محكمة نتانياهو؛ ماذا يفكر الطغاة العرب !

27.05.2020 03:13 PM

كتب عوض عبد الفتاح : جلس  يوم الاحد الماضي، رئيس حكومة إسرائيل، على مقعد المتهمين بالفساد، أمام القضاء. وكان بنيامين نتانياهو عمل بلا كلل، وشن هجوماً متلاحقا ومنفلت، على كل مؤسسات تطبيق القانون، إبتداء من الشرطة الى النيابة، الى المستسار القضائي، إلى قضاة المحكمة، للحيلولة دون إصدار لائحة اتهام ضده. و نجزم القول أن الذين يندبون وضعية نتانياهو، ليس فقط ، أنصاره من المجتمع الإستيطاني الصهيوني، او حلفاؤه الإمبرياليون والشعبويون، بل أيضا حكام عرب، ينسجون معه علاقات خيانة، وغدر، وابرزهم ، محمد بن زايد، حاكم الامارات، ومحمد بن سلمان حاكم المملكة السعودية، والطاغية عبد الفتاح السيسي. فهم، وغيرهم أيضا، يشتركون معه في كره الشعب الفلسطيني، وخاصة تمرده على الظلم، وعدوانهم على الثورات والشعوب العربية التي تهدد عروشهم. فمن خلال توثيق العلاقة مع نتانياهو( ودولته)، يشترون إستمرار حماية الامبراطرية لعروشهم الرابضة على جماجم الشعوب.

    ليست المرة الأولى التي يُحاكم في إسرائيل رئيس حكومة، او مسئولون إسرائيلون، على تهم فساد. فقد سبق وأن دخل السجن رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، الى السجن، وعدد لا يستهان به من المسئولين. وهذا ليس مفاجئا او حدثا شاذا في تاريخ الكيان، فالامر الشاذ في نظر معارضيه، الذين يشاركونه نفس المنبع الايدلوجي، العنصري التوسعي، هو نزعة نتانياهو في احتقار دولة الموسسات، التي قام عليه كيان الابرتهايد الاستعماري، وسعيه إلى إضعافها لتخدم تمسكه في الحكم. إن الديمقراطية اللبرالية، التي اعتمدها الكيان، منذ نشأته، شكلت مصدر قوة، للداخل  والخارج، أي في توطيد علاقته مع الغرب الإستعماري، وإضفاء شرعية أخلاقية، ومظهرا حضاريا عليه، مكنته من مواصلة ارتكاب جرائمه، تحت غطاء ديمقراطيته ألإجرامية، ومن الافلات من العقاب. في حين اعتبر  الطغاة العرب والرداحون، الديمقراطية ودولة المؤسسات، "رفاهية تعيق تحرير فلسطين ومقاومة الاستعمار" !    

     وأعتقد أن الكثير من الفلسطينيين، والعرب، يشعرون بالحسرة، إزاء محاكمة أعلى مسئول في نظام الابرتهايد الاستعماري، على خلفية تهم فساد لسببين؛

    الأول؛ ومتعلق بالصراع، وهو أنه في حالة وجود عدالة فإن هذا المسئول، وباعتباره يُمثل كياناً، عنصريا وإجرامياً، وذا نزعة توسعية شديدة الجشع، من المفروض أن يمثل أمام محكمة دولية، ليحاكم على جرائم الحرب، والاحتلال، والاستيطان، وهي جرائم مستمرة، وليس على مخالفات فساد. 

   السبب الثاني؛ هو أن الإنسان العربي، لم ير في حياته، مسئولا عربيا رفيع المستوى، ولا حتى أقل منذ لك، يمثل أمام المحكمة، بسبب جرائم فساد أو جرائم، يندى لها الجبين، ضد شعبه. إن حجم الفساد والإستحواذ على المال العام ، الذي يمارسه الحكام العرب هو بحجم الجبال. أما جرائم القمع والقهر فحدث ولا حرج. وحتى عندما تحررت  الشعوب العربية من الخوف، ونجحت في المرحلة الأولى، في الإطاحة ببعض الطغاة، أعادت الدولة العميقة، الى الحكم حكاماً أشد إجراما وطغياناً وأكثر فجوراً. وأعاد هؤلاء الحكام، وبطانتهم، تعزيز تبعية القضاء، والمؤسسات التشريعية لهم، وأخضعوها لأهوائهم. بل هناك من لا يزال يردح لطغاة دمروا بلادهم وشردوا شعوبهم، دون إثارة او قبول مسألة المحاسبة.

     لا نجد من الحكام العرب، حتى مستبدا مستنيرا، حقق نهضة صناعية، و تعليمية، او علمية، حقيقية. وقد تكون المرحلة الأولى لحكم الثائر القومي جمال عبد الناصر، الوحيدة تقريبا، التي ينطبق عليها الاستبداد المستنير. وبطبيعة الحال لم يعد مقبولاً في عصر اليوم ، عصر الثورات العربية، حتى هذا النموذج( نموذج بناء الدولة تحديدا، وليس تحديه للاستعمار)  ، خاصة وانه انتهى إلى ما إنتهى إليه في زمن السادات ومبارك.

    وفي النظر الى حالة بنيامين نتانياهو، فإنه، ما يستحق الإنتباه إلى أن هذا المستعمر، رغم أنه حقق إنجازات هائلة  للمستعمَرة، على مستويات عدة؛ الاقتصادي، والعلمي، والأخطر توسع وتوطيد علاقاته مع الدول الكبرى، ألتي لا تتوقف عند الإمبراطورية الامريكية، بل تمتد إلى روسيا، والصين، والهند، وغيرها، فانه يقف امام المحكمة مثل أي مواطن عادي. صحيح أن سياساته التوسعية، ومأسسة الاستعمار، وقوننته، ستولد نتائج غير متوقعة وتحديات حقيقية أمام نظامه الاستعماري العنصري، يكون مصدرها الوجود الفلسطيني الباقي، وحركة تحرره الجديدة القادمة، لكنها بمنظور غالبية المجتمع الصهيوني، هي إنجازات تاريخية، وغير مسبوقة.

   لن تحدث محاكمة نتانياهو، أو حتى إدانته، تغيراً حقيقيا في وجهة المشروع الصهيوني، فالإنزياح نحو اليمين المتطرف والفاشية ومزيد من التوحش، حاصل على مستوى المجتمع، ونخبه. ولكن هل التأزم الداخلي المتمثل في اتساع الشروخ الاجتماعية، بالضرورة يصب فوريا في مصلحة المستعمَرين، السكان ألأصليين وحركتهم التحررية، وبالتالي اعتماد الانتظار لمزيد من التأزم . ليس بالضرورة ، لانه في ظروف التغطية الدولية المستمرة لهذا المستعمر وفظائعه، وفي غياب وحدة وطنية، ومقاومة شعبية منظمة شاملة، ستظل شراهته للتوسع والقتل، مفتوحة.
    ما يمكن الافاده منه، من الحالة الإسرائيلية، والتجربة الفلسطينية التحررية، والعالمية، هو إعادة التأكيد على أهمية توفير مصادر القوة للشعب الفلسطيني، وللامة العربية، وأولها قيمه التحررية ، ووحدته، وتحرير الانسان، وتحقيق المساواة امام القانون، والعدالة الاجتماعية. كان الكثيرون في زمن الثورة الأول، يتوقعون ان تكون التجربة الفلسطينية، نموجاً في الحكم والديمقراطية والشفافية، واذا بالطبقة التي قادت الحركة الوطنية منذ أواخر الستينات، تعيد انتاج الأنظمة العربية بصورة محزنة.

  إننا أمام لحظة تاريخية، وخطيرة، تستدعي القطع نهائيا مع نهج الفشل والتخريب والفساد، وإنشاء نموذج تحرري عصري، قادر على المقاومة والبناء. هذا هو الامتحان الحقيقي، بل الشرط الأساسي، الذي يجعل قرارت سلطة رام الله، ذات جدوى ومصداقية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير