الدكتور أمجد قبها حرّا بعد مسيرة حافلة في معاقل الاحرار ..

ثماني عشر سنة في السجون ليست رقما سهلا؟

07.07.2020 02:58 PM



كتب: وليد الهودلي

قبل يومين تنسّم هواء الحريّة الدكتور أمجد قبها بعد قضاء ثماني عشر سنة في سجون الاحتلال، ونحن الفلسطينيون إذ تتكرّر على مسامعنا هذه الأرقام الصعبة أصبحنا نمرّ عليها مرور الكرام، بينما الامر هي رحلة مأساوية من العذاب الأليم للأسير وأهله يطول تعداد جوانب القهر والالم فيها، يسرقون بدم بارد مساحة هامة من مساحة هذا الانسان الذي قرّر أن ينتصر للحق والعدالة بخصوص وطنه وأن يكون صادقا منتميا لقضيته.

ثمانية عشر عاما بدأت الرحلة بخطفه من حياته التي استعد لها طويلا ليكون خادما أمينا في القطاع الصحي لبلده حيث درس الطب وتأهلّ لإنقاذ أرواح الناس والتخفيف من آلامهم. على حين غرّة قطعوا عليه طموحه وآماله وقلبوا مسار حياته رأسا على عقب فبدل أن يكون طبيبا في مستشفى أصبح معتقلا في سجن قاحل بائس ليس فيه الا أن يكون عنصرا في مدافن الاحياء، ومن المعلوم أن أسرانا لا يستسلمون لهذه الإرادة الصهيونية الحاقدة بل يستلّون ما ينفعهم ويصقل حياتهم ويغيظ عدوّهم، يحولون السجون الى معاقل للحرية وصناعة الرجال وحيث الدكتور أمجد وجد مكانه وفعّل قدراته ثمانية عشر عاما ليرد كيد سجانه في نحره ويحقّق من الإنجازات على هذه الصعد ما يضيق المكان لحصره.

ثمانية عشر عاما بدأت بأن ألقوه في زنازينهم ليكيلوا له كلّ صنوف العذاب والتحقير والاهانة، أرادوا له هزيمة الروح التي تستجيب للشعور بالضعف والاستكانة والمهانة، ولكنها النفس الحرّة الابيّة ذات السيادة العالية والروح الفذّة المقاومة، أبت أن تعطيهم الدنيّة ولو في لحظة عابرة واستمسكت بالعزة والانفة وخرجت من زنازينهم بعنفوان جديد وإرادة لا تلين بل تصرّ على مواصلة الطريق والثبات على الحق الراسخ المتين، فشلوا في هزيمة الروح ونجح هو في رفع سقف هذه الروح المنتصرة العالية ليكون مصدر اشعاع والهام وتنوير، نجح مع اخوانه في تحويل السجن الى كليّة تعبويّة سياسية تربوية،  فيها كل فنون المواجهة، فما تعجز عنه اكاديميات الخارج هم يقدمونه على ابهى صوره وبمنهجية واعية متكاملة بحيث يحصل خريج هذه الكلية على بناء ذات ثورية واعية. 

ثمانية عشر عاما مرّت على خط النار والمواجهة، في الخندق المتقدم مع أشرس عدوّ عرفته البشرية، فالخبرات المتراكمة في مثل هذه الساحات الشرسة القاسية تنتج تحديات عالية وبالتالي لا يتجاوزها الا الرجال الرجال من ذوي الارادات القوية والعزائم النبيلة والهمم الفريدة الباسقة، يواجهون على مدار الساعة كلّ أساليب القهر والتوحّش والسادية العبثية التي لا تبحث الا عن تذويب هذا الانسان ومحق محتواه الوطني والجهادي والنضالي، فمن يثبت ويصبر بل وينتصر فإنهم الرجال الذين لا يشق لهم غبار ولا تقف أمام عزيمتهم جدران السجن العاتية، ولا مكرا غير مسبوق لسجان مارق مجرم لا يعرف الا لغة القهر والموت البطيء بسادية مفرطة لا حدود لها، إنهم المجد والامجد الذي ثبت وقاتل وحقّق ذاته بشكل فردي وجمعي كما يريد وانتصر وخرج مرفوع الراس بهامته الفارعة العالية.

ثمانية عشر عاما يعلن في ختامها الدكتور انتصاره على سجانه، يعلن بأنه قد خرج وخرّج الافا مؤلفة من الاحرار، يعلن أنه لم يهن ولم يحزن وبقي هو الأعلى وبقيت رايته خفاقة في سماء فلسطين، ثمانية عشر عاما هي الاغلى والاثقل وزنا عند الله ، هي الابقى في تاريخ الصراع، وساعة زوال هذا المحتلّ الغاصب سندرك أن هذه السنوات في السجون هي التي حافظت على عدالة هذه القضية، وهي التي ضخّت الروح في شرايين هذا التاريخ الناصع ليصنع مستقبلا حرّا لشعب كان لا بدّ له من الخلاص من أعتى أنواع الاحتلال ونازية البشر.

هي نار على المحتل ونور لا ينضب في مسيرة الحرية وانتصار الحق والعدالة وخيرية البشر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير