اخر الحروب ام اولها؟!...بقلم: خيري منصور

04.09.2011 09:10 AM

الطرف الأضعف في أي اتفاقيات خصوصاً إذا كانت متعلقة بالحرب والسلام عليه أن يكرر على مدار الساعة التزامه بهذه الأيقونات المقدسة، وأن يحذر من خدشها حتى باللّمس، لكن الطرف الأقوى والمستفيد من الاتفاقيات لأنها تكرس غنائمه، له الحق في أن ينقض ما يشاء من بنودها، لاعتقاده بأنه يملك المفتاح وبيده الحل والرّبط، والحرب والسلم تماماً كما وصفت غولدمائير ذات يوم حقيبتها بأنها تضم الاثنين معاً، الحرب والسلام وهما بمنزلة المشط النسائي والمرآة في تلك الحقيبة . 

وتصريحات الساسة والجنرالات في “تل أبيب” تتصاعد مع اقتراب موعد إعلان الدولة الفلسطينية وكأنهم في سباق ماراثوني محموم مع الزمن قبل أن يصل إلى سبتمبر/ أيلول الذي يقول مثل عربي إن ذيله مبلول إشارة إلى نهاية القيظ والغيمة الأولى . وفي جميع الحالات التي تم خلالها تغييرات سياسية في العالم العربي كان الإعلان الأول المنافس لإعلان الوعد بالرّغيف هو الحفاظ على قدسية الاتفاقيات الدولية . لكن عدوى هذا الالتزام لم تصل بعد إلى “تل أبيب” وقد لا تصل على الإطلاق، لأنها كما أوهمتها أنصاف الانتصارات المتعاقبة التي حققتها تمتلك معيار الصواب والخطأ، ما دامت قادرة كما ترى على العدوان في أي وقت وأي مكان . 

لكن العواصف لا تهبّ دائماً وفق ما يشتهي هذا القارب الذي يقوده قرصان في عرض البحر المتوسط، فالعالم لم يعد رهينة لدى “تل أبيب”، وفوبيا اللاسامية اتضحت فزاعاتها على نحو حقيقي، لأن أذرعها من ورق وساقيها من خشب دب فيه السّوس . 

إن تهديد الفلسطينيين بإلغاء كل الاتفاقيات التي أبرمت معهم بدءاً من أوسلو هو عيّنة من تفكير صهيوني لم ينقطع حبل تهديده ووعيده منذ وعد بلفور وربما قبل ذلك، ومن يسمع هذا الوعيد يظن أن تلك الاتفاقيات كانت قد بلغت ذروة العدل وأنصفت الفلسطينيين وأعادت إليهم حقوقهم كلّها . 

تلك السلسلة من الاتفاقيات على تفاوت أهميتها وقابليتها للتنفيذ حذفت أهم حق فلسطيني على الإطلاق، وهو حجر الأساس في الحكاية كلها . . وهو حق العودة للاجئين الذين اقتلعوا من ترابهم قبل أكثر من ستين عاماً . لهذا فكل هذه التهديدات عديمة القيمة والمعنى إذا عدنا لقراءتها كما هي وبلا أي مساحيق تجميل سياسية أو إعلامية توحي للضحية بأنها أصبحت ندّاً للجلاد واستعادت حقوقها كاملة . 

إن الحرب المقبلة رغم أنها سياسية بامتياز هي حرب الحروب كلّها، إذا كان الرّهان الموعود هو الوجود أو العدم، أي الاعتراف الدولي بكيان فلسطيني أو التخلي عن هذا الاعتراف . فالآن كل المواقف على المحكّ وصلابة وتماسك الموقف العربي هما أهم عنصر في هذه العملية العسيرة  

وما نخشاه هو أن يتحوّل ما قيل بالأمس في جنوب السودان والجمهورية الوليدة إلى معزوفة دولية متكررة، وهو أن أعلام الدولة الصهيونية تخفق في فضاءات عواصم عربية، وكان ذلك تعليقاً من أحد القادة في جنوب السودان على زيارة وفد من الكونغرس والإعلان عن تمثيل دبلوماسي رفيع بين الطرفين، الطرف الزائر والباحث عن مجالات حيوية جديدة لتمدده والطرف الموعود بمعونات لا آخر لها . 

ما الذي قدمته تلك الاتفاقيات التي يهدد وزير البِنْيَة التحتية في “تل أبيب” بإلغائها؟ أليس هذا هو شرّ البلايا كلّها بحيث نضحك حتى البكاء؟

                                                                                                             عن جريدة الخليج

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير