خالد بطراوي يكتب لوطن .. الإنتظاريون

21.09.2020 09:08 AM

 الإنتظاريون يا سادة يا كرام كثيرون في عالمنا العربي، هم بالمناسبة ليس من تنطبق عليهم الآية الكريمة "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ  فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".

هم على العكس تماما، ينتظرون وينتظرون لدرجة أن الإنتظار نفسه يملّ منهم .... ويموتون وهم ينتظرون ومن يعرف فربما أيضا تحت التراب ينتظرون ... ولكن ما الذي ينتظرونه؟ ا هم من من إختاروا كما قالت شاعرة مهندسة ذات يوم .. السير بطريق مختصرة ... بل مختصرة جدا جدا ... من المهد الى اللحد.

حال حياتهم لا يفعلون أي فعل للصالح العام وإنما للصالح الخاص، يتقوقعون في أعمالهم ومنازلهم وأسرتهم ويرددون دوما مقولة " اللهم إلا نفسي" ولا ينتقدون أي مظهر سلبي أو آداء حكومي ولا يتدخلون في إدارة شؤون البلاد والأمة ولا تعنيهم السياسة لا من قريب  ولا من بعيد، ولا يسمعون حتى أغنية نجاة الصغيرة التي تقول " القريب منك ... بعيد .... والبعيد عنك .. قريب ... وكل دا وقلب اللي حبك ... لسه بيسميك ... حبيب ".

الإنتظاريون حتى لا يتعاطفون مع الشعوب المضطهدة أو حتى فقراء بلدهم  وقلما تتحرك مشاعرهم لو تألمت قطة دهستها سياراتهم الفارهة .... ويقولون لك " إنتظروا" ويرددون دوما " الصبر مفتاح الفرج" ويستهزؤن من أغنية أم كلثوم التي تقول " وصفولي الصبر لقيتو خيال بخيال " بل ويشتمونها عندما تردد مغنية بالقول " دا الصبر عايز صبر لوحده". وهم الذين يرددون دوما مقولات إنهزامية كالقول " حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس " أو " يا روح ما بعدك روح" أو " مليون عين تبكي ولا تبكي عين أمي".

الإنتظاريون يقولون لك ... إنتظر ولا تتدخل في شؤون البلاد، فللبلاد جلّ جلاله راعيها وذلك صحيح لكنهم يضيفون بالقول "وكذلك حكام وولاة الله في البلاد" وبطانتهم " الصالحة" من حولهم ولا تتدخل في السياسة " فالسياسة .... تياسة" وعليك بإطاعة أولي الأمر وما عليك سوى الإنتظار، فلن تقدم أو تؤخر شيئا.

وينطبق ذات التفكير في رؤيتهم  إزاء مقارعة الإمبريالية والإحتلال، ولا يدعون لمقاومة المحتل أو المستعمر، وهم بذلك وبطريقة مبطنة يصفقون له، ويتمادى بعضهم في الترويج للمحتل والمستعمر، بل وينتقدون أشد الإنتقاد المقاومة ويهرولون نحو العدو والمحتل والمستعمر، ويقولون لك ... إنتظر ... إنتظر ... فالصبر مفتاح الفرج.

وعندما يتعلق الأمر بأي شأن داخلي مجتمعي إجتماعي يسيرون القوافل والمظاهرات التي تنادي بمعارضة إحداث حالة تغيير في بعض القضايا المجتمعية الشبابية والنسوية وتلك المتعلق بالمنظومة القانوية للأحوال الشخصية ويعتبرون أي حراك بهذا الخصوص تقويضا للدين وتحريفا له وزعزعة للنسيج الإجتماعي وغيرها من التوصيفات.

في عام 1948 ( وهو مصادفة عام النكبة الفلسطينية) كتب الكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت مسرحيته الشهيرة " في إنتظار غودو" حيث كان كل من " فلاديمير" و "واستراغون" ينتظران وصول "غودو" الذي لا يصل أبد، وعلى إمتداد العمل المسرحي ينهمك الإثنان في جدال وحوار عبثي حول قرب وصول " غودو" وتنتهي المسرحية حتى دون أن يدرك الإثنان أن غودو لن يصل أبدا بل وربما ليس موجودا بالأساس على وجه هذه البسيطة.

وفي عام 1951 أتبع صموئيل بيكيت مسرحيته "في إنتظار غودو" برواية " مالون يموت" وتروي قصة رجل طاعن في السن إسمه "مالون"  يقبع ممدا عاريا على سرير قد يكون في مستشفى أو ملجا لكنه لا يعلم بالضبط وقد صودرت منه كافة مقتنياته الشخصية بإستثناء دفتر للمذكرا وقبعة مطرية وقلم رصاص. فعمد الى الكتابه حول حالته وحول صبي يُدعى سابو يعمد الى تغيير إسمه عندما يكبر سنا ويسميه ماكمان وتتفاعل حبكة القصة لتصل الى إعتراف ماكمان بأنه قتل ستة رجال فيساق الى مؤسسة دينيه".

وكي لا نساق جميعا مستقبلا الى "مستشفى أمراض عقلية" ونحن ننتظر وننتظر، لا بد لنا من سماع أغنية  فرقة " ولعت" " هز كتافك واللي ما شافك راح يندم على ماضي سنينو ... حرر حالك .. فك حبالك ... والماضي عن ظهرك شيلو ...  عيش نهارك ... طفي نارك واتوجه للخالق تشكيلو .. إتذكر ناسك ... عيش إحساسك ... الحر اللي مثلك .. عمرو ما بيهلك".

كي نصبح أحرارا ... لا يجدي أن ننتظر، علينا أن نتحرك .... وأقصد شعوب العالم العربي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير