(مقتطفات من سيرة مكتوبة)

اكتظاظ المرحلة : مناضلين من كل الأجيال .. والوزير الأحمر في الحكومة الرجعية

02.06.2020 12:10 AM



كتب: علي بدوان

في تلك المرحلة، النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وحتى منتصف الثمانينيات، كان اختلاط المشهد : مناضلين من كل الأجيال، ومن كل مكان، من فلسطين، ومن عموم الشتات الفلسطيني، ومن عموم البلاد العربية، خاصة من سوريا ولبنان والأردن والعراق وتونس ... ومناضلين أممين من فرنسا وعموم أوربا الغربية، وامريكا اللاتينية، وآسيا، وافريقيا، تتزاحم بهم فصائل المقاومة، في مقراتها، ومكاتبها، ومعسكراتها المنتشرة في سوريا ولبنان.

حالة وطنية فلسطينية عريضة، يتزاحم في دواخلها، مثقفين، وكتاب، ومتعلمين، وأشباه مثقفين، وأنصاف متعلمين، وكادحين، وفلاحين، وبسطاء، وعمال، لاجئين، ونازحين، ومعترين، ومن الغلابى، ومن المشاكسين، ومن الظرفاء، ومن البروليتاريا، و "البروليتاريا الرثة" لمن هم في قاع المجتمع ...

هناك أفراد وأشخاص مناضلين، مُحترمين تَعَرّفتُ اليهم في سياق إطارات التنظيم، أدين لهم بالتقدير الشديد، تعلمت منهم، واكتسبت المزيد من المعارف بفضلهم، عملنا سوياً، ومعاً في التنظيم إياه، منهم القليل من الذين استمروا حتى الآن، ومنهم من استشهد وهم كُثر، ومنهم من غادرهم وهم الأكثر، ومنهم الذين عرفتهم وتأثرت بهم في مقتبل شبابي، وكانوا عنواناً لي .... فهنالك أشخاص تراهم مرّة واحدة، فيتركون لديك أثراً لا يمحى على مرّ السنين.

الرفيق صالح، من لجنة العمل في الداخل، وكان يكبرني بنحو 15 عاماً، تعرّفتُ اليه في مسار العمل في مكتب الأرض المحتلة (مكتب الـــ 84) بالمزة/جبل، لفترةٍ عام تقريباً، وتحديداً العام 1978، غادر بعدها الى الكويت ومن حينها لم أعُد أعرف عنه شيئاً، احتضنني احتضان الرفيق والشقيق، وطالما أثنى على صفاتي ومنها مسألة الخجل الذي كان يرافقني في تلك المرحلة، مُعتبراً إياه "سجية طيبة لكن يجب عدم المبالغة بها".

في احدى الجلسات مع الرفيق صالح في مكتب لجنة العمل المسلح للداخل في المزة/جبل،  توقف عن الكلام ليرتشف من فنجانه رشفة قهوة باردة وليشعل سيجارة، ويبدأ مخاطبتي :

"أنت أصغر مني ولكني أثمِّن عقلك واتزانك عالياً، وأنت تعرف ذلك، فارق السن بيننا يعطي فارق التجارب". فــ "لاتحبس شيئاً حلواً في صدرك، لاتُقفل على كلمة صالحة مهما بدت صغيرة وبسيطة، لأنك لن تتخيل كيث تضىء الكلمة  في أحدهم، وترحل انت وتظل هي معه ...".

ولا أنسى في هذا المقام الراحل، طيب الذكر، المرحوم راشد كايد الوادي (الرمحي) الذي كان أوّل من وزَّعَ في شوارع العاصمة الأردنية عمان بيان الطرف الذي خرج من صفوف الجبهة الشعبية، وما سُميَ في حينه "بيان استقلال الجناح اليساري في الجبهة الشعبية"، وكان معه في تلك الواقعة الشهيد منذر القادري (شعبان)، وقد دفع راشد الوادي سنوات طويلة من عمره وشبابه، لكنه بات خارج التنظيم بعد العام 1984 لأسبابٍ كيدية، كذلك سالم النحاس (جلال). كما لا أنسى مازن المريدي (ربيع) الذي شغل المسؤول الإداري والموجه السياسي لنا في في مكتب الأرض المحتلة (مكتب الــ 84) قبل انتقاله الى ميدان العمل الجماهيري في اقليم سوريا. أما الصديق والرفيق العزيز (أبو مروان)، المخلص والنقي، فكان معارض على طول الخط، في مختلف القضايا والعناوين التي كانت تُطرح على جدول الأعمال، وكان شجاعاً في طرح موقفه، حتى شبهه البعض بــ "الوزير الأحمر في الحكومة الرجعية".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير