في ذكرى يوم الأرض‏..‏ لا للوطن البديل-اسماعيل هنية

31.03.2013 07:18 PM
رام الله - وطن للانباء: كتب رئيس الحكومة المقالة، اسماعيل هنية، مقالا في صحيفة الاهرام المصرية تحت عنوان، في ذكرى يوم الارض لا للوطن البديل وهذا نصه:

مصر التي في خاطري وفي فمي أحبها من كل روحي ودمي ليست هذه الكلمات ترديدا لبيت من شعر‏,‏ ولكنها تغريدة نفس عشقت مصر‏...‏عشقتها وهي تقلب صفحات تاريخ مجيد‏,‏ وحضارة عظيمة, وتقف في وقار أمام أزهرها العامر بالعلم والعلماء, وتتوشح بدماء الآلاف من شهدائها الأبرار الذين كتبوا تاريخ الأمة بدمهم الطاهر, وحققوا مقولة أنهم خير أجناد الأرض. كيف لا؟

وهم الذين حرروا فلسطين بقيادة صلاح الدين, وردوا هجمة التتار بقيادة بيبرس وقطز في عين جالوت, وكانوا علي مدي التاريخ المخزون الاستراتيجي للأمة وفلسطين, عبروا القناة وهم يصرخون الله أكبر, فمسحوا بها هزيمة الأمة عام1967, وحققوا مقولة الرئيس الراحل عبد الناصر:' ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة'.

فكيف بعد ذلك يتقول علينا في حب مصر والعرفان بجميلها المتقولون, إن ما يربطنا بمصر أكبر من رابطة الجوار, وأكبر من المصالح المادية بين الشعوب, إنها رابطة الإخوة والدين والتاريخ المجيد, ورابطة الغيرة علي أمنها وشعبها, والحرص علي ألا تؤتي مصر من أعدائها أو المتربصين بها وبثورتها. واكتب لكم اليوم يا شعب مصر الحبيب في ذكري يوم الأرض الخالد اليوم الذي سجل انتفاضة شعبنا في الأراضي المحتلة عام48 دفاعا عن أرضهم سنة1976 متحدين الاحتلال بصدورهم العارية مما أوقع العديد من الشهداء والجرحي.

لقد شكلت الأرض ومازالت مركز الصراع وجوهر القضية, وأرض فلسطين دون أي أرض ليست للفلسطينيين وحدهم بل هي وقف لكل العرب والمسلمين.

ولأن هذا اليوم الذي يرمز للثبات علي المبدأ والتشبث بالأرض مهما كانت الدماء والتضحيات المبذولة, فقد كتبت هذه الكلمات إلي شعب مصر العظيم مستحضرا أرواح شهدائها الذين ضحوا إلي جانب إخوانهم من أهل فلسطين في سبيل تحرير فلسطين في كل الحروب علي جبال وتلال القدس وصور باهر والفالوجة وغزة وغيرها, وأهل فلسطين لم يسقطوا شهداء دفاعا عن الأرض فقط, بل رفضا للبديل أيضا, ولو كان هذا البديل أغني وأجمل أرض في العالم, هذه القيمة هي التي دفعتنا إلي رفض التوطين, ومقاومته بكل شراسة, رفضناه في الأردن وفي سيناء وفي لبنان وفي كل مكان, وفضلنا عليه اللجوء مع مرارته في انتظار العودة, صدئت المفاتيح ولم تصدأ الهوية, وتعبت السنون ولم تتعب الروح ومات الأجداد ولم يمت الحلم, ونحن علي العهد ماضون, أفيأتي بعد ذلك كله من يتهم شعبنا بتهمة التفكير في اتخاذ سيناء وطنا بديلا؟

وقد شهدت الدنيا لنا عام أربعة وخمسين كيف أحبطنا مشروع التوطين, وشهدوا علينا أننا أثناء حرب الفرقان والسجيل بدلا من الفرار من وجه الموت كان الفلسطينيون إلي الموت يعودون, بل إلي الحياة يعودون! ويتذكر ذلك اخواننا المصريون, ويشهدون كيف دفعنا ثمنا باهظا, من أشلاء أطفالنا الذين مزقت أجسادهم الطرية قنابل الفسفور علي الهواء مباشرة, وهم في أرضهم صامدون, ورأي العالم كله الرجال والنساء والشيوخ يذبحون ولا يتراجعون, وهدمت المساجد علي رؤوس المصلين الموحدين ولم ترهم يتراجعون, ودمرت المدارس والمصانع والمشافي والجامعات, والمخابز والطرقات ونحن صامدين, ندافع عن المقدسات وعن الأسري وعن كرامة العرب والمسلمين, بسلاح الإيمان وبعض من سلاح صنعنا بعضه بأيدينا. لا أحد من أبناء مصر أو فلسطين يستفيد من تشويه الرجال الذين يهتفون ليل نهار بحب مصر ويدافعون عن أمن مصر, أو تشويه المقاومة التي تدافع عن كرامة الأمة. إننا علي اقتناع تام بأن مصر كانت وستظل قلعة عصية علي الاختراق والتطبيع, وستظل حاضنة للقضية الفلسطينية والمقاومة.

إن الارتباك في المشهد المصري وفي علاقته بفلسطين يثلج صدر العدو فقط, وبدا ذلك واضحا في وسائل إعلامه, وفي تصريحات مسئولية, الذين رأوا أن مصر في طريقها إلي الانهيار بسبب وقوف مصر وقادتها إلي جانب فلسطين وغزة والمقاومة.

إن استراتيجية العدو هي إشعال الفتنة في مصر وبين مصر وفلسطين بهدف ضرب الثورة وضرب القضية, فيما يعرف بنظرية الفوضي الخلاقة التي ابتدعتها كونداليزا رايس, فهل ينجحون؟ ولا أعتقد أنهم سينجحون, وسرعان ما تعود الروح إلي مصر الحبيبة إلي روحها الأصيلة وتنحاز إلي أمتها ليعود لها الأمن والخير, ولتعود لشعبها المحبة والتعاضد, ولدورها المحتضن لقضية فلسطين. إنني أؤكد هنا وفي ذكري يوم الأرض يوم شهداء فلسطين ومصر والأمة العربية:

أن الشعب الفلسطيني وقواه المجاهدة وفي مقدمتها حركة حماس يؤكد أهمية العلاقات التاريخية مع جمهورية مصر العربية, ونحن نشيد بالدعم المصري للشعب الفلسطيني وقضيته خلال العقود والسنوات الماضية ونعتز بالتضحيات العظيمة التي قدمها الشعب المصري من اجل القضية الفلسطينية في إطار قيام مصر بدورها القومي, ونؤكد مركزية الدور الذي تلعبه مصر لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية ونتمسك باستمرار دورها في هذا المجال حتي انجاز الوحدة وإنهاء الانقسام.

كما أننا لا نتدخل في الشأن الداخلي لمصر ولسنا طرفا في أي خلاف سياسي داخل الساحة المصرية, وعلي الرغم من أننا ننتمي لمدرسة الحركة الإسلامية غير أننا نقف علي مسافة واحدة من كل القوي السياسية في مصر, ونري فيها ذخرا وسندا لفلسطين وشعبها, وكل من يحاول التدخل في شئون مصر أو يضمر لها سوءا أو شرا منبوذ من شعبنا وحكومتنا. وأنه لا مساس بالسيادة الوطنية المصرية لا في سيناء ولا في غيرها ولا نسمح لأحد الاعتداء علي هذه السيادة, إذ رفضنا ونرفض التوطين داخل سيناء أو غيرها( فكرة وتطبيقا), فلسطين وطن الفلسطينيين كما مصر وسيناء وطن المصريين, ولا أساس لكل ما يتم الترويج له علي هذا الصعيد.

إننا نعتز ونقدر لجيش مصر العظيم خير أجناد الأرض كما قال المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم- دوره الوطني والقومي وكفاحه الطويل علي جبهة الصراع مع العدو الصهيوني, باعتباره أكبر وأهم الجيوش العربية ودوره المهم في حفظ التوازن الاستراتيجي مع الاحتلال الإسرائيلي, ونؤكد أن شهداء الجيش المصري في رفح هم شهداء فلسطين, وعلي صدورهم أوسمة القدس وبوارق النصر بإذن الله تعالي, وجاهزون للتعاون الكامل لكشف المتورطين بهذه الجريمة النكراء التي هزت كل بيت فلسطيني كما هو كل بيت مصري.

إن الأمن القومي المصري وعاء استراتيجي لأمن فلسطين والمنطقة العربية, وغير مسموح لأي فلسطيني العبث بأمن مصر والحكومة تبذل قصاري جهدها لحماية الأمن المشترك, وأمن الحدود ولا تسمح لأي كان أن يجعل غزة منطلقا للإضرار بأمن مصر وسيناء علي وجه الخصوص, وبهذه المناسبة أود التوضيح أن الأنفاق الحدودية في رفح حالة اضطرارية لجأنا إليها بسبب الحصار الدولي المفروض علينا, ليصل إلي الناس قوت يومهم وسبب صمودهم الدولي, ولا نمانع من إغلاقها في حال توفر البديل الطبيعي من فوق الأرض. وأؤكد بأن مصر لن تري من غزة إلا كل الخير والعزة والصمود والدفاع عن فلسطين وعن حدود مصر الشرقية, وأشير هنا إلي أن مطالبتنا للأشقاء في مصر برفع الحصار عن غزة وتحويل معبر رفح الي معبر للأفراد والبضائع وتزويدنا بالكهرباء والوقود كل ذلك محكوم بالثابت السياسي لدينا وهو أن غزة جزء من الأرض الفلسطينية ولا نقبل أن تلقي غزة في وجه مصر ونحن لا نعفي الاحتلال من مسئولياته, وإنما مطالبتنا الإنسانية وإنهاء الحصار الظالم علي غزة نابعة من نظرة الأخ إلي أخيه الذي يقف إلي جانبه وقت الشدة والعسرة.

وختاما فإننا نتمني من وسائل الإعلام المصري توخي الدقة والمهنية عند تناول الموضوع الفلسطيني بشكل عام وموضوع غزة بشكل خاص, والانتباه من محاولات خلط الأوراق وتعويم المغالطات التي قد تؤدي إلي تأجيج الرأي العام المصري تجاه إخوانهم في فلسطين, مدركين أن دعم الشعب المصري للقضية الفلسطينية, هو عنصر أساسي وركن متين من أركان الصمود والاستمرار في النضال الوطني لإنجاز مشروع التحرير والعودة والاستقلال. حفظ الله مصر وأبقاها سندا وذخرا علي الدوام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير