حدود إختصاصات المحكمة العليا بصفتها الدستورية بشأن الطعون الدستورية- داود درعاوي

02.04.2013 04:58 PM
بداية وحتى لا تتوه المواقف من قرار المحكمة العليا بصفتها الدستورية، برد دعوى النائب محمد دحلان لعدم الإختصاص، وحتى لا يحيد بنا التبرير بما ورد في متن القرار بأن قرار الرئيس برفع الحصانة لا يرقى لمرتبة القانون، وبالتالي يخرج عن اختصاص المحكمة بإعمال رقابتها الدستورية عليه، يتوجب علينا التحليق عاليا في فضاء المشروعية ومبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ خضوع سلطات الدولة لسيادة القانون وعدم تغول أي منها على حدود وصلاحيات الأخرى بما يمس بجوهر دولة القانون.

وللإجابة على إختصاص المحكمة فإننا نستعرض نصوص التشريع وما استقر عليه قضاء المحكمة العليا بصفتها الدستورية بهذا الشان فيما يلي:

أولا: حدود إختصاص المحكمة العليا بصفتها الدستورية:

سنتناول فيما يلي صلاحية محكمتكم الموقرة بنظر الطعن الدستوري الماثل من حيث صلاحية الإنعقاد ومن حيث الإختصاص فيما يلي:

إن للمحكمة العليا بصفتها الدستورية بوصفها الملاذ والحصن الحامي لدولة المشروعية وسيادة القانون وللدستور بوجه اي اعتداء أو مس، لها صلاحية النظر في عدم دستورية أي عمل غير دستوري يصدر عن أي من سلطات الدولة الثلاث.

فقد نصت المادة (103) من القانون الأساسي على:
1- تشكل محكمة دستوريه عليا بقانون وتتولى النظر في:
أ- دستورية القوانين واللوائح أو النظم وغيرها...)، ونلاحظ أن الطعن في دستورية القوانين واللوائح أو النظم جاءت على سبيل المثال لا الحصر بدليل إطلاق النص بعبارة وغيرها.

وهنا نقتبس مما جاء في قرار المحكمة العليا بصفتها الدستورية في الطعن رقم 1/2006، بشأن عبارة "وغيرها" الواردة في المادة 103 سابقة الذكر حيث قررت المحكمة:( وباستجلاء إرادة المشرع والكشف عن مقصوده بعبارة -وغيرها- تلك العبارة التي جاءت على غير المعهود في التشريعات الدستورية المقارنة والتي أوردها في الفقرة (1/أ) من المادة (103) من القانون الأساسي وهو القانون الأعلى الذي وضع لكل من السلطات التشريعية و التنفيذية والقضائية قواعد وضوابط، محدداً وظائفها وصلاحايتها وتخوم كل منها بحيث لا تتجاوز واحدة منها على اخرى أو تزاحم بعضها بعضاً في ممارسة اختصاصاتها – فقد جاءت في باب تحديد اختصاصات المحكمة الدستورية العليا وما تتولى النظر فيه بعد أن سبقتها واتصلت بها عبارات ( القوانين و اللوائح أو النظم) ومعلوم في اللغة أن كل زيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى، ومعلوم كذلك وفق المنطق القانوني السليم ومنهج استنباط الأحكام تنزيه المشرع عن اللغو والعبث، ولذلك يتعين فيها المعنى وفق السياق الذي وردت فيها العبارة وربطها بما سبقها وتبعها من نصوص بما يحقق غاية المشرع وفلسفته.

والذي نراه وفق صريح نص المادتين (103) و (104) من القانون الأساسي أن المشرع جعل الرقابة القضائية الدستورية على كل عمل من شأنه أن يمس الدستور مسا مباشراً ).

كما نصت المادة 24/1 من قانون المحكمة الدستورية على: (تختص المحكمة دون غيرها بما يلي: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة). وهنا لا يمكن تفسير المادة 24 بمنحى ضيق مخالف لنص المادة 103 من القانون الأساسي، ولا بمعزل عن المادة 25 من ذات قانون المحكمة الدستورية والتي جاء فيها :

1. يكون للمحكمة في سبيل القيام بالاختصاصات المنصوص عليها في المادة (24) ممارسة كل الصلاحيات في النظر، والحكم بعدم دستورية أي تشريع أو عمل مخالف للدستور (كلياً أو جزئياً).

2. عند الحكم بعدم دستورية أي قانون أو مرسوم أو لائحة أو نظام أو قرار جزئياً أو كلياً، على السلطة التشريعية أو الجهة ذات الاختصاص تعديل ذلك القانون أو المرسوم أو اللائحة أو النظام أو القرار بما يتفق وأحكام القانون الأساسي والقانون.

3.عند الحكم بعدم دستورية أي عمل يعتبر محظور التطبيق، وعلى الجهة التي قامت به تصويب الوضع وفقاً لأحكام القانون الأساسي والقانون وردّ الحق للمتظلم أو تعويضه عن الضرر أو كلاهما معاً).

أي أن نطاق إختصاص المحكمة العليا قد جاء مطلقا في الرقابة على دستورية أي عمل مهما كان مسماه صادرا عن أي من سلطات الدولة القضائية أو التنفيذية أو التشريعية، وأي يكن مسمى قرار الرئيس برفع الحصانة سواء أكان قرارا فرديا إداريا أو بقرار بقانون طالما أنه تعارض وتضارض مع نص دستوري لإستناده في صدوره على المادة 43 من القانون الأساسي، وأن مناط هذا الإختصاص هو شبهة المخالفة الدستورية التي ينعاها الطاعن سواء عبر الدعوى المباشرة، أو بطريق الإحالة من محكمة الموضوع، أو بطريق التصدي من قبل المحكمة الدستورية لأي نص غير دستوري أثناء نظرها لنزاع دستوري، ويتصل هذا النص بهذا النزاع عملا بأحكام المادة 27 من القانون الأساسي، وأن مناط إطلاق هذه الرقابة هو لحماية نصوص القانون الأساسي في مواجهة أي إنتهاك من أي سلطة عامة في الدولة وذلك إعمالا لمبدأ سمو قواعد الدستور( القانون الأساسي) وتطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات.

ثانيا: حدود إختصاص المحكمة العليا بصفتها الدستورية وفقا لما استقر عليه قضائها.
نستعرض فيما يلي لما استقر عليه قضاء المحكمة العليا بشأن إطلاق حدود إختصاصاتها في الرقابة الدستورية ونشير بذلك لقرار المحكمة العليا ذاتها في الطعن الدستوري رقم 1/2006 بتاريخ 19/12/2006 والذي جاء فيه ( وقبل معالجة موضوع الطعن لا بد من معالجة الدفوع المثارة من قبل وكيل المطعون ضدها، فالبنسبة للدفع الأول الذي مفاده عدم صحة الطعن المتعلق بعدم إمكانية مقاضاة المجلس التشريعي دستوريا باعتبار أن الإجراءات التي اتخذت منه تدخل في صلب عمله البرلماني. وللرد على ذلك فإن كل عمل يقوم به المجلس التشريعي لا بد أن يكون متفقا مع أحكام القانون الأساسي وأن مقاضاة المجلس التشريعي في هذا النطاق إنما يتفق وأحكام ( المادة 103) التي تنص " تشكل محكمة دستورية عليا وتتولى النظر في

أ. دستورية القوانين واللوائح والنظم وغيرها، وبالتالي فإن القرار الصادر عن المجلس التشريعي الحالي يدخل في نطاق الصلاحية للمحكمة الدستورية لمعالجته وبالتالي نقرر رد الدفع). إذا لماذا لم تقرر المحكمة العليا بصفتها الدستورية عدم اختصاصها باعتبار أن قرارات المجلس التشريعي الحالي بخصوص عدم المصادقة على محاضر جلسات المجلس السابق بأنها ليست تشريعا أو لائحة ولا تحمل سمات القاعدة القانونية العامة المجردة وبالتالي لا تقبل الطعن أمامها، إذن لما الكيل بمكيالين في التعامل مع طعن النائب محمد دحلان؟؟.

كما ذهبت ذات المحكمة بذات الإتجاه في الطعن الدستوري رقم 3/2009 بتاريخ 13/4/2010 حيث قررت رد الدفع المثار من النيابة العامة بعدم إختصاص المحكمة العليا بصفتها الدستورية بنظر الطعون في القرارت بقانون، الصادرة عن سيادة رئيس السلطة الوطنية استنادا للمادة 43 من القانون الأساسي بقولها: (والمستفاد من النصين المذكورين - إشارة الى المادة 24 والمادة 27 من قانون المحكمة الدستورية- أن للمحكمة صلاحية مطلقة، وبالتالي فإن هذه الرقابة تشمل القوانين الصادرة عن المجلس التشريعي والقرارات بقانون الصادرة من السيد رئيس السلطة الوطنية طبقا للمادة 43 من القانون الأساسي المعدل وبأن القرارات بقانون غير محصنة من رقابة المحكمة على دستوريتها ولا ينال من ذلك أن يكون مناط إصدارها الضرورة التي لا تحتمل التأخير طبقا لما استقر عليه الفقه وتحقيقا لمبدأ سمو الدستور( القانون الأساسي) الذي تعلو قواعده وتسود على سائر القواعد القانونية في الدولة سواء تشريعا أو لوائح أو قرارات ولما في ذلك من تدعيم لمبدأ الشرعية وعدم الجواز لأية سلطة أو هيئة حاكمة في التصرف فيما منحه القانون الأساسي من اختصاصات).

وعليه ولما كان طعن النائب محمد دحلان قد إنصب على عدم دستورية القرار بقانون الطعين رقم 4 لسنة 2012 والذي تضمن في ديباجته أنه صدر بمقتضى القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته ولا سيما المادة 43 منه، وبمقتضى قانون حقوق وواجبات أعضاء المجلس التشريعي رقم 10 لسنة 2004، والإطلاع على النظام الداخلي للمجلس التشريعي، وحيث جاء في مادته الأولى رفع الحصانة البرلمانية عن الطاعن، وقرر في مادته الثانية إلغاء كل حكم يتعارض مع أحكام هذا القانون، وفضلاعن أنه تضمن في مادته الثالثة عرض هذا القرار بقانون على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها لإقراره.

وحيث ينعى الطاعن على القرار بقانون الطعين مخالفته للمواد ( 2 و 6 و 35 و 43 و 47 و 53 ) من القانون الأساسي وأن سيادة الرئيس باعتباره رأس السلطة التنفيذية قد مارس صلاحيات المجلس التشريعي الحصرية برفع الحصانة البرلمانية وبالتالي مس قراره المذكور مسا مباشرا بالنصوص الدستورية السابقة. فإن مناط إختصاص المحكمة العليا بصفتها الدستورية والحالة هذه قد أصبح قائما، وان مضمون القرار بقانون الطعين يكشف بما لا يقبل الجدل زيف الدفع المثار من حضرة مساعد النائب العام المحترم من أن القرار الطعين هو قرار إداري، فأي قرارات إدارية تلك التي تعرض على المجلس التشريعي لإقرارها؟ وأي قرارات إدارية تلك التي يرد في مضمونها ( إلغاء كل حكم يتعارض مع هذا القانون)؟ وكيف يمكن تسمية هذه المواد بالديباجة التي لا قيمة لها، دون التصدي لعدم دستوريتها.

وأكثر من ذلك فإن المتتبع للائحة الجوابية التي قدمت من النائب العام على الطعن قد دافعت دفاعا مستميتا عن قرار الرئيس برفع الحصانة باعتباره قرارا بقانون وصادر بمقتضى صلاحيات الرئيس المنصوص عليها في المادة 43 من القانون الأساسي، ولم تتطرق النيابة إلى أن قرار الرئيس هو قرار إداري فردي ولا تختص بالرقابة عليه المحكمة الدستورية الى أثناء المحاكمة وبذلك سعت في نقض ما تم من جانبها في لائحتها الجوابية، عدا عن ذلك وحيث أن المحكمة العليا بصفتها الدستورية قد فصلت في حدود إختصاصها في الطعن الدستوري رقم 1/2006 والطعن رقم 3/2009 سابقي الذكر وقررت إختصاصها بالرقابة على دستورية أي عمل يخالف قواعد القانون الأساسي، فإن قضائها في هذه المسألة حجة قاطعة على الكافة لا يجوز للنيابة العامة أو لأي كان المجادلة فيها من جديد ولا تملك المحكمة العودة عما قررته سابقا، حيث نصت المادة 41/1 من قانون المحكمة الدستورية على: ( أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة)، حيث أن هذه الأحكام وبحكم المادة 53 من قانون المحكمة الدستورية وبهذه الصفة تنشر في الجريدة الرسمية لإطلاق حجيته في مواجهة الكافة بمن في ذلك المحكمة الدستورية والتي لا يجوز لها أن تعيد النظر في أية مسائل عرضت عليها وأصدرت حكمها فيها، وذلك عملا بأحكام المادة 41/1 من قانون المحكمة الدستورية. وفي ذلك تقول المحكمة الدستورية المصرية في القضية رقم 160 لسنة 24 قضائية، بتاريخ 9 يناير سنة 2005 م ( وحيث متى كان ما تقدم، وإذ كانت هذه المحكمة سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المثارة فى الدعوى الماثلة بحكمها الصادر بجلسة 20/3/1993 فى القضية رقم 63 لسنة 13 قضائية " دستورية " ،....، وقد نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بتاريخ 8/4/1993 ( العدد 14 ) .

وكان مقتضى نص المادتين ( 48، 49 ) من قانون المحكمة الدستورية العليا أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة فى مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة ، باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أى جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته).

وأن القول بغير ذلك، وكما دفعت النيابة العامة لا يستقيم والمنطق الدستوري، ويعني بما لا يقبل الجدل تجريد المحكمة من إختصاصها الأصيل بإفراد رقابتها على دستورية أي عمل صادر عن أي من السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، إذا ما اقترب من حومة المخالفة الدستوية، لا بل ويفقد الثقة بسلطات الدولة ويطلق الحبل على غاربه ويفتح الباب على مصراعيه أمام تغول وتعسف السلطة التنفيذية بما تملكه من وسائل القهر والإخضاع دون رقيب أو حسيب، مما يهدم أسس دولة القانون وينحدر بدولتنا العتيدة إلى براثن الديكتاتورية ويسقط حكم الشعب، وأكثر من ذلك فإن النعي على قرار الرئيس برفع الحصانة البرلمانية بأنه قرار إداري فردي يحصن القرار ذاته في مواجهة المجلس التشريعي ويسلبه صلاحياته بحكم المادة 43 من القانون الأساسي بمراجعة أية قرارات تصدر عن الرئيس وفقا لأحكام هذه المادة عند أول جلسة يعقدها وهنا تكمن خطورة قرار المحكمة بالتخلي عن إختصاصها الدستوري.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير