دعد صيرفي تكتب لوطن .. تخفيف إجراءات.. ولكن!

07.08.2020 05:26 PM

 في الآونة الأخيرة وبعد سلسلة من إجراءات متناوبة بين الإغلاق الشامل ومن ثم الفتح الشامل وبعد ذلك تمت العودة إلى الإغلاق الشامل ومن ثم فتح بعض إلى أغلبية القطاعات العاملة في المحافظات الفلسطينية كما هو الحال في الوقت الحالي، تم اتخاذ كل تلك التدابير في محاولة للحد من انتشار فايروس كورونا، وهي بالمناسبة إجراءات تم تنفيذها عالمياً بدرجات متفاوتة تبعاً لحدة انتشار المرض في هذا البلد أو ذاك.

وضمن سلسلة الإجراءات المتتالية تلك فإننا حالياً ضمن مرحلة من الفتح الجزئي للقطاعات المختلفة، بهدف محاولة منحها شيئاً من إعادة الإحياء، وهو ما يطمح إليه الجميع دون استثناء رغم شح الموارد ووصول بعضها إلى ما يشبه العجز أو التلاشي، وهو أيضاً ما يضعنا جميعاً أمام موقف أشبه بالامتحان، فإما أن يكرم المرء أو يهان، أقصد بقولي هذا درجة الالتزام المرجوة بالتدابير الوقائية المطلوبة منا جميعاً، وذلك بهدف حماية الجميع من العودة إلى نقطة الصفر أو دونها من السلامة العامة المرجوة، هي معادلة بسيطة تتطلب استمرارية الالتزام والجلد والصبر: فالالتزام بالاجراءات الوقائية يعني تقليل فرص انتشار المرض وحماية أكبر عدد من المواطنين، وبالتالي فإن ذلك يضمن عدم العودة إلى مرحلة الإغلاق الشامل للقطاعات المختلفة وهي ما لا يطمح الجميع للوصول إليها.

هذا فيما يتعلق بما هو مطلوب منا في هذه المرحلة، أما الشق الآخر والمتعلق بضرورة متابعة تنفيذ تلك الاجراءت ومراقبة مدى الالتزام بها؛ فهو ما يضع كل مسؤول أمام مسؤولياته، وهذا ما يجعل من الضروري توحيد درجة التقيد المكاني بها في مختلف التجمعات السكنية دون تهاون، إذ أن خلق أي نوع من التفاوت الالتزامي بالإجراءات بين منطقة وأخرى يخلق لدى الغالبية تساؤلاً مشروعاً عن مدى حقيقة المرض وجدوى التدابير المتبعة في الوقاية منه – مع الإشارة إلى كوني هنا لا أقلل أو أنفي أهمية تلك الإجراءات بل أنادي بالتشديد على التقيد بها حرفياً دون تراخٍ أو تهرب –  وكما قال غوستاف لو بون في كتابه " سيكولوجية الجماهير" في حديثه عن الخصائص الأساسية للجماهير: "فأول تشويه يلحظه أحدهم يشكل نواة التحريض المعدي".

ذكرني هذا بالمرحلة التي وصلنا إليها بعد عيد الفطر الأخير، حيث تم فتح مختلف القطاعات دون استثناء، ورغم النشرات التوعوية والإجراءات الهادفة إلى الالتزام بأبسط سبل الوقاية من كمامة وقفازات، إلا أن ذلك الاتزام لم يلبث أن تراخى إلى أن اختفى تماماً في الفترة التي سبقت الإغلاق الشامل الثاني - وربما هذا ما أوصلنا إلى العودة لذاك الإغلاق - وهو ناتج عن تهاون أفراد المجتمع بأهمية التقيد بتلك السبل وضعف الرقابة العامة على مدى الالتزام بها، وهو ما كدت أن أقع به شخصياً؛ إذ وبعد مدة من الالتزام الصارم من قبلي بارتداء الكمامات والقفازات، بدأت ألحظ التراخي المجتمعي العام بالتقيد بل وفي بعض المواقف تعرضت للسخرية لكوني لا زلت أصدق ما بات يقال عنه في الجلسات المجتمعية: "كذبة كورونا"، وإثر ذاك فقد كدت أتوقف عن ارتدائها حتى اقتصر ذلك على الفترة التي أقضيها في المواصلات العامة، والتي حتى ضمنها كان الالتزام لا يتجاوز نسبة 30% من حمولة الرحلة الواحدة بين المحافظات بل وأحياناً أقل من ذلك - سائق الحافلة وبضع ركاب معدودين على الأصابع - وفي الغالب يقومون بالتخلص من الكمامة حال الوصول إلى داخل المدن الفلسطينية! وفي حالات أخرى كان يكتفي السائق بتعليق الكمامة على المرآة الأمامية كحرزٍ حامٍ له! هي مشاهدات ومواقف يومية كنت أشهدها دون توقف.

لست هنا في معرض جلد ذاتي لتفكيري ذاك بالكف عن الالتزام، فأنا وغيري من الأفراد جزء من هذا النسيج المجتمعي، والذي بطبيعة حاله يشكل نوعاً من الروح الجماعية المتفاعلة يومياً، ولكن حتى الكفاءات العقلية تنصهر وتذوب إرادتهم وأفكارهم ضمن اندفاع تلك الروح الجماعية للمجتمع الذي تسيطر عليه في اللحظة الآنية حالة من الخوف والقلق على مستقبلنا، مما يتسبب بحالة شبه عامة تقارب "اللاوعي" بالمخاطر والخدر واللاشعور بالمسؤولية المجتمعية، وهذا لا يعني أبداً أبداً انعدام الوعي الفكري بتفاصيل هذا المرض أو غيره، فالجميع يعلم أن ارتداء الكمامة يعد أبسط سبل الوقاية من انتشار المرض وهو بالمناسبة ما يعرفه الصغير والكبير وربما حتى "المقمّط" في السرير، والذي بات يألف أشكال الناس المكممة من حوله، فقبل حوالي شهر من الآن سألت ابن أختي الذي لم يبلغ بعد الثالثة من العمر عن اسم تلك القطعة الزرقاء التي أضعها على أنفي وفمي، فأجابني ببساطة بأنها كمامة، سألته بعدها عن إذا ما كان يعرف سبب ارتدائي لها، فأجابني بلغة مبتدئة - قالباً كعادته حرف الراء إلى لام - قائلاً: "عشان في فايلوس كلونا"! فالوعي إذاً موجود لدى الجميع بل باتت تلاحق البعض منا وسوسة العدوى بالمرض لمجرد رؤية أحدهم يعطس أو يسعل من حولنا! أو وسوسة الإصابة به لمجرد الشعور بجفاف أو ألم في الحلق! لكن ما يلزم فعلياً هو خلق حالة من توحيد الالتزام الجماعي بكل ما قد يؤمن لنا النجاة من التدهور الصحي والاقتصادي والاجتماعي، فمبدأ تخفيف الإجراءات لا يعني بتاتاً أن الخطر قد زال من مكمنه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير