في ظل تداعيات كورونا الاقتصادية.. قراران بقانون يمنحان كبار المسؤولين امتيازات مالية

28.04.2020 03:22 PM

رام الله – وطن للانباء : بينما بات المواطن الفلسطيني ومنهم العمال وصغار الموظفين عاجزين عن تدبير قوت يومهم، بسبب الظروف والتداعيات الناجمة عن جائحة كورونا، صدر قراران بقانون من الرئيس محمود عباس، أحدهما بشأن تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي، وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 م وتعديلاته، والاخر بشأن تعديل قانون التقاعد العام رقم 7 لسنة 2005 وتعديلاته.

وسيمنح القراران امتيازات مالية وغير مالية لفئة من كبار مسؤولي السلطة، تحديدا من هم بدرجة وزير من رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة ومن في حكمهم.

وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالمواقف الرافضة والمنتقدة لهذين القرارين، اللذين جاءا في وقت لا تتوقف فيه السلطة الفلسطينية ومؤسساتها عن التذمر والشكوى من ازمة مالية تمر بها، بسبب تداعيات جائحة كورونا، في مفارقة غير مفهومة في ظل عدم قدرة على الايفاء بالتزاماتها المالية.

وما زاد الطين بلة، ان نشر  القرارين، جاء بعد ساعات فقط من اعلان رئيس الحكومة محمد اشتية عن ان عجز موازنة الحكومة بلغ 1.4 مليار دولار، الامر الذي اضطرها الى العمل بموازنة  طوارئ متقشفة يتم بموجبها تقليص النفقات والمصاريف في ظل حالة الطوارئ الحالية، وتقديم الحكومة توصية للرئيس عباس بخصم يومي عمل من موظفي القطاع العام، من اجل دعم الجهود المبذولة لمواجهة فايروس كورونا، ومعالجة التداعيات المختلفة الناشئة عنها.

المواطن بقرة حلوب

وقال الخبير القانوني ماجد العاروري لوطن، ان القرارين وبعيدا عن مناقشة مدى قانونيتهما -هذا الامر متروك للمحكمة الدستورية- يعبران عن سوء تقدير، فالقوانين يجب ان توضع لتنظيم حياة الناس والمجتمع، لا ان توضع لضمان مصالح اشخاص محددين وبأثر رجعي، ولذلك اعتقد انهما يفتقدان لصفة القانون.

واضاف العاروري ان القرارين الذين صدرا، فيهما هدر كبير في المال العام ومن شأنهما ان تعيدا الى حفنة من المتنفذين في داخل السلطة الفلسطينية بدرجة وزير اموالا اقتطعت من رواتبهم، وامتيازات سيحصلون عليها.

واوضح العاروري ان التقديرات الاولية غير الرسمية تشير الى ان هؤلاء المتنفذين سيتمكنون من استرداد 25 مليون شيقل من صندوق التقاعد وهذا يشكل خطورة كبيرة على الصندوق وافلاسه ، مضيفاً " ان ياتي هذين القرارين في ظل جائحة كورونا وكل الخسائر التي وقعت في الاقتصاد الفلسطيني، ليقذف ويهدد حقوق المتقاعدين كبار السن فهذا موضوع في منتهى الخطورة".

وتابع العاروري "حين لا يكون لأي قرار بقانون مبررات الاخلاقية، فأنه لا يتم الحديث عن صحة الاجراءات من عدمها، ففي الاصل يجب ان يكون للقرار قبول اخلاقي لدى المواطنين، وبالتالي ما صدر يعبر عن نفس سيء بالتعامل مع المواطنين باعتبارهم بقرة حلوب فقط، يتم الاستفادة منهم وحلبهم، دون ان نوفر حتى العلف لهم ".

وختم العاروري " نحن امام كارثة اخلاقية والنقاش من مجرد الزاوية القانونية هو نوع من الترف، هذا قرار بقانون غير مقبول وفيه مس بالناس وحياتهم وهدر واستيلاء غير مقبول على المال العام، في بلدان اخرى تفتح تحقيقات شاملة في كل الملابسات المتعلقة فيه، وبالتالي على السلطة ان تخرج وتعلن كل تفاصيل وملابسات هذين القرارين،  فهما لا يقلان عن فضيحة زيارة رواتب الوزراء في الحكومة السابقة".

كبار المسؤولين سيستردون كافة المبالغ التي دفعوها

وكان المحامي محمد الهريني، قد كتب لوطن يوم امس مقالا حول القرارين، اكد فيهما ان القرارين بقانون يشكلان سابقة خطيرة في هدر المال العام وأموال صندوق التقاعد الفلسطيني، حيث سيؤديان بالنتيجة إلى زيادة رواتب من هم في درجة وزير بصورة كبيرة ومنحهم رواتب تقاعدية ضخمة دون أن يقوموا بدفع أي استحقاقات تقاعدية وفقا لما جاء بالتعديل بعد اعفاء فئة كبار المسؤولين (بدرجة وزير ومن في حكمهم) من اقساطهم التقاعدية ولما للقرارين من آثار وخيمة على إهدار أموال صندوق التقاعد حيث جاء بالتعديل إعادة الاشتراكات المالية للموظفين ممن يحملون درجة وزير، والمقدرة بملايين الشواقل، واعفاء هيئة التقاعد من دفع رواتبهم التقاعدية.

واكد الهريني في مقاله ان القرارين سيؤديان الى فقدان صندوق التقاعد لملايين الشواقل، وتوقف تدفق المال عليه بنسب كبيرة من الاقتطاعات التي كانت تدفع من هذه الفئه والتي قرر التعديل القانوني تمديد خدمتهم لخمسة سنوات اضافية بعد الستين ، علماً أن هذه الأموال هي حق للموظفين والمتقاعدين ولا يجوز إهدارها لصالح فئة معينة بذاتها ، ويشكل ذلك القرار إهداراً للمال العام وزيادة العبء على الخزينة العامة بحيث تدفع وزارة المالية تقاعداً لهؤلاء المسؤولين ممن يحمل درجة وزير من المال العام، وتستمر الوزارة بدفع رواتبهم بدون اقتطاع لغايات التقاعد، بحيث يزيد راتب كل منهم اكثر من ثلاثة الاف شيقل، وتمديد عملهم لخمسة سنوات قادمة، مع احتفاظ تلك الفئة بتقاعد بنسبة ثمانين بالمئة من راتب الوزير.

ويشكل ذلك القرار زيادة ضخمة على راتب كل من يجمل درجة وزير ، وان التعديل المذكور سيزيد من راتب كل من يحمل درجة وزير حوالي ٣٠٠٠ الاف شيكل، كونه لن يتم اقتطاع اية اشتراكات لغايات التقاعد الذي ستتكفل الحكومة بدفع كامل مستحقات التقاعد، وسيضاف بدل الاشتراك لراتب كل موظف يحمل درجة وزير، ذلك أن هذا القانون سيسري على كل من يحمل درجة وزير ورؤساء الهيئات والمؤسسات ومستشاري الرئيس ومستشاري رئيس الوزراء واعضاء اللجنة التنفيذية ومن يشغل رئاسة مؤسسة من اعضاء اللجنة المركزية، وربما سيشمل المتقاعدين ممن يحمل درجة وزير ايضا، كون القانون الافضل للموظف او المتقاعد سيطبق عليه، وهنا سنكون امام المئات، مما سيهدد بإفلاس صندوق التقاعد، وسيزيد فاتورة الرواتب بشكل مهول، بخاصة ان القانون نُشر وبدأ نفاذه، وكل ذلك على حساب الخزينة العامة وعلى حساب قطاعات الموظفين المهمشة.

واكد الهريني "بلغة اخرى فان كبار الموظفين سيستردون كافة المبالغ التي دفعوها كاشتراكات لصندوق التقاعد محسوبة لهم اي سنوات قضوها في العمل الوطني، وأمام ذلك يبقى السؤال ما هي العبرة لتمديد عمل موظف لخمسة سنوات بعد تجاوزه السن القانونية ؟؟ واعادة كافة اشتراكات التقاعد ومنحه راتباً تقاعدياً من الخزينة العامة على حساب دافعي الضرائب ؟؟؟"

في بلادي فقط الفقراء محكومون بالسياسة وبالقانون وبالوباء

واضاف الهريني في مقاله "إنّ أسوأ ما في هذا القرار بقانون أنه جاء في ظروف حالة الطوارئ، والحكومة تعاني من أزمه ماليه خانقه وفق ما افصحت عنه، وفي ظل عدم مقدرة الحكومة على دفع رواتب موظفيها، وتقوم بصرف جزء من الراتب وتزيد رواتب من يحمل درجة وزير، في الوقت الذي يتم الحديث عن خصم غير مسترد من رواتب الموظفين"، مضيفا "هذا القرار بقانون يذكرنا بما قامت به الحكومة السابقة من زيادة غير قانونية للوزراء آنذاك ولاقت تلك القرارات استياءا شعبيا وضع الحكومة في مرمى الانتقاد ، ورغم ان ما قامت به الحكومة السابقة كان سيطبق على ٢٤ وزير فقط، اما هذا التعديل سيطبق على أضعاف هذا العدد."

واضاف الهريني "الغريب في القانون، أنه لم يرد في متنه تنسيب من الحكومة ان وجد، وهل تفاجأت الحكومة في هذا القرار؟؟ وهل لديها القدرة المالية لتطبيقه؟؟، وما هي التكلفة الحقيقية لتنفيذه ؟؟ وما هو حجم المبالغ المالية التي ردت وسترد لمن يحمل درجة وزير؟؟ علماً بأنه سيكون ما سيسترده كل موظف منهم مئات الالاف من الشواقل."

كلفة مالية جديدة

من جانبه قال الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم لوطن ان القرارين جاءا في غير موعدهما، ولو كانا صائبين ولهما مسوغات كافية، فالتوقيت خاطئ تماما، وبالتالي قد يفهم المواطن العادي ان احدا ما استغل الظرف الذي ينشغل به العالم في محاربة وباء كورونا، من اجل تدبير اموره، و نجح في استصدار هذين القرارين، رغم انه لا ينطبق عليهما صفة قوانين طارئة".

واضاف عبد الكريم " في الوقت الذي تعلن الحكومة ان لديها ضعفا في الخيارات في مواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا،  وتحذر انها لا تستطيع دفع النفقات المستحقة عليها وتلبية احتياجات الناس وتبدي عجزا في تلبية الفقراء الجدد، يصدر هذان القراران، فهذه مفارقة كبيرة، خاصة ان القرارين لهما كلفة مالية حتى لو كانت مؤجلة، ستضيف مديونية وحمل جديد على خزينة هيئة التقاعد او وزارة المالية.

واضاف عبد الكريم ان "هذين القرارين ينصفان فئة هي اخر فئة يجب البحث عن حلول لها ، لانها مرتاحة اقتصاديا ورواتبها خلال الفترة الماضية عالية وتملك خيارات، ولم تعاني من القدرة على عدم العيش"، موضحا ان القرارين يأتيان في هذا التوقيت وكأنهما يقوضان الثقة التي بدأت تكبر في نفوس الناس بادارة الحكومة الحالية للازمة، خاصة ان الحكومة بدأت بخطوات لاستعادة جزء من ثقة الناس التي فقدتها الحكومات السابقة ، وبالتالي اخشى ان تفقد الحكومة هذه الثقة، لانه من الصعب ان لا تكون الحكومة على علم بهذين القرارين، كما ان الاموال التي اخذها الوزراء السابقين والمقدرة بـ 80 الف دولار، واصدر الرئيس قرار باعادتها، لم يتم ارجاعها الا من القلة القليلة منهم.

المبادرة تدعو لإلغاء التمييز لصالح كبار المسؤولين

ودعت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية إلى إلغاء القرارين بقانون المذكورين وإلى إلغاء أي تمييز لصالح كبار المسؤولين عن باقي المواطنين فيما يتعلق برسوم التقاعد.

وشددت حركة المبادرة لـوطن، على ضرورة الغاء أي تمييز ما زال قائما في تقديم مستحقات التقاعد لمن يستحقها حسب القانون ومن منطلق مساواة جميع المواطنين أمام القانون.

وذكرت المبادرة بأن ما جرى يؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة لإجراء انتخابات حرة و ديموقراطية لمجلس تشريعي فاعل وقادر.

الصالحي يدعو الرئيس الى سحب القرارين

من جانبه طالب الامين العام لحزب الشعب، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بسام الصالحي في حديث لوطن، الرئيس محمود عباس بسحب وإلغاء القرارين بقانون  رقم 4  لسنة 2020  بشأن تعديل قانون رقم 11  الخاص بمكافآت النواب والوزراء لسنة 2004، وقرار بقانون رقم 12 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون التقاعد العام رقم 7 لسنة 2005 وتعديلاته.

كما دعا  الصالحي الى إلرجوع عن قرار خصم جزء من رواتب الموظفين وتحويله الى تبرع طوعي من الموظفين ونقابتهم وتحويل أموال التبرع هذه الى صندوق العمال والى ابناء شعبنا في لبنان وسوريا ، كما طالب باقتطاع نسبة من أرباح كبرى الشركات والبنوك  لذات الغرض.

واكد الصالحي ان "توقيت القرارين غير ملائم ، لانه لا توجد اي ضرورة لذلك. هذه القرارات غير موفقة وبالتالي يجب ان تسحب وتلغى وان ينصب التركيز على تعاون الجميع من اجل معالجة القضايا الاكثر الحاحا خصوصا تجاه العمال والاوساط الفقيرة، وتعزيز صمود المواطنين، فهذه القرارات غير صحيحة وتوقيتها غير مناسب ويجب اعادة النظر فيها بشكل سريع."

المساس بالوضع المالي لهيئة التقاعد الفلسطينية

واصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الانسان بيانا اليوم وصل وطن نسخة عنه، قالت فيه انها خاطبت الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتيه بضرورة التدخل لوقف هذين القرارين بقانون، واخضاعهما للمزيد من الدراسة والمشاورات مع جميع الأطراف ذات العلاقة.

ورأت الهيئة أن هذين القرارين بقانون، بما يتضمناه من منح امتيازات مالية (وغير مالية) إضافية لفئة من كبار موظفي الدولة، تحديدا من هم بدرجة وزير من رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة ومن في حكمهم، من شأنها تحميل الموازنة مزيدا من الأعباء، والمساس بالوضع المالي لهيئة التقاعد الفلسطينية، في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة العامة أزمة مالية خانقة وعجزاً خطيراً نتيجة لإجراءات القرصنة الإسرائيلية وأيضا نتيجة للآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا.

وأكدت الهيئة في مخاطبتها أن تمرير هذين القرارين بقانون دون مشاورات مجتمعية مع الأطراف ذات العلاقة، وتوقيت صدورهما في ظل الحاجة إلى مزيد من التقشف وتخفيض النفقات وتعزيز قيم التكافل وتحمل أعباء المرحلة بشكل عادل، من شأنه زعزعة الثقة بالتوجهات والجهود الرسمية الداعية التعاضد وحشد الدعم من القطاع الخاص والعام ومن المواطنين لمواجهة الآثار الاقتصادية للجائحة.

وأشارت الهيئة أيضاً إلى ما أثير من نقاش في وقت سابق حول زيادة رواتب الوزراء، واستمرار المطالبة بإعادة المبالغ التي صرفت لهم، محذرةً من أن صدور هذين القرارين  في ظل وجود فئات واسعة من الموظفين العموميين تعاني شظف العيش، والشكوك حول قدرة السلطة الوطنية على الالتزام برواتب موظفيها، والقرصنة الإسرائيلية لتحويلات الضرائب وانخفاض الجباية المحلية، وتوقع تداعيات قرارات الضم والتوسع، سيلحق الضرر بتلاحم المجتمع وقدرته على الصمود والمواجهة.

تصميم وتطوير