه الظروف الصعبة والاعتقالات المتكررة والهم الوطني الذي كان يشغل بالها، لم تبعدها عن الأدب والثقافة، فقد تمكنت من الكتابة في صحف ومجلات عدة؛ منها صحيفة الفجر المقدسية، وصحيفة الفجر الأردني، بالإضافة إلى بعض الصحف والمجلات مثل مجلة كنعان، وكانت على تواصل دائم مع الأدباء والكتاب كالأستاذ علي الخليلي وعبد اللطيف عقل وغيرهم العديد مما أكسبها خبرة واسعة في كتابة الشعر والمقالات.

تجربتها في الأسر

منذ صغرها لم تتوان يوما أو ساعة عن خدمة وطنها وقضيته العادلة فمنذ مرحلة الدراسة الأساسية وهي لاتترك مسيرة أو فعالية وطنية إلا وتكون على رأسها كقائدة لهذا العمل، تعي أهمية الوطن والمشاركة في جميع الأنشطة التي تهدف إلى ابراز القضية.
برز وسطع نجم خديجة أبو عرقوب في السنوات الثلات المتتالية (1963 – 1965م)، حيث تميزت بنشاطها التنظيمي وأنجزت مهامها الوطنية على قدر كبير من المسؤولية والوعي، مما جعلها من النساء القليلات اللواتي عرف عنهن التميز والإبداع في أداء المهام الوطنية . ولا شك أن تميزها هذا جعل الاحتلال يدرك مدى خطورتها ويحسب لها ألف حساب، فهي كالمارد لن ترحم من لم يرحم شعباً أعزل .

وحينما علم الإحتلال بنشاطها ومدى انتمائها لقضية شعبها؛ زجَّ بها في معتقلاته، وفرض عليها الإقامة الجبرية بالإضافة إلى ترحيلها إلى قطاع غزة، في محاولة منه لكسر إرادتها، ولكنها كالجبل الشامخ وقفت وتصدت بكل قوة لهذه المحاولات وبذلك تكون كسرت شوكتهم، تقول"هذه الأعمال التعسفية لم تثنني عن أداء واجبي، بل كنت كل يوم أزداد إيمانا ويقينا بعدالة قضيتنا، فكنت المناضلة الصابرة وما زلت كما انا... كل ما يهمني هو أن أرى هذا الوطن الجريح حراً".

تجلس وتتنهد تنهيدة طويلة، ففي ذاكرتها العديد من القصص التي لم تروها لأحد، تصمت لبعض الوقت وكأنها تفتح ورقة جديدة في كتاب حياتها المليء بالأحداث والصور، تسترجع إحدى قصصها التي مرَّ عليها زمن وسنوات طوال وكأنها حدثت اليوم، بعد هذا الصمت تسمع صوت إمراة تتحدث بنبرة مليئة بالفخر والاعتزازتقول" أول تجربة اعتقال كانت عام 1969م حيث قضيت عدة أيام في التحقيق، ومن ثم أفرج عني، وأكد لي مسؤول التحقيق انني إذا واصلتُ بنهجي هذا؛ فإنهم سيعاودون اعتقالي. وتم الأمر، ففي عام 1973 سجنت وحكم علي بالسجن لمدة عام من الاعتقال الإداري."

سنوات صعبة ومريرة قضتها الأسيرة المحررة أبو عرقوب في الأسر، متنقلة من محكمة إسرائيلية إلى أخرى وذلك بهدف كسر إرادتها والنيل من عزيمتها، إلا أنها لم تنهزم ولم تكسر. فهذه السياسية زادتها إصراراً لإكمال نشاطها وعملها الوطني، فما كان من الاحتلال إلا وأن قام باعتقالها مرة أخرى لمدة ثلاثة شهور ومن ثم قرر نفيها إلى معتقل إسرائيلي قريب من قطاع غزة، لكن النفي لم يغير شيئا من إرادتها، تقول: "صدر بحقي الإبعاد إلى غزة، وتم نفيي، ولكنني لم أتقبل الموضوع. جميع الأسرى والأسيرات كان الخوف يسيطر عليهم ولم أصدق كيف كانت نفسياتهم، لقد كانوا محطمين ، استقبلوني كالبطلة، وضعت في زنزانة مغلقة لا يوجد فيها شباك، فقررت حفر الحائط وفتح نافذة في إحدى الجدران حتى أكون على تواصل مع باقي الأسرى والأسيرات.وهنا اخذت على عاتقي تغيير الجو الكئيب الذي يعيشه الجميع في الأسر، فطلبت من الأسرى الغناء بصوت عالٍ وان نعمل على كسر الهدوء الموجود، واخذ الأسرى والأسيرات يرددون الأغاني الوطنية، ومن ثم قررت الهجوم على المجندة وضربها وذلك لأنني أرفض هذا الإبعاد الجائر، فمزقت ملابس المجندة"، حينها قرر الاحتلال إعادتها إلى الضفة وكان حكمها قد انتهى.

"يالها من فرحة، فرحت الانتصار على المحتل، هذا الأمر زاد الرغبة لدي في الاستمرار في عملي النضالي، فعمل الاحتلال على اعتقالي مرة أخرى عام 1975م." تقول أبو عرقوب بنشوة الانتصار .

كانت الأسيرة تحاول أن تستفيد من الوقت الذي تعتقل به وتحاول أن تستغل كل دقيقه، وذلك لأنها ستكون دائمة الإنشغال بالمهام والواجبات الوطنية، كانت فترة السجن فترة مليئة بالأحداث فكانت تقرأ الكتب والمجلات وكل ما يقع تحت أيديها من وسيلة للعلم، كانت تحاول مساعدة الأسيرات الأخريات في الحصول على قسط من العلم، وخاصة اولئك الأسيرات اللواتي لا يعرفن الكتابة والقراءة، وبذلك تكون قضت على أي وقت فراغ لديها ، السجن بالنسبة لها المدرسة التي ستحميها من مصاعب وويلات الحياة والاحتلال.

شهادة حية على ظلم وقسوة السجان

مرحلة مهمة كان لها بالغ الأثر، مليئة بالأحداث ، حاول الاحتلال ابتزازها أثناء عملية اعتقالها وذلك بهدف الحصول على معلومات عن المناضلين والمهام الوطنية التي كانت تقوم بها، فقد تعرضت الأسيرات الفلسطينيات لأساليب قمع ووحشية أثناء الإعتقال، واستخدم الاحتلال كل أنواع الضغط النفسي والتهديد والاعتداءات من أجل اذلالهن، إلا أن المرأة الفلسطينية سجلت أنبل وأشجع الشهادات التاريخية المليئة بالصبر والتضحية.
الأسيرة المحررة أبو عرقرب تعرضت للضرب المبرح والتجويع من قبل سجانيها، تقول:"ضربوني، وأرادوا خنقي، نتفوا شعري،هددوني بأنهم سيأتون بالجنود؛ ليغتصبوني، ولكنني لم أخف ولم أرتعب، وبقيت مصرة على موقفي وأقوالي."

هذا جزء يسير من رحلة الألم والبطولة الممزوجتان معا فهما شكلتا حياة الأسيرة المحررة خديجة أبو عرقوب، هي الثائرة بوجه الظلم والإحتلال، أفنت عمرها في خدمة قضيتها، ونصرة الأسرى الذين لا حول ولا قوة لهم، فهي تعرف معنى كلمة أسير أو أسيرة، فمن عاش التجربة يعرف خبايا وتفاصيل لا نسمع عنها ولا نعرفها، وبذلك واجهت الاحتلال وأساليبه البشعة، وأسقطت كل النظريات الأمنية التي أستخدمها الجلاد الإسرائيلي أمام كبرياء الحاجة أبو عرقوب التي رفضت أن تركع، وكانت في تحديها الأشجع.

نظرتها للمستقبل بمنظار ياسر عرفات

وطن سلب منه كل شيء حتى عُمر الشباب، فالاحتلال لا يرحم ولا يعرف الرحمة، لا تصدق الحاجة الأسيرة الواقع الذي نعيشه والتهميش الذي يتعرض له المناضل الفلسطيني في ظل انشغال البعض في الإنجازات الفردية والشهرة الإعلامية، لقد كان للمناضل والأسير مكانة مقدسة فالجميع ينظر إليه كالبطل أما اليوم لا نرى أي إهتمام لا من مؤسسة ولا من أشخاص واجبهم الحرص على راحة من قدموا عمرهم من أجل الوطن، تقول:" الشهيد الرمز ياسر عرفات كان يولي إهتمام كبيراً بالأسرى والمناضلين ولم يكن يهمشهم، فنحن كأسرى ومناضلين لا نريد منصب أو كرسي، نحن كنا نقوم بواجبنا الوطني والنضالي، قدمنا وما زلنا نقدم للوطن والأسير، وسأبقى رمز من رموز النضال الوطني."

أكثر ما يقلق الأسيرة المحررة هو غياب الكتاب والمفكرين وحتى الدولة في الكتابة عن هؤلاء الأسرى وأرشفة نضالاتهم لتدرس في المدارس، وتبقى شهادة حية على قدرة المواطن الفلسطيني على تحمل ويلات الاحتلال.

تعرضت الأسيرة كباقي الأسيرات إلى تهميش لم تكن تتوقعه من قبل القيادة بشكل عام فهي تتحدي أن مسؤول أن لا يكون يعرفها ويعرف تاريخها المشرف، فأبو عمار كان يوليها إهتمام ليس كأي إهتمام، ويقدر ما أنجزته للوطن، فكانت على رأس كل مهرجان تُكرم وتُشارك بشعرها وأدبها، ولكن اليوم تمر السنه المليئة بالأحداث،ولا أحد يتذكرها.
تبقى كالجندي الباسل الذي استبسل في تقديم واجبه الوطني، فاتحة ذراعيها للوطن الذي الذي عاهدته منذ الصغر أن بيقى محور ومركز إهتمامها.

أعمالها وكتاباتها

أن لم تكوني فما الذي سيكونا؟!!!
خديجة ابو عرقوب

جميلات صباياك فلسطينيا...
كدفء الشمس يعانقها الغروب
سبحان رسام الغروب سحرا ...
ودروب الجميلات طيوبا...
جميلة بلادنا،،، وهن جماله الوطن
والقدس وشم الله في الوجه الصبوح...
تشرق في الرؤى دلال المغربي..
وعلى رملها حيفا ترجّلت...
كفارس مغوار طاب له الحلول....

كما كتبت الكاتبة الأسيرة المحررة خديحة أبو عرقوب بمناسبة الذكرى السنوية ليوم الأسير الفلسطيني تحت عنوان فرسان الحرية

أيها العالقون على ظلال الشمس...
أيها المُغيرون في دروب الحرية...والانسان...
من الجراحات النازفة...وعذابات الأطفال..
في محاكاة الغياب...ودفء العناق..
والأنفاس المكتومة خلف القضبان..
بين الجمر والرمضاء...والنار..
يكون صمودكم الأسطوري...أن ..
نكون مُتوحدين ..لأننا عالقون .. بين
الذئب..والصولجان..مُتّبعون
حتى في هَمس الكلام..والرؤى..
بكم نحن مُحررون ..من الظلم والتبعيّة..
ومن الظلم المتواصل..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير