أسياد وعبيد

04.06.2020 06:55 AM

كتب: سامر عنبتاوي

عندما تمت إزاحة المتظاهرين من أمام البيت الأبيض خطا سيده إلى الخارج و توجه لبوابة الكنيسة رافعا الإنجيل في خطوة استعراضية تختزل ديموقراطية هشة دامت عشرات السنوات ، وقف كنبي آخر الزمان مستعيدا خلفية دينية سلفية ليبرر حماقاته و تسلطه و عنجهيته ، بل عاد للخلف أكثر من مائتي عام ، عندما قال سنعود لما قبل دستور عام ١٨٠٧ ، أتعلمون ما هذا التاريخ؟ هو تاريخ إقرار البرلمان البريطاني لوقف تجارة الرق خاصة عبر الأطلنطي (بعد الحملة التي قادها البريطاني ويليام ويلبر فورس) ، والذي صدر في ذاك العام ، ودعا البرلمان الدول الأوروبية لانتهاج ذلك الأمر الذي انتظر ٢٦ عاما حتى يتم إلغاء العبودية نفسها !! و ترامب يهدد بالعودة إلى ما قبل ذلك ، أي عودة تجارة الرقيق. 

دونالد ترامب يرسل رسائل لا توصف بالعنصرية فقط وإنما يريد التلويح بإحياء عصور العبودية وامتهان الإنسان ، كأنه يقول: أنتم أيها السود خلقتم لتكونوا عبيدا لنا ، و نحن البيض خلقنا لنكون أسيادكم و عليكم خدمتنا حتى الموت.

ترامب يخرج بسلفية دينية متعمقة في التخلف ومتحالفة مع اليهودية المتشددة و الداعمة للصهيونية ، و الإنجيلية الصهيونية ، يحمل الإنجيل ليستعبد أبناء المسيح تماما كما يفعل غلاة التطرف في كافة الديانات حيث يستعملون الإنسان وتحريف النصوص لاستعباد بل وقتل البشر تحت مسميات مختلفة.

دونالد ترامب يعود بمباديء الديموقراطية وحقوق الإنسان إلى الخلف في حالة نكوص غير مسبوقة وكأن عشرات السنين من التحرر الفكري وإرساء حقوق الإنسان ذهبت سدى ، أو كانت أكذوبة سمجة ، أو خداعا لتمرير أهداف ومصالح الأسياد.

ما الفرق بين وقفة ترامب مستغلا الكنيسة والإنجيل وبين وقفة البغدادي وأمثاله مستغلين المسجد والقرآن ، ووقفة نتنياهو متحدثا عن دولة يهودية بعد اغتصاب الأرض وتهجير وقتل وسجن أهلها؟ كل ذلك استغلال دنيء للأديان للكذب والتدليس وتمرير المصالح.

ترامب يعي تماما أن التغذية العنصرية لم تنته لا في أمريكا ولا في العالم ، بل أن الحكومات الأمريكية دعمت و سلحت العنصريين أينما وجدوا وفي مقدمتهم الحركة الصهيونية ، وترامب يريد أن يبقى رئيسا للولايات المتحدة لفترة أخرى ، لذلك فهو يدغدغ العنصريين الشامتين والمطالبين بمزيد من العنف ضد السود و الجنسيات غير الأوروبية المنشأ، وهو يدغدغ أيضا المشاعر الدينية للمتدينين باعتباره المخلّص ، ولا ينسى دغدغة مصالح رأس المال والشركات الكبرى حلفائه في الثروة والسلطة ، ولذلك فهو يلعب على كافة هذه الحبال طمعا في ولاية أخرى وحسم المواجهات في كافة أنحاء الولايات المتحدة لمصلحته ، حتى لو كلف ذلك العودة للديكتاتورية وتراجع الإرث الديموقراطي ، وعودة العنصرية والإستغلال.

ما يحصل في الولايات المتحدة يثبت أمورا كثيرة ، من أهمها أن الشعوب التي بنت نهضتها ورفاهيتها على حساب السكان الأصليين سيدفعون الثمن يوما ما ، وأن خداع الأمريكيين بمباديء الحرية والديموقراطية تسقط عند المصالح ، وأن هذه المباديء كانت لتمرير الكثير من السياسات ، ويثبت كذلك أن الحكومات التي تدعم الإضطهاد والدكتاتورية وسلب الحقوق في العالم لن تستطيع توفير الديموقراطية لشعبها - إن شعبا يضطهد شعبا آخرا لا يمكن أن يكون هو نفسه حرا - وأن مباديء الأسياد والعبيد تظهر في أي مواجهة أو تهديد لمصالح الأسياد.

وأخيرا، فقد أظهر دونالد ترامب التوجهات الحقيقية للإدارات الإمريكية ببشاعتها ، في السياسات الخارجية والداخلية ، وأبرز الوجه الحقيقي لحكام أمريكا بدو مكياج أو رتوش أو حتى عمليات تجميل ، كشف الإستغلال والطمع والسيطرة على موارد الآخرين ، وكشف الدعم المطلق للظلم والحروب حول العالم ، وكشف أن أمريكا الإمبريالية لا تعيش بدون استغلال وسحق شعوب وافتعال حروب وأزمات في العالم ، وخلق صراعات مع مؤسسات إنسانية كمنظمة الصحة العالمية واليونيسكو وغيرهم ، كما كشف الوجه العنصري لمن يحكم أمريكا في الساحة الداخلية وهشاشة اتحاد الولايات ، وأعتقد أن ترامب يترنح ويتجه لسقوط مدوي ، ويبقى السؤال عن مستقبل الولايات المتحدة وحكومتها المركزية والحال الذي ستصل إليه ، والإجابات تحتاج إلى الوقت و المتابعة ولكن تغييرات جوهرية ستطرأ بالتأكيد.

تصميم وتطوير