نادية حرحش تكتب لوطن: السيد الرئيس، السيد رئيس الحكومة، أمّا بعد

06.07.2020 09:42 PM

لم أتعوّد الخطاب بلا حفظ للألقاب والمقامات، ولكن لم يبق للتحية في زمن الإرهاب مكان..

فحياتنا باتت على محكّ الخطر والإرهاب، ولا حياة لمن تنادي.

تعوّدت الكتابة بشعور آمنٍ حافظ للحريات. آمنت بصدق أنّ الرأي المختلف هو قوة لنظام الحكم أيّا كان. لأن بالاختلاف نتبيّن ثغراتنا ومشاكلنا. بالاختلاف تُبنى المحاسبة، وبالاختلاف تكون المساءلة. ومن الاختلاف يتبّين مكانة الدول وتصنّف: ديمقراطيّة تحافظ على الحرّيات، او دكتاتورية ظلامية تقمع الأنفاس وتسيطر على الأجساد وتقبض على الأرواح.

تذكّرت مشهد الرئيس في زيارته للمستشفى لوزير الثقافة الحالي عندما تم الاعتداء عليه من قبل الفرقاء. ورنت حينها  في اذني عبارته "الله يكسر أيديهم". كان صادقاَ ورافضاَ لكتم الأفواه وترهيب الأقلام وتكسير الاضلع ومحاولة القتل والإرهاب..

اذكر جيداَ كلمات رئيس الحكومة عندما أعلن فور حِلفان اليمين بانه لن يسمح بالمساس بحرية التعبير.

السيد الرئيس،

السيد رئيس الوزراء،

تمت محاولة قتلي وعائلتي الآمنة  في بيتها، المستأمنة على نفسها قبل أيام، عندما أقدم مجرم، ارهابيّ، متمرّس على إضرام الحريق في سيارتي، ليتدخل فعل الله قبل فعل البشر في انقاذنا من هول كارثة حقيقية. انتهت بأضرار تم حصرها بسيارة بعد ان استطاعت قوات الشرطة والاطفائية التابعة لبلدية سلطة الاحتلال الإسرائيلي حصر الحريق وإنقاذ الوضع في لحظة حاسمة.

لقد كتبت ما  كتبته خلال السنوات وانا على يقين بأنّ ما أقدّمه من خلال كتابتي محاولة للدق على الخزان قبل ان يفوت الأوان. ولكن هل وصلنا الى مرحلة لم يعد هناك أمامنا إلا البقاء بالخزّان بلا حراك ونكون كرجال غسان كنفاني لنصير رجال الشمس؟

منذ أشهر، وتتفاقم التهديدات وتنحصر الحريات، وباتت حرية التعبير معدومة. فالمطاردات التي تطال كل من يحاول التعبير بانتقاد لأداء الحكومة او السلطة صارت تمتد الى كل الاتجاهات. وكأن كل اجهزه السلطة تحارب الانسان الفلسطيني في التعبير عّن نفسه.

على الرغم من انتقادي إلا أنني كنت دائما أقول في نفسي أن الرئيس ابو مازن سلميّ لا يقبل القتل كوسيلة هجوم أو دفاع. فما الذي يجري اليوم؟

اعرف جيّدا انّ هذه الاعمال الاجراميّة ليست الا من افعال المرتزقة والضعفاء والجبناء. ولكن اولئك يتغنّون بالسلطة ويمثّلونها..

فهل نحن على شفى خطوات من أن نعيش زمن الارهاب والاغتيالات وحروب العصابات

السيد الرئيس،

السيد رئيس الحكومة،

قبل أعوام قليلة قُتلت نيفين عواودة بينما كانت تصرخ بوجه الفساد، وانتهت القضية بدليل ملقط حواجب ومنشد. منذ تلك الجريمة وضحايا كُثر هُدرت حياتهم وتطايرت ارواحهم لتستمر بالمطالبة بتقديم الجناة للعدالة.

ولكن... منذ رضينا بملقط للحواجب دليل جريمة، وسكتنا عن المجرمين بمنشد قدّم ذهباَ وأموالاَ فدية حياة، صارت الحياة أرخص والموت أقرب. قضايا كثيرة منذ مقتل نيفين العواودة التي رحلت وتركت كل الدلائل الى قاتليها، ولكن سدى. 

واليوم، ولقد نجوت لأن الله لطف ربما بأبنائي. نجوت ربما لأن هناك الكثيرين الذين يأملون بخير ربما آت لطالما نستطيع ان نعبّر عن أنفسنا ونحارب بكل قوتنا الفساد.

عندما نصرخ بوجه الفساد، نحن نصرخ من اجل عمار نريده لهذا الوطن. نحن لا نصرخ بوجه الفساد لأننا نريد مناصب ولا مراتب ولا أموال. نحن نريد ان نعيش بكرامة وعزة بوطن بذلنا من اجله كل ما هو غالي ورخيص. والوطن لا يبنى على قواعد فساد وترهيب. 
من السهل ان نسكت جميعا.

من السهل ان نغلق على أنفسنا الأبواب ونلزم بيوتنا وامورنا الخاصة ونقول: ما هي كلها خربانة.

من السهل ان نفكر بالهجرة او ربما اللجوء او الهروب.

من السهل لإنسانة مثلي تعيش بالقدس ان تفقد الامل من وجود كيان فلسطيني جامع.

من السهل ان نفقد الامل الى الابد ولكن....

هل هذا ما تريدونه منا؟

هل تريدون افرادا خرس بكم لا يتكلمون ولا يفقهون ولا يشعرون؟

هل تريدون مرتزقة، وعصابات، ومجرمين ليمثّلو سلطتكم؟

أرفع صوتي اليوم وانا لا اعرف إن كان سيصل.

ولكن.. لأنني على قناعة بأن هذا الوضع لن يجلب الا الخراب للسلطة قبل ان يجلب الخراب لنا كأفراد. فمحزن ان نعيش في هذا الوضع بينما يحارب الفرد منا اليوم الفيروس والضم والانتهاكات ويسعى بشح من اجل قوت يومه ويتم فوق كل هذا ترويع وترهيب للناس في مأمن بيوتهم.

لقد مورس عليّ خلال السنوات الكثير من الضغوطات، بين تهديدات مبطنة وتحذيرات وصلت في احداها الى الهجوم الجسدي عليَّ من قبل أحد العمال الرسميين التابعين لإحدى الدوائر المركزية في القدس.

ومع هذا دافعت عن المساحة المتاحة لي بالتعبير عن النفس. استخدمت نفسي دعاية لانفتاح السلطة بحرّية التعبير. في كل مرة كان الاخر مصرا على انه لا حرية تعبير بالسلطة كنت اضرب على صدري بفخر قائلة : انظروا الي!

ولكن .... لقد اتى اليوم ليُثبَت أنّه لا مساحة للحرّيّات. ليس هذا فقط.. بل هناك تهديد يطال الحياة.

السيد الرئيس،

السيد رئيس الحكومة،

إذا ما كانت هذه الأفعال بالفعل خارجة عن القانون وعن التعليمات السيادية، فلن أرضى بأقل من إيجاد ومحاسبة كل من كان له يد بإرهابي عن طريق حرق سيارتي ومحاولة قتلي وعائلتي ونحن في امان منزلنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير