الرد على الضم غير الشرعي وغير القانوني بضم شرعي وقانوني

04.07.2020 01:49 PM

كتب: محمود التميمي

سجل " شيمون بيريز" في مذكراته الحادثة الطريفة التالية: " أذكر أننا أرسلنا بعد الزلزال الذي ضرب اليونان – سفننا المتواضعة لتقديم يد العون جنبا الى جنب مع جميع أساطيل البحر المتوسط التي أبحرت صوب أثينا لذات الهدف. عندئذ استقبل ملك اليونان الضباط الزائرين، ومن بينهم ظهر ضباطنا فخورين بزيهم الرسمي وبكتافياتهم المعدنية البراقة. وتقرب إليهم ضابط بريطاني كبير وسألهم " من أي بلاد أتيتم؟ أجابوه: " اسرائيل “. فرد عليهم: “وأين تقع هذه بحق السماء؟ " وتارة أخرى أجابه أحد ضباطنا: " اسرائيل هي ما كانت تسمى فلسطين " فقال ضابط البحرية الملكية: آه، تقصد " فلسطين “، أما زال اليهود يثيرون المشاكل هناك؟".
الأرجح أن هذه الحادثة وقعت في العام 1953م عندما تعرضت اليونان لزلزال قوي، ولعل ضابط البحرية الملكية البريطانية تعمَّد تذكير الضباط الإســـــــــرائيليين، بأن الحركة الصهيونية هي أصل المشكلة، وأن لتلك البلاد اسم واحد هو فلسطين، فلمس في كلامه هذا، عن وعي أو عن غير قصد، جوهر المسألة التي سنناقشها هنا، والتي لربما ستشكل في وقت ما أداة مهمة لقلب الموازين، كما سيحاول أن يثبت هذا الموضوع، في تفاصيله اللاحقة.

لكننا نستهلُ بنقطتين أساسيتين:

   الأولى - أن أكثر من 25 عاما في إطار عملية سلام عقيمة ومجدبة، هي فترة أكثر من كافية للحكم على فشل هذه العملية، فشلا كليا، بجميع اركانها، ينسحب على الماضي والحاضر والمستقبل، لانعدام الطرف الاسرائيلي المستعد للسلام العادل، وغياب الرعاية الدولية الحازمة، التي تمثل قوة القانون الدولي، وتمتلك سلطة الفصل والجبر والالزام.

والثانية - أن نقاشنا سينحصر في الجانب السياسي القانوني، باعتباره المضمار الأساسي للعمل الرسمي الفلسطيني، على المدى المنظور، مع إدراك ان مراعاتنا للمناخ الدولي لا تجعلنا ملزمين ولا مجبرين على اللعب بجزء من اوراقنا، ولا للاكتفاء بجزء من حقوقنا التي تمنحنا اياها الشرعية الدولية، ولا للبقاء في وضعية دفاعية بحتة، في حين نمتلك الكثير من الأوراق وعناصر القوة والغلبة.

أما صلب الموضوع فيبدأ من ان الاسم السياسي والقانون لهذا الحيز من العالم، ورغم كل ما مرت به المنطقة والبشرية من تغيرات واحداث، بل ورغم قبول إسرائيل عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، لا يزال فلسطين، ليس فقط الاسم، بل الصبغة والصفة القانونية لكامل المساحة المقدرة ب 27 ألف كم مربع، مع كل ما يتصل بذلك ويترتب عليه من تبعات وتفاصيل.

كيف ذلك؟؟

دأبنا في العادة عند الحديث عن حل الدولتين ألا نقول: "حل الدولتين" ونصمت؟ بل أن نتدارك النقص ونكمل: “على اساس خطوط الرابع من حزيران عام1967م "، خشية القبول بدولة اقل ومساحة أصغر وحدود أضيق مما تعطينا اياه القوانين الدولية، إلا أن هذه الصيغة، أيضا مختزلة وناقصة. والأصح والأتم سياسيا وقانونيا أن نقول:

" حل الدولتين في فلسطين على أساس خطوط الرابع من حزيران عام 1967م ،،، ولنشدد على عبارة  " في فلسطين " لأن الفقرة بمعناها ومبناها ، لا تصبح تامة وصحيحة وبليغة ، الا بإضافتها  ، اعتماداً على  الأصل القانوني لوجود دولتين،  ولحلٍ على اساس دولتين ، المتمثل في  قرار الجمعية العامة رقم 181, وبالتحديد الفقرة التي تقول : ،، تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية ،،،

ولنتأمل مطولا في أن: (1) –الحيز والمكان الذي تنشأ فيه الدولتان هو فلسطين، (2) –ما ينشأ في فلسطين هما دولتان، عربية ويهودية، وليس دولة واحدة تنفي وجود الأخرى (3) – الدولتان مستقلتان، فلا تكون إحداهما مستقلة والأخرى محتلة.

إذن، فالدولتان كلتاهما، تقومان على أرض فلسطين، ليس، فقط الدولة الفلسطينية المنشودة، بل دولة إسرائيل هي كذلك قائمة فوق أرض فلسطينية.

ورغم فصل البلاد لدولتين ، فإن القرار ،  عندما يتكلم عن هذا الحيز بكامله ، يقول " سائر فلسطين " أو " فلسطين بكاملها " ، وعندما يتكلم عن كل قسم ، يستخدم في أكثر من موضع  عبارة " هذا الجزء من فلسطين " أو " ذلك الجزء من فلسطين " ، تلكُم هي الحقيقة ، سواء أعجبت حكومات إسرائيل ام لم تعجبها، سواء أعجبت حلفائها ام لم تعجبهم، وهي حقيقة ثابتة بنصوص القانون الدولي والشرعية الاممية، بل، بإقرار " إسرائيل " نفسها في وثيقة استقلالها التي تقول:
" في اليوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام ‎1947 اتخذت الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة قرارًا ينص على إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل وطالبت الجمعية العمومية للأمم المتحدة أهالي أرض إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة من جانبهم لتنفيذ هذا القرار. إن اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته غير قابل للإلغاء."

ولا يعنينا في هذه الفقرة المقتبسة، ولا هو ذو أية قيمة ما تسميه الوثيقة " أرض إسرائيل “، ولا " أهالي أرض إسرائيل “، لأن القرار 181، بكامله محفوظ بنصوصه كما هي، ومن يرجع اليه، سيكتشف التزوير، وسيجد أن المكتوب: " أرض فلسطين " وأهالي أرض فلســـطين "، وإنما القيمة الحقيقية في وثيقة الاستقلال الإسرائيلية، تكمن في اعترافها الصريح بأن القرار 181، هو القرار المُنشئ لإسرائيل، وأن هذا القرار غير قابل للإلغاء. وهنا تحديدا تكونُ قد سقطت، وستسقط ُمن تلقاءِ نفسها أيَّة محاولة للتهرب من تنفيذ نصوص القرار، ومحوه ونسيانه، تحت ذرائع تغير الظروف وتقادم القرار، بل إن وثيقة استقلال إسرائيل بحذافيرها، تُلزم" أهالي أرض إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة من جانبهم لتنفيذ هذا القرار" ونحن نقبل وثيقة الاستقلال الإسرائيلية في هذا الجزء، بالشكل الذي تم به تزوير القرار، دون تعديل أو تصحيح، ولم لا، فلينفذوا هذا القرار من جانبهم وليمتثلوا له كامل الامتثال!!
نضيف هنا فيما يخص احتمالات التذرع بتقادم القرار، أو محاولة طمسه وتحريفه، أن القرار يُجدد في الجمعية العامة باستمرار، وتم تضمينه والاستناد اليه في العديد من القرارات الأخرى المتواترة بعده، والأحدثُ منه عهداً، وعلى أساسه أيضاً تم إعلان الاستقلال الفلسطيني في 15 نوفمبر من العام 1988م ورفع درجة منظمة التحرير الى فلسطين بموجب قرار الجمعية العامة رقم 177 /43 في 15 ديسمبر 1988م، ثم الى دولة فلسطين بموجب قرار الجمعية العامة رقم  19 / 67 في 29 نوفمبر من العام 2012م.

والأصل أن قرار التقسيم، عملية متكاملة، اما أن تتم بجميع أجزائها وجوانبها، أو أن تقسيما لم يتم ولم يحصل، وأن هذه العملية، لازالت حتى اليوم غير منتهية، وهي حقا لم تتم ولم تنتهي، و" إسرائيل " وفق هذه المقاييس، ورغم الاعتراف بها من الأمم المتحدة كدولة، ليست أفضل حالا بكثير من السلطة الفلسطينية، فلا زلنا جميعنا في مرحلة انتقالية، وإسرائيل بمقتضى القانون، هي أيضاً، كيان سياسي مؤقت وغير كامل التبلور، وهذا ما يعنيه قرار التقسيم تماما في الفقرة التالية:
" تكون الفترة بين تبني الجمعية العامة توصيتها بشأن مسألة فلسطين وتوطيد استقلال الدولتين العربية واليهودية، فترة انتقالية".
فالمرحلة الانتقالية، لازالت سارية، ولم تنقضي، لأن شرط انقضائها الجوهري، أن يتوطد استقلال الدولتين معاً، وبانتظار ذلك، فإن مسألة فلسطين لم تُطوى، وإسرائيل ككيان لازالت في مرحلة انتقالية لم تتبلور كدولة كاملة الشرعية، ضمن حل الدولتين بشكل مستقر ونهائي.

زد على ذلك أن قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، رُفض عدة مرات، قبل توقيعها على " وثيقة لوزان " وقبل صدور قرار الجمعية العامة رقم 273 في 11 مايو / أيار 1949م، بقبول عضويتها، مقابل اذعانها وتوقيعها على شروط محددة، أهمها تنفيذ قرار التقسيم (181)، وقرار عودة اللاجئين الفلسطينيين (194).

ولنؤكد هنا على : ( 1 ) أن الأمم المتحدة عندما نحَّت اقتراحين آخرين قدما لها ، باستفتاء أهل فلسطين حول مصيرهم ، أو تحويل قضية فلسطين الى محكمة العدل الدولية للنظر والبت فيها ، أخذت على عاتقها مسؤولية صياغة وتنفيذ قرار التقسيم ، كبديل ثالث، وليست بأي حال أو أي ظرف أو أي وقت ، تبعاً لذلك ، في حلٍ من التزاماتها من الألف الى الياء ، ومنذ نشوء القضية، والى تجد حلاً عادلاً وسليماً لها، ( 2 ) أن خطابات ومداخلات أغلب الدول الأعضاء التي صوتت للقرار ، أفصحت بصراحة عن تخوفاتها من عواقب القرار ، والقدرة على تنفيذه ، وحذرت من حملات حربية دموية وأعمال تطهير وتهجير واسعة متوقعة ، ومن ظُلمٍ سيقعُ على سكان البلاد ، وهو ما حصل بالفعل، ( 3 ) أن عددا من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة ، بعد أن بدأت الأوضاع تتداعى ، ولاحت العواقب الوشيكة لقرار التقسيم ، تقدمت باقتراح لإلغاء القرار وفرض الوصاية  على فلسطين ، رفضته الحركة الصهيونية ، وأصرت على التقسيم.

وكما هي عادة " إسرائيل " في التحرر من التزاماتها، و نقض عهودها، فإنها لا تُكمل أية عملية للنهاية، ولا تنجزها بالكامل، بل تختار ما يوافقها، وتنكر ما لا يوافقها، هكذا فعلت باتفاقات أوسلو، وهكذا فعلت مع وثيقة لوزان، وهكذا فعلت مع تعهداتها للأمم المتحدة مقابل العضوية، وهكذا فعلت مع قرار التقسيم ، وهكذا فعلت في أمور أخرى كثيرة ، وحري بنا أن ننتبه جيداً الى ما سجله " أوري سافير " رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض في أوسلو، في مذكراته ، بأن اتفاق أوسلو مؤقت ، ولا يؤثر على موقف كل طرف من قضايا الحل النهائي ، لكن التزام إسرائيل بالانسحاب والاخلاء ونقل السلطة للفلسطينيين في عدة مناطق ، وعلى النحو الذي تم الاتفاق عليه ، هو رغم ذلك ،من الناحية القانونية ، نهائي ولا يمكن الرجوع عنه. 

الأمر ذاته ينطبق على كل شيء، فإسرائيل ملزمة بتنفيذ كل ما وافقت ووقعت عليه: قرار التقسيم – وثيقة لوزان – التعهدات المقدمة لقبول عضويتها بالأمم المتحدة.

كما أنها تتحمل بالمطلق تبعات الفقرة (ج) من الفصل الأول لقرار التقسيم في أن “مجلس الأمن يعتبر كل محاولة لتغيير التسوية التي ينطوي عليها هذا القرار بالقوة تهديدا للسلام، أو خرقا له، أو عملا عدوانيا، وذلك بحسب المادة 39 من الميثاق".
أما دعواها بالاضطرار لخوض حرب دفاعية ، لصد سبعة جيوش عربية غازية ، فإن الرد عليه وتفنيده موجودٌ في وثائق الأمم المتحدة ، ومنها التقارير الكثيرة والمفصلة ، المرفوعة من سلطات الانتداب البريطاني عن  تعاظم الإرهاب الصهيوني ، واتساع دائرة الاستهداف للمنشآت والمدنيين ، و السعي الحثيث لفرض السيطرة العسكرية على البلاد ، وتهديد الأمن والازدهار ، والرد كذلك موجودٌ في الوثيقة رقم 745 / 8 ، وهي عبارة عن رسالة من الأمين العام لجامعة الدول العربية الى مجلس الأمن ، في جلسته المنعقدة في 14 مايو / أيار 1948م ، فحواها أن " حكومة الانتداب قد أعلنت ، أنها لن تكون مسؤولة عن الحفاظ على الأمن والنظام في فلسطين بعد انتهاء انتدابها... وأن الاضطرابات الأخيرة تؤلف خطراً مباشراً وخطيراً على الأمن والسلام.. وأنه رغبة في إشغال الفراغ الذي خلفه إنهاء الانتداب، وكنتيجة للعجز عن استبداله بسلطة شرعية، فإن الحكومات العربية تجد نفسها مرغمة على التدخل، هادفة من تدخلها، إلى أمر واحد ليس إلا، وهو إعادة السلام والطمأنينة إلى البلاد، وفرض الأمن والنظام والقانون فيها “. وقد تلقت الأمم المتحدة هذه الرسالة، ولم تعترض عليها، ولم تعتبر تدخل الجيوش العربية عملاً عدائياً، أو مخالفاً للقوانين الدولية.

ولقطع دابر أي محاججة في هذه النقطة، قطعاً باتاً ونهائياً، نحيل العالم بمختلف أقطابه، لوثائق " الهاجانا "، ولما كتبه ووثقه المؤرخون الإسرائيليون الجدد، حول الاستعدادات والخطط والعمليات العسكرية وعمليات التطهير المممنهجة، ولكتب إسرائيل السنوية الرسمية لسنوات 1951، 1952 م، وما تلاها، التي تتكلم عن أن إسرائيل، عام 1948م، قد قامت على جزء فقط من أراضيها، وأنها ستستكمل التمدد والتوسع.

.. وبالمجمل ، فإن قرار التقسيم ، وبرغم الظلم الذي أنزله على الشعب الفلسطيني الا أنه يمثل الخط الفاصل بين ما قبل وما بعد ، وهو النافذة التي تطل على المشهدين ، كيف كانت فلسطين في الأصل: الوطن و الحكومة والمواطنة والجنسية ، والمؤسسات ، وكل  أركان الدولة المهيئة للاستقلال التام ، موثقة ومصورة ومحفوظة في ظاهر النصوص وباطنها ، وبين ما اشتق عنها لدولتين ، تمددت الأولى ، واضمحلت الثانية ، في عملية لازالت شاقة وعصية وغير مكتملة ، ولأنه كذلك فهو أخطر وأهم قرار اتخذته الأمم المتحدة في تاريخ القضية الفلسطينية ، وهو أيضاً ، سلاحٌ ذو حدين ، يمنح الشرعية لإسرائيل وقد يسحبها منها ، يلحق الظلم والضرر بالفلسطينيين، لكنه المرجع والوثيقة الأولى لإثبات جذورهم وتاريخهم وهويتهم وحقوقهم  ، وربما لإعادة تركيب فلسطين ، بعد أن تفككت ، مرة أخرى.

فلنعُد اليهِ ولندرس كل مقطع وعبارة وكلمة دراسة وافية، وسنجد بين ما نجد، أن المواطنة والجنسية والانتخاب وكل الملامح والتفاصيل هي في الأصل فلسطينية، وهي للمقيمين على أرض فلسطين، ينطبق ذلك حتى على الدولتين، ويصلح سنداً لإثبات من هم أهل البلاد، بحسب السجلات والإحصائيات المدونة في ذلك التاريخ، ومن هم الطارئون والغرباء عنها.
وسنجد أن إسرائيل ليست طليقة اليد في سن تشريعاتها وقوانينها لترسيخ احتلالها وعنصريتها، وأن الأمم المتحدة تعهدت بأنها: " ستضمن النصوص الواردة في الفصلين الأولين من الإعلان، ولا يمكن إدخال أي تغيير فيها دون موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة".


... لقد كان كل ما تقدم ضرورياً، لنصل بهذا الموضوع الى ذروته، ومبتغاه، في أن من حملوا الى بلادنا الشرور والكوارث وتخطوا خطوط التقسيم، ولم يكفهم 78 % من مساحة أرض فلسطين، ويريدون المزيد، والمزيد، ويعلنون الآن، خططهم ومشاريعهم للضم، عليهم أن يتحملوا تحريك خط الرابع من حزيران 1967م، وانزياح الحدود، ولكن ليس ناحية الشرق، بل بالاتجاه الأخر، نحو الشمال والغرب.
وعلى هذا الأساس، فليكن الرد على الضم الأمريكي – الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية، غير الشرعي وغير القانوني، المتعالي والمتبجح، ضماً فلسطينياً شرعياً وقانونياً، رصيناً ومتزناً، لأراضي الدولة العربية بموجب قرار التقسيم وبحسب الحدود المنصوص عليها في البابين الثاني والثالث، وفق إعلانٍ متدرجٍ من ثلاث مراحل:

1- المرحلة الأولى: تعلن القيادة الفلسطينية، عن أنها وقد استنفذت كل وسائل العمل الدبلوسي والسياسي لسنوات طويلة، والتزمت التزاما تاما بكافة الاتفاقيات الموقعة، وبعد أن وصل حل الدولتين لطريق مسدود وبات مهددا بخطر التوسع وخرائط الضم، فإنها ستكون مضطرة لإعطاء فرصة أخيرة، ومهلة محددة بزمن معين لإنقاذ هذا الحل، يتم خلالها:
(1) - إعلان حكومة إسرائيل والإدارة الأمريكية، التراجع عن خطط الضم وخطة ترامب، والاستعداد         لاستئناف المفاوضات من حيث توقفت، لتنفيذ حل الدولتين على أساس خطوط الرابع من حزيران، بتبادل طفيف للأراضي، وبرعاية دولية فاعلة، وخلال جدول زمني واضح ومحدد لإنهاء الاحتلال.
(2) - إعلان دول الإتحاد الأوروبي عن اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران، وبالقدس الشرقية عاصمة لها.
(3) - التحضير لمؤتمر دولي، له كامل الصلاحيات والقوة القانونية للفصل في القضية الفلسطينية ولدعم قراراته وتوصياته، بمشاركة الأمم المتحدة، والدول الدائمة العضوية، وعدد من الدول الأخرى، تكون مهمته إنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية.
.. وأن القيادة الفلسطينية، في حال تحقق النقاط الثلاث جميعها، ستلغي خطواتها نحو المرحلة الثانية، وأنها في حال تحقق النقطتين الثانية والثالثة فقط، أو احداهما، ستعيد النظر في حساباتها، وستتخذ ما تراه مناسباً في حينه، أما إذا لم تتحقق أية نقطة فيتم الذهاب للمرحلة الثانية.

2- المرحلة الثانية : تدلي دولة فلسطين بخطابها من على منبر الأمم المتحدة ، خلال دورتها العادية في سبتمبر من عام 2020م ، وتقدم مراجعتها لكامل المرحلة السابقة ، ولخطاباتها السنوية أمام الجمعية العامة ، ومبادراتها وتحذيراتها المتكررة ، من خطر إفراغ العملية السلمية ، وإجهاض حل الدولتين ، وقراءتها لخطة ترامب ، والخطوات الأمريكية المنحازة ، وخطط التوسع الإسرائيلية ، وتُذكر بالمهلة التي منحتها خلال المرحلة الأولى ، ومحاولتها إنقاذ حل الدولتين دون جدوى ، وأنها نظراً لذلك ،ورداً على الاحتلال والضم والتوسع الإسرائيلي غير القانوني ،  تقدم أوراقها القانونية ، للمطالبة بالحقوق الفلسطينية كاملة ، كما نص عليها قرار التقسيم ، والقرارات الدولية ، وبالحدود المنصوص عليها للدولة العربية في فلسطين ، وأن تكون القدس تحت وصاية دولية إلى أن يتم الوصول الى حل ، تصير بموجبه عاصمة لدولتين .
3- المرحلة الثالثة: إذا  لم تسفر المرحلة الأولى والثانية عن النتائج المرجوة ، يتم التقدم الى الأمم المتحدة ، والى محكمة العدل الدولية ، بطلب فتح ملف فلسطين كاملاً بكل جوانبه ، ومراجعة كل الحلول والقرارات التي فشلت منذ بداية القضية الفلسطينية وحتى الأن ، باعتبار قرار التقسيم لم ينفذ ، وإسرائيل لم تلتزم بشروط قبول عضويتها واثبات أهليتها ، ولبحث كل الحلول الممكنة ، في ضوء فشل حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران ، وفشل حل الدولتين  ضمن حدود التقسيم أيضاً ، وضرورة العودة بالتالي لبحث مصير فلسطين بأسرها ، ومصير سكانها وما حل ، أو سيحل بهم.، وطرح جميع الاحتمالات  :   الدولة الواحدة ( فلسطين ) وعودة اللاجئين ، الوصاية الدولية المؤقتة ، الاحتكام لمحكمة العدل الدولية ، الدولة الفلسطينية ، كما حددها الكتاب الأبيض البريطاني لعام 1939م ( ثلثان من العرب وثلث من اليهود )، وهكذا.

 
وفي المحصلة، فإن القصد، أن يبقى صوت فلسطين عالياً، وسقفنا مرتفعاً، أعلى من غيهم وصلفهم، ووقاحتهم التي تجاوزت كل الحدود، وأن نصغي لنصائح المخلصين من أصدقائنا، كتاباً ومفكرين، ومحللين وسياسيين (كثير منهم أمريكان وأوروبيين ويهود غير صهاينة) بأن استمرار حديثنا عن عملية سلام متخيلة، وعن حل دولتين افتراضي، يوهم العالم والرأي العام العالمي، بأن هناك عملية سلام حقيقية جارية، وأن هناك دولة إسرائيلية مستعدة للسلام، وأن الواجب يحتم علينا، لا أن نُسمع العالم ما يحبُ سماعه، بل ما يجب أن نقوله، وما يجب عليه أن يسمعه.
ولعل الرد على الضم بالضم، سيخلق إذا ما استخدم في نطاقه التعبوي والإعلامي، ضوضاءً وضجيجاً يحرج أشد الحرج المخططات الإسرائيلية – الأمريكية، ويكشف الكثير من جوانب قضيتنا، أما الأنفع والأجدى فأن يوظف في الضغط والتلويح، وأن يستثمر أفضل استثمارٍ ممكنٍ قانونياً وسياسياً، كملفٍ كاملٍ يُقدمُ لمحكمة العدل الدولية، وللجمعية العامة للأمم المتحدة.
بقي أن نستذكر في النهاية ما قاله " بن غوريون " لأول سفير للولايات المتحدة في إسرائيل: " لن نتخلى على مائدة المفاوضات عما كسبناه في الحرب) لنعلم أن إسرائيل لم تتغير مطلقاً، وقطعاً لن تتغير، وأن ساحة الصراع الأساسية، مع أهمية جميع الساحات، ستبقى النضال المتأجج، ومقاومة الاحتلال على الأرض، وأن شعار منظمة التحرير الفلسطينية (وحدة وطنية – تعبئة قومية – تحرير) لازال كافياً لإرشادنا للطريق الصحيح. 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير