المصالحة الالكترونية بين فتح وحماس

07.07.2020 07:12 PM

كتب: خالد بركات

لا شيء يكشف التناقضَ الفلسطينيَّ الداخليّ، ويحدِّد أطرافَه بدقّة، أكثرَ من الموقف من "عمليّة السلام" ذلك لأنّ الصراع بين طبقة اوسلو والطبقاتِ الشعبيّة الفلسطينيّة المستغَلة يظهر جليًّا في فصول هذه المسرحيّة، ذاتِ الشعار الخادع. فـ"عمليّة السلام" تعني، بالنسبة إلى الشعب الفلسطينيّ، تصفيةً شاملةً لقضيّته، عبر الاستعمار والتطهير العرقي ومشاريعِ الشطب والتدجين؛ أمّا بالنسبة إلى طبقة المال الفلسطينيّة، فإنّها عمليّة مربحة وطريقةُ عيشٍ وحياة.

ولا شيء يَكشف خديعةُ ما يسمى " المصالحة " أو " الوحدة الوطنيّة " على طريقة حركتي فتح و حماس أكثر من أقطاب هذه المصالحة الكاذبة نفسها . فالشعب الفلسطيني " عاف بنطلونه " من إجترار الكلام عن المصالحة، يريد أن يرى أفعالاً على الأرض ولم يعد يرغب في سماع جعجعة فارغة دون طحين و دون خطوات عملية واضحة يراها أمام عينيه في الواقع المادي. وخطوات في الاتجاه الصحيح : تسُّر الصديق وتُغيظ العدوّ.

ولا يشكك أحد في قوة و حضور حركتي فتح و حماس في الشارع الفلسطيني ، فالحركتان تحظيان حتى اليوم بتأييد شعبي واسع لأسباب كثيرة معروفة ، وتشكلان معًا ، ما يمكن وصفه بـ قوى السلطة في كيان أوسلو وفي " الساحة الفلسطينية " انهما في الواقع القطب اليميني - المشطور إلى نصفين-  الجناح اليميني المحافظ في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة لكنهما بلا مرجعية وطنية ولا تخضعان للرقابة والمحاسبة الشعبية.

واذا كان جبريل الرجوب " وطني جدًا " أكثر من غيره فهذا لانه " فتحاوي جدًا جدًا " و " أمني جدًا " له جينات خاصة ودمه أزرق  وعرفاتي خالص 100 % كما يقول عن نفسه ، ويسوق " اللواء " الذي لا علاقة له بالعمل العسكري ، نموذج لفاشية رخيصة من طراز خاص.

لا اعرف فيما إذا كان جبريل الرجوب يعرف أن معني كلمة " فاشي " التي يحبها جدًا تعني " وطني " في أصلها ومصدرها الإيطالي!

تُمثّل حركة فتح الشق " العلماني " المرتبط تاريخيًا بالرّجعيات العربية ، خاصة المملكة السعودية ، منذ العام 1974 على الأقل، واليوم باتت الحركة موزعة على دكاكين وتعيش حالة أفول وتراجع بعد استنقاعها طويلاً في وَحل التسوية و التنسيق الأمني مع العدوّ  . ومهما حاول " ملاك السلام " أن ينفخ من روحه النفطية في أوصالها لن يجد هذا الأمر نفعاً ، كله عبث، وخاصة بعد ان إرتبطت قيادتها بمعسكر أمريكا والكيان الصهيوني ومنظومتها الأمنيّة والسياسية والاقتصادية في المنطقة.

حركة فتح جزء لا يتجزأ من معسكر السعودية ومصر والاردن ، وتتحمل قيادة الحركة القسط الأكبر عن الكوارث التي لحقت بشعبنا و قضيته الوطنية وعن شطب حقوقه وتقزيمها جرّاء إقدامها على المشاركة في وحل و مغطس مدريد / اوسلو  وما لحق بشعبنا وقضيته من أذى ومخاطر ودمار على مدار 30 سنة بسبب سياسة الهيمنة والإقصاء والتفرّد في المؤسسة الفلسطينية. بل ان الذي أوصل حركة فتح إلى الدرك الأسفل هي قيادة الحركة وسلوكها ومواقفها.

فيما تمثل حركة حماس الشطر الآخر، الثاني، الذي يحاول باستمرار أن " يحتهد " فيجمع بين علاقته بالمعسكر التركي - القطري من جهة ومعسكر ومحور المقاومة بقيادة إيران من جهة أخرى.

وتضع الحركة الاخوانية نصفها في الماء ونصفها الثاني في النار ، وتعتقد قيادتها أن هذه هي " السياسة " و " التكتيك " و " إدارة للعلاقات" السياسية مع العالم .. وقد رأينا كيف إنجرفت قيادتها دفعة واحدة دون تردد إلى موقع النقيض تقريباً أمام " الربيع العربي " وهي لا تزال تحاول إلى اليوم ترميم علاقاتها مع سوريا و حزب الله وايران !

إحتكار فتح و حماس للسلطة ، هو احتكار المال والسلاح، واعتراف المحاور بهما ، فضلا عن الحضور الشعبي الواسع لهما ، وهذا يجعل منهما قوة ذي صلة في " العملية السياسية " لأن في وسعهما دائما أن تقولا : إما ألعب أو أُخرّب ! وهذا ايضا بحسب مصلحة المحاور في الاقليم تماماً كما يفعل بعض الأطفال أو حتى الزعران الصغار في مباراة رياضية . إنهما في الواقع قوة رجعية للشد العكسي و التخلف الإجتماعي و للتدمير الذاتي لا يمكن أن يصلا بشعبنا إلى تحقيق وحدة وطنية حقيقية فضلا عن تحقيق أهدافه الوطنية في العودة والتحرير الشامل.

الفارق الجوهري بين حماس و فتح، في هذه اللحظة، هو ان حركة حماس لا تزال تمارس دورها في العمل المقاوم ضد العدو الصهيوني . وهذه مسألة جوهرية وهامة لا يمكن المرور عنها أو إغفالها وتجاهلها . فإذا تركت السلاح لن تعود حماس ، وستصبح فتح مع لحية أقصر ربما .. كما أن حركة فتح بالمقابل تسيطر على كل الاجهزة والمؤسسات الفلسطينية والمالية وتحتكرها ، اذا نزعت هذه القوة منها تتلاشى وتتهاوى وتصبح صفر كبير.

يقول نصف اليمين المُسلّح في غزة " المقاومة مُقدّسة " فيما يقول نصفه الثاني " منظمة التحرير مُقدّسة " ! فحركة فتح تريد للسلاح الفلسطيني ان يكون في خدمة " الأمن " والسلطة، فيما تري حركة حماس انها محرومة من إمتيازات المنظمة ومن بوابة " الشرعية " و " المجتمع الدولي " !

الحقيقة أن كل فلسطيني وفلسطينية ، بحسب الميثاق الوطني، هو / هي عضو طبيعي في منظمة التحرير ولا يحتاج الأمر الى فرمان من عباس ولا ختم مخاتير المقاطعة أو غيرهم لكن فتح تعتبر المنظمة مزرعتها الخاصة، تُقصي هذا وتمنع ذاك وترحب بالفصائل الديكورية الصغيرة التي يقودها عزام الأحمد ، فيما تعتبر حماس قطاع غزة مزرعتها الخاصة ومجالها الحيوي الذي لن تتخلى عنه.

ما هي إذن هذه المصالحة الالكترونية الجديدة الكاذبة و الزائفة التي يجرى ترتيبها بين قطبي اليمين الفلسطيني في الفترة الأخيرة والقول للجماهير الفلسطينية انها جاءت " كضرورة لمواجهة المخططات الصهيونية في الأغوار ؟ وما هو الفارق بين اليوم و الأمس ؟ وهل إعلان العدوّ عن مشروع ضم الأغوار وشمال البحر الميت هو السبب الحقيقي وراء هذه المزحة السمجة ؟ أم ان السبب الجوهري هو حماية امتيازات الحركتيين في السلطة و الحفاظ على الدور والمواقع وشراء وتقطيع الوقت؟

فإذا كانت الإجراءات والسياسات والمواقف الامريكية و الصهيونية والرجعية هي التي تدفع الى هذه المصالحة الالكترونية بين الحركتيين فلماذا لم تحدث هذه المصالحة مع الكل الوطني طوال السنوات الماضية مثلا؟ جبريل الرجوب يطلب من الشعب الفلسطيني ان يصدقه هذه المرة !

الأمر يذكر بقصة الراعي الكاذب والذئب والغنم ، وهذا في أحسن الأحوال !

لقد شَن الكيان الصهيوني سلسلة حروب مدمرة ولأكثر من مرّة  على شعبنا في قطاع غزّة ، كما أن مصادرة الأرض الفلسطينية والاستيطان والسيطرة على ثروات شعبنا وعلى المياه وهدم بيوته وحملات الاغتيال والاعتقال تظل سياسة صهيونية ويومية ثابتة في برنامج الكيان الصهيوني وحلفائه لا تتوقف يومًا واحدًا .. فلماذا تأخرت حركتي حماس وفتح قبل اليوم وطوال 13 عاماً مضت ؟ ولماذا نصدقهما اليوم ؟

وحدة وطنية للخلف ؟!

ما يجري في الواقع هو مصالحة الكترونية مؤقتة على شاشات الفضائيات، مصالحة مؤقتة للخلف در . مصالحة بين عشيرتي فتح وحماس وبين شطري اليمين الذي توافق بالتاكيد على حماية موقعه في العملية السياسية وما يراه من تهديد مباشر على سلطته المقدّسة لا على شعبنا ولا على حقوقه وارضه المقدّسة.

إنّ عباراتٍ وشعاراتٍ مستهلكةً مثل "المصالحة الوطنيّة" و"إنهاء الانقسام" و"الممثّل الشرعيّ الوحيد" و"الدولة الفلسطينية" و"المشروع الوطنيّ" و"الاستقلال" و"الحريّة" و"الشرعيّة" و"المقاومة الشعبيّة" و"القدس" و"حقّ تقرير المصير،" وغيرها وغيرها، لو وضعتَها اليوم على محكّ الاختبار بين الفصائل ، فستجد أنّ لكلّ طرفٍ فلسطينيّ تعريفَه الخاصَّ لها.  والحقّ أنّ إغراق الخطاب السياسيّ في العموميّات، واستخدامَ اللغة والمفاهيم التي تحمل أكثرَ من معنًى ووجه لتبرير الموقف السياسيّ، سياسةٌ ثابتةٌ عند الطبقات الحاكمة ومثقّفيها وأدواتِها الإعلاميّة..

كيف تُقلع عَربة الوحدة الوطنيّة إذن ؟

تُقلع عربة الوحدة الوطنيّة في السكة الصحيحة حين يفرض الشعب الفلسطيني حضوره وصوته في الميادين والشوارع ويستعيد هيبته الجماعية من جديد ..

حين تكون الحقوق الوطنية وحدها مرجعية للوحدة وتكون المقاومة هي الميدان الوحيد لها . وحين يعود الشعب الفلسطيني مرجعية عُليا لكل المرجعيات.

تُقلع الوحدة الوطنية في السكة الصحيحة حين يستعيد شعبنا صوته الحُر وينهض الجناح اليساري الجذري مقابل قوة اليمين الفلسطيني فيعمل على توازن لمسار الحركة الوطنية .

إن الطيور لا يمكن ان تحلق في السماء بجناحيين كلاهما على اليمين. من هنا تصبح مهمة بناء الجناح الثوري الديموقراطي في حركتنا الوطنية مهمة وطنية لتحقيق الوحدة والتغيير والسير إلى الأمام.

تُقلع الوحدة الوطنية الفلسطينية في السكة الصحيحة حين يجري دفن مرحلة اوسلو ومحاسبة من ارتكبوا جرائم سياسية بحق شعبنا ، وحين تغيب السلطة ويحضر الشعب ومعه يتكرس الهدف الاستراتيجي لحركة نضاله التحرري : تحرير فلسطين.

تُقلع الوحدة الوطنية حين يتحرر الميثاق الوطني الفلسطيني من عملية التزييف والشطب التي لحقت به ويحرر شعبنا مؤسساته الوطنية المنهوبة والمختطفة ..

ان المسألة لا تتوقف على " مشروع الضم " الصهيوني بل تتجاوزه إلى سؤال ( كل فلسطين ) والبرنامج / الدستور الذي يحدد علاقة الفلسطينين بقضيتهم وبانفسهم .. إنه سؤال وجودي كبير يطال أحوال شعب مناضل وقضية تحرر كبرى يجري إعداد المسلخ والمسرح لذبحها من الوريد الى الوريد .. فيما أكثرنا يجلس ويتفرّج !

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير