تمارا حداد تكتب لـوطن: الفساد المالي والإداري يتعادلان في الآثار السلبية وانعكاسهما يتساويان في المضمار.

22.09.2020 07:19 PM

تعتبر ظاهرة الفساد قديمة حديثة وهي تتصل بالطبيعة البشرية وبالتالي لا يخلو منها اي مجتمع مهما بلغ هذا المجتمع من مراحل التطور والنمو، فظاهرة الفساد المالي والاداري ليست وليدة اليوم وليست مرتبطة بزمان او مكان معينين، ويعتبر الفساد بنوعيه الاداري والمالي معضلة المجتمعات لانه يقف حائلا امام تقدمها ويهدد مستقبل الاوطان وان اختلفت مواقعها، والفساد يرتبط بضعف المؤسسات نتيجة تعرضها للاستغلال او عدم تطبيق القانون او غموض القوانين وبعض الجهات تُمحور القوانين حسب اهوائها، والنوعين من هذا الفساد بشقيه الاداري والمالي لهما آثار سلبية مثل تفشي الفقر وتراجع العدالة الاجتماعية وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وتدني المستوى المعيشي وتركز الثروات بايدي الفاسدين وكما يؤدي الى ضياع اموال الدول دون استغلالها لمشاريع تنموية للمواطنين، والفساد يعمل على فقدان الثقة في النظام الاجتماعي والسياسي وفقدان شعور المواطنة والانتماء القائم على علاقة تعاقدية بين الفرد والدولة ويؤدي الى هجرة العقول والكفاءات وفقد الامل.

أما عن تاثيره على الاقتصاد وتنمية المجتمع فهو يؤدي الى ضعف الاستثمار وهروب الاموال خارج الوطن في الوقت الذي كان من الممكن استغلال هذه الاموال في اقامة مشاريع اقتصادية تنموية تخدم المواطنين من خلال توفر فرص العمل، كما يؤدي الفساد الى هجرة اصحاب الاموال والكفاءات والعقول الاقتصادية خارج البلاد بسبب المحسوبية والواسطة في شغل المناصب العامة مما يؤدي الى ضعف احساس المواطن بالمواطنة الصالحة والانتماء الى الوطن.

يؤدي الفساد المالي والاداري الى فشل في جذب الاستثمارات الخارجية وهروب رؤوس الاموال المحلية وخفض معدل الاستثمار، ويعمل الفساد الى هدر الاموال بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة، والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزانة العامة كنتيجة لهدر الايرادات العامة.

كما ان الفساد المالي والاداري يُشوه بنية الانفاق الحكومي فالكثير من المؤسسات من خلال الرشوة عملت على تشويه المؤسسات من خلال ارساء عطاء معين لشخص معين كمشاريع البنية التحتية وتكون هذه المشاريع لا تطابق المواصفات السليمة، وهذا الامر يعمل على خسائر فادحة مستقبلية، كما ان الفساد المالي والاداري يعمل على تفاقم وعجز الميزانية العامة  من خلال تقليل الايرادات وزيادة النفقات العامة من خلال التهرب الضريبي غير المشروع فيُضعف من ميزانية الحكومة ويُقلل من مشاريع التنمية الاقتصادية، ويُضعف من كفاءة المرافق العامة ونوعيتها ويشوه الاسواق بسوء التخصيص في الموارد عن طريق خفض رقابة الدولة والتفتيش الصحيح مما يفقد سيطرة الدولة على التجارة الداخلية وتشويه سوق العمل.

كما ان الفساد المالي والاداري يعمل على زيادة الفقر وسوء توزيع الدخل حيث ينتج عن الفساد اثراء قلة على حساب الكثرة مما يساعد على تعميق الفجوة بين الاغنياء والفقراء، وتصبح الخدمات العامة مسألة خاضعة للبيع والشراء مما يؤدي الى خلق حالة من التميز والطبقية وعدم العدالة داخل المجتمع.

كما ان الفساد المالي والاداري لا يضمن قدر ملائم من الطمأنينة للمستثمرين والمالكين خوفا من ضياع عوائدهم نتيجة الفساد، والفساد يعمل على الوقوع في المشاكل المحاسبية والمالية ولا يعمل على استقرار المؤسسات العاملة بالاقتصاد ويؤدي الى حدوث انهيارات بالاجهزة المصرفية والاسواق المالية المحلية والذي يقلل من فرص التنمية والاستقرار الاقتصادي، والفساد المالي يعمل على اعاقة عملية التنمية وخفض حجم الطلب الكلي وبالتالي خفض النمو الاقتصادي واضعاف مستوى الجودة للبنية التحتية العامة، سواء المرافق العام والمدارس والحدائق.

والفساد المالي والاداري يحد من نمو المؤسسات المحلية الصغيرة نتيجة انتهاج سياسات اقتصادية خاطئة بسبب المصالح الشخصية، وغياب سيادة القانون، وارتفاع نسب الضرائب على المشاريع الصغيرة بينما بسبب رشوة موظف عام يعمل على اعفاء المشاريع الكبيرة من الضرائب.

الفساد المالي والاداري يعمل على غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة ذلك ان اغلب العمليات الاقتصادية هي عبارة عن صفقات تجارية مشبوهة او ناتجة عن عمليات سمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزا واسعا، وهو ما سينعكس بصورة او باخرى على مستوى وبنية الاقتصاد الوطني اذ سيؤثر هذه العمليات على مدى سير عملية تنفيذ المشاريع وبالتالي على عملية الانتاج، قد تتحقق مشروعات تنموية في ظل بيئة فاسدة الا ان تكلفة هذه المشروعات ستكون مضاعفة بفعل الفساد مقارنة بتكلفتها حال غياب الفساد، بل قد يساهم في خلق مشروعات وتوطينها في اماكن معينة دون غيرها حتى يتحقق للفاسدين عوائد ما كانوا ليحصلوا عليها لولا وجود هذه المشروعات لانها مشروع ليس تنموي كلي بل فردي.

وخطورة النوعين من الفساد تتعادلان في الآثار السلبية وانعكاسهما تتساويان في المضمار وتأثيرهما كلاهما بنفس النسبة حيث يسببان تخفيض معدلات الاستثمار في الوطن، ومن هنا على الموظف في الوظيفة العمومية اينما وجد ان يعمل على تعزيز مبادئ الحوكمة والاصلاح لتحقق جانب اقتصادي فعال للبلد من خلال اعادة ثقة المستثمرين في الاستثمار في الوطن وتهيئة الجو الملائم للاستثمار والحد من هروب رؤوس الاموال من خلال جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية والمحلية وتحقيق التنمية المستدامة، وزيادة فرص التمويل وانخفاض تكلفة الاستثمار واستقرار سوق المال وانخفاض المخاطر، وايضا على الموظف العام او الخادم العام ان يحسن في جودة الانتاج السلعي او الخدمي ومن ثم زيادة القدرة التنافسية لهما .

كما ان من المهم تنمية المهارات الموارد البشرية في التعامل الكفؤ مع التقنيات الحديثة ومواكبة التطورات الحديثة للتقليل من هروب المستثمرين ، ومن المهم انشاء صندوق وطني للتجهيز من اجل التنمية يعمل على متابعة المشاريع الكبيرة وتنوع موارد تمويل تلك المشاريع، ومن المهم محاربة الرشوة، وتحقيق توازن اقتصادي من خلال تنمية الوازع الاخلاقي للموظفين، ومن المهم نشر الديمقراطية وتفعيل دوائر التفتيش وتعزيز المسؤولية الاجتماعية للموظفين بانهم لهم دور في تنمية اوطانهم والرقي في مجتماعتهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير