الأردن حامل لواء جبهة الرفض العالمية ضد الضم.. فلترفع رايات النصر في عمان وفي القدس!

12.07.2020 05:30 PM

كتب: حسن مليحات (الكعابنة)
كاتب وباحث استراتيجي

الهتاف الذي يدوي في شوارع العاصمة الأردنية عمان يسمع صداه في زقاق وشوارع وحواري مدينة القدس، لذلك لم تكن العلاقات الأردنية الفلسطينية يوما مجرد علاقة بين شعبين شقيقين، لا بل هي علاقة بين نصفين جميلين يكمل كل منهما الآخر إحدهما غربي النهر والآخر شرقيه، وهي علاقة مصير مشترك وثقافة واحدة وموروث اجتماعي واحد وعادات وتقاليد واحدة، وأيضا هي علاقة معمدة بدماء الشهداء وقائمة على أسس ومبادىء رسمها الأجداد لتمتد إلى الأجيال، لتشكل نموذجا سياسيا لصياغة مستقبل واعد بين الأثنين، فالأردن الحبيب هو نصفنا الآخر والرئة التي نتنفس بها هواء الحرية وبوابة فلسطين وعمقها التاريخي وقلب العروبة النابض، وقد كانت وما زالت رسالة الأردن مواقفه تجاه القضية الفلسطينية هي التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني، والسعي لإنجاز تلك الحقوق من خلال أقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وتقديم كل أشكال الدعم لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وقد رفض الأردن أي مساومة أو مشروع يكون بديلا عن الحل السياسي.

ما من ريب بأن الظروف والتطورات العربية والأقليمية والدولية، قد فرضت نفسها على ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، بشكل يجعل الكفة تميل لصالح الاحتلال الإسرائيلي، فوجود الإدارة الأمريكية المنحازة مثلّت فرصة تاريخية للاحتلال من أجل المضي قدما في مشروعه الأحلالي، وحالة الفوضى والهوان والتراجع التي تمر بها الأقطار العربية وتراجع ملف القضية الفلسطينية على أجنداتها السياسية، الأمر الذي أخذه الأردن في اعتباره وحسبانه في تعاطيه مع هذا الصراع، ومع التطورات الأخيرة التي فرضها الاحتلال بمحاولته ضم غور الأردن. فضم الأغوار هو تهديد حقيقي للأمن القومي الأردني وخطوة إسرائيلية تهدف إلى قطع التواصل بين الأردن والأراضي الفلسطينية، مما سيلحق الضرر بالمصالح الأردنية من خلال القضاء على أي محاولة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف، وبالتالي عدم عودة اللاجئين الفلسطينين، وإزاء تلك الأحداث الجديدة جاءت ردة الفعل السياسية الأردنية مفتوحة السقف وعلى قدر من المسؤولية الثابتة في الوجدان الأردني تجاه القضية الفلسطينية والثوابت الفلسطينة والمقدسات، وقد بدأت العاصمة عمان في حراك سياسي ودبلوماسي من أعلى سلطة سياسية في البلاد، وقد ظهر ذلك جليا من خلال مقابلة جلالة الملك عبد الثاني مع مجلة دير شبيغل الألمانية قائلاً "لا أريد أن أطلق التهديد أو أن أهيىء جوا للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات".

ولعل جلالة الملك اختار مجلة دير شبيغل ذائعة الصيت ليعبر عن قلقه وتحذيراته من خطورة ضم غور الأردن، متجنباً الحديث للمنابر الأمريكية، في تركيز واضح على الجانب الأوروبي.

كانت نبرة القلق والتحدي مرتفعة جدا في كلام جلالة الملك من خطوة حكومة الاحتلال التي تسعى إلى ضم أراضي فلسطينية واسعة في الضفة الغربية وتشمل غور الأردن، فهناك عناصر كثيرة تثير القلق الأردني، فالقضية الفلسطينية لم تعد مرتبطة بالمساس بالحقوق الفلسطينية فقط، بل تتعداها للنيل من مقومات الأمن القومي الأردني، ومن اهم تلك العناصر أولاً أن عملية الضم تتضمن نهاية مقاربة الأردن مع القضية الفلسطينية، وهذا يعني نهاية مشروع حل الدولتين. وثانيا أن عملية الضم تقضي من ناحية لوجستية على أي احتمال لقيام الدولة الفلسطينية، فالمشروع الإسرائيلي يقوم على ضم ما نسبته 30% من مساحة الضفة الغربية وهي منطقة غور الأردن و20% وهي القدس الكبرى و15% وهي المستوطنات، وهذا يعني أن الأراضي الباقية لن تكفي لقيام دولة فلسطينية. وثالثا عملية الضم تجعل الجغرافيا الفلسطينية التاريخية من البحر إلى النهر تحت السيادة الإسرائيلية، وترفض دولة الاحتلال استيعاب الديمغرافيا الفلسطينية مما يمهد لترانسفير ناعم يتسرب نحو الأردن.

لقد أستخدم الملك مصطلح  "الصدام الكبير" في سياق حديثه لمجلة دير شبيغل الألمانية، ولم يحدد شكل ذلك الصدام أو الصراع، ولكن بالتحليل والتمحيص في ذلك نفهم من تلك العبارة بأن جميع الخيارات الأردنية مفتوحة، وقد أطلق الأردن حملة سياسية ودبلوماسية نشطة لإحباط خطة ضم غور الأردن بقيادة جلالة الملك، وذلك من خلال الرهان مجددا على القرارات والمرجعيات الدولية معززا ذلك بالجهود الملكية المؤثرة والفاعلة في ظل السمعة التي يحظى بها الملك ومكانته ومصداقيته في الساحة العالمية، وأمام حالة عدم الرضا العالمية عن السياسات الأمريكية الانقلابية على المنظومة الدولية وأدواتها ممثلة بمنظماتها واتفاقياتها، والقرارات المنحازة بشكل سافر التي أقدم عليها ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده لها، وباعترافه بضم الجولان والضفة الغربية، فإن من شأن ذلك أن يخلق جبهة رفض عالمية موحدة ومناوئة لفكرة الضم الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، الأمر الذي قد يدفع الأردن إلى استغلال هذه النقطة وتحشيد المجتمع الدولي ضد خطوة الضم، يضاف إلى ذلك الانقسام الداخلي في دوائر صنع القرار الأسرائيلي حول موضوع الضم أيضا، لانعكاساته السلبية على مستقبل العلاقات مع الأردن، وما قد يترتب على ذلك من زعزعة استقرار المنطقة الحدودية الشرقية للضفة الغربية، وتفجير المزيد من العنف والفوضى، وهذا ما حذّر منه الملك في حديثه قائلا  إنّ "حل الدولتين هو السبيل الوحيد الذي سيمكننا من المضي قدما، وإلّا سنشهد مزيدا من الفوضى إذا ضمّت إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية". خاصةً وأن الأردن يملك أطول جبهة وحدود مع فلسطين المحتلة يبلغ طولها حوالي (570) كيلو متر.

في خضم المشهد السياسي حققت الجهود الملكية الدؤوبة نجاحا في بلورة حراك سياسي ودولي داعم للجانب الفلسطيني، تماهيا مع الموقف الأردني الثابت من القضية الفلسطينية والقاضي بضرورة إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وفقا لحل الدولتين، مع التأكيد على أن موقف الأردن المؤثّر والفاعل يستند إلى مكانته الجيوسياسية ونظرة القوى الدولية له في المنطقة باعتباره الموقف الأهم والأبرز في مواجهة خطة الضم، وقد أجرت عمان اتصالات مكثفة مع برلين وباريس وموسكو، وذلك لبلورة موقف دولي داعم ضد خطة الضم الاسرائيلية، ولدى الأردن الكثير من الأوراق السياسية، مع عدم استبعاد إلغاء اتفاقية الغاز واتفاقية وادي عربة أو تعليقهما، أو قد يتجه إلى عقد أحلاف جديدة مع بعض دول الإقليم لردع إسرائيل عن مسعاها، فالاتجاه نحو حلف جديد أحد أهم ما يملكه الأردن من أوراق ولكنها لا تزال تؤجل هذا الخيار.

فرحت رام الله كثيراً بالموقف الأردني الحاسم ورحبت به، معتبرة أن ذلك الموقف هو تأكيد للحقوق الفلسطينية ومساند لها، ولكن الموقف الأردني الحاسم يحتاج الى صلابة وثبات في الموقف الفلسطيني، فالصلابة الفلسطينية في استمرار رفض الخطة الأمريكية ترفع السقف الأردني وتساعده على المزيد من الصمود والمثابرة.

أما المواقف العربية ففي الوقت الذي ارتدت فيه عمان رداء العز واعتمرت عقال الشرف، رأينا كيف كان التخاذل والخنوع سيد المشهد في المواقف العربية الأخرى، فعلى المستوى العربي يعتبر الموقف العربي غير مبالي تجاه خطة الضم ويقف متفرجا وأسرائيل تسلب فلسطين والقدس والأقصى والغور، فالعمق العربي منكشف ويأتي مشروع الضم في سياق عربي هزيل ومعقّد ومتخاذل ومنبطح سياسيا، ويمكن اعتبار ذلك عامل ضغط على الأردن، فالانكشاف والتخاذل العربي أصبح بائن بينونة كبرى، فمصر صاحبة الأشتباك التاريخي مع إسرائيل غير مهتمة بما يجري، فهي تتعامل مع القضية الفلسطينية كملف أمني ملقى في أدراج المخابرات العامة، وتنسق مع إسرائيل لعقد اجتماع جديد لمنتدى غاز الشرق الأوسط، فلم تعد القضية الفلسطينية ضمن دائرة أولوياتها، فالإسلام السياسي تحديدا هو عدوها الأول والأخير، وما دون ذلك ليس بالأمر الجلل، أما السعودية فهي صاحبة المبادرة العربية وترى أن الخطر الإيراني يطغى على كل ما سواه -حتى وإن ضاعت فلسطين القضية المقدسة! وأضحى فصل المسار الفلسطيني عن مسار التطبيع أكثر وضوحا بالنسبة لها.

أما الإمارات العربية المتحدة فتبدو غير مهتمة بكل الثوابت الفلسطينية، والبحرين تجاهر بفجورها السياسي وارتمائها في أحضان إسرائيل، تمارس معها البغاء السياسي ورذيلة التطبيع والتنازل عن المقدسات، كما أن الوقائع على الأرض تشير إلى تصدعات في المواقف العربية، فالتطبيع مع إسرائيل قفز قفزة نوعية، فالمراقب لمستوى منحنيات علاقة تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، يلحظ تصاعدا وارتفاعا في وتيرة تلك العلاقة، ومن ثم انتقلت تلك العلاقة من مربع الخفاء إلى مربع العلن دون أي اهتمام بحقوق الأشقاء.

اما مواقف الأردن المشرفة والثابتة، وبسبب عمق علاقتها التاريخية مع فلسطين، وما يجمع بينهما من قواسم مشتركة، تؤكد دوما على الدعم الكبير الذي تقدمه المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة الملك عبد الله الثاني لفلسطين في مختلف المحافل الدولية، فالأردن هي الوصية والأمينة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وهي وصاية ثابتة ومتجذرة، ويرفض الأردن التنازل عنها مهما كانت الضغوط، وكذلك رأينا كيف كان موقف الاردن من قضية الأسيرة المحررة أحلام التميمي، برفض تسليمها رغم الضغوط الأمريكية التي مورست عليه، والتهديد بفرض عقوبات.

هذا هو موقف الأردن، أردن الثوابت والعزة، وهو يمارس دوره الطليعي في قيادة الأمة العربية في الحفاظ على الثوابت المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وعلى الصعيد الشعبي وعلى صعيد النخب السياسية والمثقفة في الأردن الحبيب، الموقف من فلسطين هو ثابت ولا يتزحزح، فشخصيات أردنية وازنة حذّرت من تداعيات وخطورة ضم أراضي من الضفة الغربية، فالدكتور عمر الجازي وهو الكريم ابن الكرام وسليل المجد والعزة وقد ورث عن والده الشهيد مشهور حديثه الجازي وصية وعهد حب فلسطين، وفي إطلالة صباحية جميلة له عبر شبكة وطن الإعلامية أكد على حرص الأردنيين على الثوابت والحقوق الفلسطينية، وعلى أن كل الخيارات الأردنية مفتوحة في مواجهة الضم. أما الدكتور ممدوح العبادي فقد اكد إن السكين وصلت العظم، في إشارة إلى خطورة مخطط الضم على الأردن، معتبرا أن الضم قرار خطير يستهدف الأردن.

إزاء تلك الأحداث والمعطيات، نخلص إلى القول بإن الأردن هو حامل لواء جبهة الرفض العربية والعالمية ضد الضم، وهو ثابت في موقفه تجاه فلسطين وأنه أقوى من أي وقت مضى، وذلك لمتانة العلاقة بين الملك وشعبه والتقاؤهم جميعا على أرضية مواجهة مخطط الضم الأسرائيلي، فالأردن قوي بشعبه وبجيشه ومكانته الجغرافية ووحدته الوطنية، وقوي بانتمائه وحرصه على المقدسات وهو وصي أمين عليها، ويملك الكثير من أوراق القوة وخير دليل على ذلك رفضه تجديد تأجير  أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل، رغم الضغوط الأمريكية، وأننا بحاجة ملحّة للعمل على رسم خارطة طريق (أردنية /فلسطينية) لبناء استراتيجية شاملة لمواجهة الاحتلال والإدارة الأمريكية، وإسقاط مشاريعهم التصفوية والتصدي لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المدعومة من أمريكا بصورة غير مسبوقة، والتي تشكّل خطراً على القضية الفلسطينية.

سائلين الله أن يحمي أردننا الحبيب.


[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير