الأزمة في العلاقات الإسرائيلية المصرية- بقلم: شالوم بروم

03.09.2011 09:37 AM

في أعقاب الهجوم الارهابي شمالي ايلات في 18 آب نشبت أزمة سياسية بين مصر واسرائيل. فقد خططت هذا الهجوم ونفذته أغلب الظن، المنظمة العاملة في قطاع غزة والتي تسمى لجان المقاومة. ويحتمل أن يكون شارك في التنفيذ أيضا مواطنون مصريون ينتمون الى جماعات جهادية تعمل في سيناء.

منفذو العملية، الذين عملوا ضد مركبات اسرائيلية كانت تسير على الطريق المؤدي من ايلات شمالا وتمر على مقربة من الحدود مع مصر، كانوا يلبسون ملابس تشبه جدا حرس الحدود المصري واجتازوا الحدود على مقربة من موقع حرس الحدود المصري. قوة من الجيش الاسرائيلي عملت ضد منفذي العملية بمساعدة مروحيات قتالية اجتازت الحدود الى سيناء وفي اثناء المعركة مع المخربين اصيب ايضا بعض من رجال حرس الحدود المصرية. الصورة ليست واضحة تماما بعد، ولكن بعضهم على الاقل اصيب بنار الجيش الاسرائيلي.

الانباء عن مقتل جنود مصريين داخل سيناء من قبل قوة اسرائيلية أدت الى مظاهرات عاصفة في القاهرة ضد اسرائيل، في اثنائها كانت ايضا محاولة للسيطرة على مبنى السفارة احبطتها قوات الامن المصرية. وردت حكومة مصر على الضغط الجماهيري بمطلب حازم بالاعتذار والتعويضات من اسرائيل وأعلنت بانها ستعيد السفير المصري من اسرائيل. ولكن رغم استمرار المظاهرة تغيرت الاجواء في غضون يوم واحد. الاعلان باعادة السفير من اسرائيل ازيل من موقع الانترنت للحكومة المصرية وبدلا منه قيل بشكل واضح انه لم يتم التفكير في أي مرحلة باعادة السفير من اسرائيل وان لمصر مصلحة في استمرار عمل السفارة المصرية في تل أبيب.

لهذا التغيير الحاد في السياسة يوجد على ما يبدو سببان. السبب الاول هو ضغط الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية على مصر لعدم العمل بشكل متسرع وكذا الحوار المكثف الذي دار بين اسرائيل ومصر من خلال مبعوثين اسرائيليين وصلوا الى القاهرة لحل الازمة. السبب الثاني هو طبيعة النظام في مصر بعد الاطاحة بالرئيس مبارك. هذا نظام برأسين يسيطر عليه المجلس العسكري الاعلى والحكومة المؤقتة. الحكومة مسؤولة عن الادارة الفنية الجارية للسياسة الداخلية والخارجية والمجلس العسكري يتدخل عندما تكون حاجة الى ذلك. للهيئتين مصالح مختلفة وبالتالي أجندة مختلفة. للمجلس العسكري الاعلى الذي هو حاليا الحاكم الحقيقي توجد مصالح واضحة في الحفاظ على الاستقرار على الحدود الاسرائيلية – المصرية، الحفاظ على اتفاق السلام مع اسرائيل والحفاظ على شبكة العلاقات مع العالم الغربي ولا سيما مع الولايات المتحدة. إذ أن اكثر من ثلث ميزانية الجيش المصري بما في ذلك كل ميزانية التعاظم تأتي من المساعدات الامريكية. لهذه الاسباب نجد أن المجلس العسكري الاعلى ملتزم بسياسة مسؤولة حيال اسرائيل والولايات المتحدة. اما الحكومة المؤقتة بالمقابل فتعرف بان زمنها محدود والمستقبل السياسي لاعضائها سيكون متعلقا، بعد حلها، بالارادة الطيبة للجمهور المصري. وبالتالي، فالامر الاهم بالنسبة للحكومة هو ارضاء الجمهور والاستجابة لكل رغبة له. يبدو أن البيان الحازم الاولي جاء من الحكومة، التي عملت دون التشاور مع المجلس العسكري الاعلى فيما أن الاخير حرص في غضون وقت قصير على الايضاح للحكومة ما الذي يحق لها أن تعمله وما لا يحق لها في هذه المواضيع الحساسة.

اسرائيل هي ايضا كان يتعين عليها أن تقدم مساهمتها لحل الازمة. يبدو أن حكومة اسرائيل تلقت رسائل واضحة من المجلس العسكري الاعلى بانه سيجد صعوبة في أن يعمل ضد الرأي العام اذا ما "عربدت" اسرائيل في غزة ردا على العملية في منطقة ايلات، وبالتالي فان حكومة اسرائيل، التي رغم أنها تعرضت هي ايضا لضغط الرأي العام لديها، عملت بشكل مدروس وحذر في ردود افعالها. ينبغي الافتراض بانه في ظروف اخرى فان الخوف على تآكل الردع الاسرائيلي والميل الى تلقين الفلسطينيين درسا كانا سيؤديان الى رد فعل أكثر حزما بكثير.

من الازمة التي نشبت في اعقاب العملية على الحدود الاسرائيلية – المصرية تتبين عدة مفاهيم مشوقة حول علاقات الدولتين وعهد ما بعد مبارك. أولا، تجسد مرة اخرى ان سيناء أصبحت بؤرة مشاكل محتملة جدية يمكن أن تؤدي الى مس استراتيجي بالعلاقات بين اسرائيل ومصر. سيناء كانت منطقة اشكالية حتى قبل الاطاحة بمبارك، والسيطرة المصرية على سيناء لم تكن كاملة مثلما بينت صناعة التهريب الى غزة، ولكن الوضع بات أكثر بكثير في أعقاب الاحداث الثورية في مصر. بالقبائل البدوية المغتربة عن السلطات المصرية تستغل الوضع لتحقيق مزيد من الحكم الذاتي والتصرف كما يحلو لها. وينضم اليهم عناصر جهادية وجدوا في سيناء ميدان عمل مريح بمن فيهم السجناء الذين فروا من السجون المصرية في اثناء الثورة المصرية. على اسرائيل أن تفكر اذا كانت الترتيبات القائمة بين اسرائيل ومصر مناسبة لمعالجة المشكلة الناشئة في سيناء أم انه ينبغي النظر في ترتيبات جديدة وفي ظل ذلك ايضا فتح الملحق العسكري لاتفاق السلام مع مصر وملاءمته مع الوضع الذي يتعين فيه على مصر أن تحتفظ فيه في سيناء بقوات عسكرية اكبر كي تعالج المصلحة المصرية – الاسرائيلية المشتركة، أي وقف الفوضى واقامة النظام والامن.

ثانيا، يوجد لاعب جديد يلعب دورا هاما في شبكة العلاقات بين مصر واسرائيل، ولا يمكن تجاهله – الجمهور المصري – واسرائيل مطالبة بان تأخذ هذا اللاعب بالحسبان كاعتبار مركزي في رسم سياستها. على قرارات الحكومة أن تختبر ايضا في سياق تأثيرها المحتمل على الرأي العام المصري. الهجمات اللفظية على مصر، والتي تفسر كمس بالكرامة الوطنية المصرية، ليست السبيل الفهيم لمعالجة الرأي العام المصري الذي يتأثر بافعال اسرائيل ضد الفلسطينيين. صورة الوضع هذه تقف على نقيض من التفسيرات التي انطلقت في اسرائيل في اعقاب الثورة في مصر، وبموجبها سيركز المصريون في شؤونهم الداخلية وسيكونون اقل تفرغا للانشغال بعلاقات اسرائيل والفلسطينيين. المعنى المركزي هو أنه في هذا العهد ستكون لاسرائيل اضطرارات اثقل على حرية عملها في غزة.

ثالثا، رغم الوزن المتزايد للرأي العام المصري، لا يوجد تغيير ذو مغزى في المصالح الاساسية لمصر مثلما تراها السلطة ومعظم المحافل السياسية. قد يكون هناك تغيير في الموسيقى ولكن ليس في المضمون: هذا أمر بسببه لم يتغير جوهريا الموقف من ايران وحوفظ على العلاقات القريبة مع الولايات المتحدة. يوجد اجماع شبه عام بان على مصر ان تنفذ اتفاق السلام مع اسرائيل، وحتى حيال حماس لم يطرأ تغيير حقيقي في كل ما يتعلق باجراءات الخروج من غزة الى مصر. كل هذا يدل على أن هناك احتمال لحوار استراتيجي وتفاهمات استراتيجية بين اسرائيل ومصر. تغييرات محتملة في الملحق العسكري لاتفاق السلام بين اسرائيل ومصر يمكن أن تشكل اساسا جيدا لمثل هذا الحوار.

لا توجد أي ضمانة لان يبقى الوضع في مصر كما هو ومحتملة تغييرات سياسية، في أعقاب انتخابات حرة، مثلا، تحدث تغييرات ايضا في تعريف المصالح وعلى أي حال في تعريف السياسة التي ستنشأ عنها. ولكن للاتفاقات السياسية توجد قوة ومن الصعب تغييرها عندما تصبح حقيقة قائمة، وعليه يوجد مفعول للحاجة الى الدخول مع مصر في حوار استراتيجي هدفه الوصول الى تفاهمات استراتيجية، حتى لو كانت حاجة لدفع أثمان سياسية من اجل نجاحه.

تصميم وتطوير