تمديد حالة الطوارىء أم إطاحة بالقانون الأساسي المعدل

03.04.2020 08:09 PM

إعداد: د. عصام عابدين

أصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً رئاسياً بتمديد حالة الطوارىء التي جرى الإعلان عنها بمرسوم رئاسي منذ تاريخ 5/3/2020، ورغم توقيع الرئيس على تمديد حالة الطواىء بتاريخ 3/4/2020 كما يظهر في المرسوم الرئاسي فقد جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي سلفاً بتاريخ 2/4/2020 ومن ثم الإعلان عنه رسمياً في كلمة الرئيس اليوم بتاريخ 3/4/2020، وحيث أننا سبق وأن نشرنا ورقة تفصيلية بشأن مرسوم وقرار بقانون إعلان حالة الطوارىء في جميع الأراضي الفلسطينية، فإننا نُبدي ملاحظاتنا بشأن المرسوم الرئاسي بتمديد حالة الطوارىء على النحو التالي:

1. حقوق الإنسان، طبيعية متأصلة في كل إنسان، بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه ولغته ورأيه، إنها منظومة متكاملة لا تتجزأ (حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية) ولا يجوز التنازل عنها ولا تقوم على التعسف أو التمييز. حياة وسلامة الناس، قبل وخلال وبعد جائحة كورونا، وحقهم في العيش الكريم، والعدالة والحماية الاجتماعية، وعدم التعرض لإساءة المعاملة، وفي حرية الرأي والفكر ، والرقابة على الأداء العام والحصول على المعلومات، وغيرها، لا يمكن التفريط بها وتعريضها للخطر وتفريغها من مضمونها. لا يمكن للمجتمعات المتحضرة أن تقبل التخلي عنها، وعن الدستور، تحت هواجس الخوف، وبدعة الفراغ القانوني؛ وقد جرى معالجتها تفصيلاً في التشريعات العادية. احترام حقوق الإنسان، التي لا تتجزأ، أساس تحرر الشعوب، وأصلُ كرامتها، وصمودها في الأزمات، وطريقها نحو الحق المقدس في تقرير المصير.

2. حقوق الإنسان، فردية وجماعية، لا تقبل التجزئة والمساومة، ولا التنازل عنها أو التفريط بها، في جميع الظروف والأحوال، وهي أساس التضامن والتكافل، والتنازل عنها أو التفريط بها تحت عناوين من قبيل هذا ليس وقت الدستور والقانون والحقوق لأننا في خطر، يعرض حقوق الفرد والجماعة معاً للخطر الشديد والندم عاجلاً أم آجلاً. لا يوجد فراغ تشريعي إطلاقاً في مواجهة انتشار فايروس كورونا، وتشريعات الطوارىء مجرد فوضى تشريعية انتهكت الدستور ومنظومة الحقوق.

3. مرسوم تمديد حالة الطوارىء، يستحضر نصوصاً دستورية وينتهك ذات النصوص التي استحضرها؛ يستند للباب السابع من القانون الأساسي وينتهكه لأنه لا يمنح الرئيس صلاحية تمديد حالة الطوارىء، يستند للمادة (110) من القانون الأساسي وينتهكها لأنها توجب الحصول على موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي على تمديد حالة الطوارىء ولمدة ثلاثين يوماً فقط علماً أنه لم يتم تخطي المدة الدستورية (30 يوماً) في حالات الطوارىء التي أُعلنت في العام 2003 وفي العام 2007 وهي المرة الأولى التي يتم فيها هذا التخطي للدستور، ويستند للقسَم الدستوري للرئيس بالقول "عملاً بواجباتي الدستورية في رعاية مصالح الشعب الفلسطيني رعاية كاملة" على نحو مجتزأ ينتهك نص القسَم الدستوري للرئيس الوارد في المادة (35) من القانون الأساسي (الدستور) ومفاده "يؤدي الرئيس قبل مباشرة مهام منصبه اليمين التالية أمام المجلس التشريعي بحضور رئيس المجلس الوطني ورئيس المحكمة العليا (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن ومقدساته، وللشعب وتراثه القومي، وأن أحترم النظام الدستوري والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب الفلسطيني رعاية كاملة، والله على ما أقول شهيد)". وحيث أنه قد جرى انتهاك النظام الدستوري والقانون فقد انتُهك القسَم الدستوري الرئاسي. وهذا الانتهاك المتمثل بالاستناد إلى نصوص دستورية، وانتهاك ذات النصوص الدستورية، في ذات الوقت، لا تعرفه السياسة والصناعة التشريعية، ولم يُمارس على هذا النحو منذ قدوم السلطة الفلسطينية ولغاية ما قبل صدور هذا المرسوم.

4. تكمن خطورة مرسوم تمديد حالة الطوارىء، في أوجه عديدة، من بينها؛ الاعتداء على مبدأ سيادة القانون وسمو الدستور، والاعتداء على دور المجلس التشريعي الذي جرى حله على نحو غير دستوري، وافتراض وجود فراغ قانوني وأن تشريعات الطوارىء جاءت لحماية أرواح الناس ومواجهة تفشي الفايروس في حين أنه لا يوجد فراغ قانوني على الإطلاق والتشريعات العادية النافذة تُعالج هذه الحالة، على نحو منظم ومفصل، وأشد في العقاب، مما ورد في مرسوم وقرار بقانون حالة الطوارىء ومرسوم تمديد الطوارىء الذي اكتفى بتكرار ما سبق، ويدفع الناس تحت تأثير الخوف من انتشار الفايروس للتضحية بحقوقهم الدستورية، بلا معنى، ولا جديد، سوى الفوضى التشريعية والتفرد بالسلطة وانتهاك الدستور، ويركز فقط على الجانب العقابي ويتجاهل معالجة آلام ومعاناة الناس من التبعات القاسية لأزمة مستمرة تتفاقم يوماً بعد الآخر.

5. وفي المقابل، فإن تمديد حالة الطوارىء ثلاثين يوماً أخرى، علاوة على انتهاكه الصارخ للدستور والحقوق، لا يبدو أنه قادر على تحقيق هدف مرسوم إعلان وتمديد حالة الطوارىء (مواجهة تفشي فايروس كورونا) في ضوء الواقع على الأرض محلياً وعالمياً والبيانات والتحديثات المستمرة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية. فهل سيتم الإستمرار في انتهاك القانون الأساسي بعد انتهاء مدة التمديد وبخاصة أن المشرّع الدستوري لا يسمح بالتمديد إلاّ لثلاثين يوماً فقط ومن خلال المجلس التشريعي فقط؟ وإذا كانت الإجابة نعم فهل هذا يعني أن حالة الطوارىء أصبحت مفتوحة زمنياً وسيتم تمديدها بعد انتهاء المدة بلا مبرر وتحت ستار القرارات بقانون؟ وأن مدة حالة الطوارىء باتت مفتوحة مستقبلاً إذا ما أُعلنت للمرة الرابعة لأسباب أخرى؟ وتمّ الإطاحة بالقانون الأساسي (الدستور) كاملاً باستثناء المادة (43) المتعلقة بالقرارات بقانون.

6. لا أساس لما يتم الترويج له من أن الهدف من تمديد حالة الطوارىء يتمثل في مواجهة فيروس كورونا وحماية الناس من تفشي الفايروس، فالتشريع ليس عصا سحرية، وقانون الصحة العامة لسنة 2004 وتعديلاته عالج النصوص العائمة والمجتزأة الواردة في تشريعات الطوارىء، على نحو منظم وتفصيلي؛ ومن مختلف الجوانب المتعلقة بمكافحة الأمراض المعدية وغير المعدية، والوسائل والإجراءات الصحية اللازمة للتعامل معها من خلال وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات المعنية كافة، ومراقبة معدلات انتشارها وجمع المؤشرات بشأنها، والتدابير الوقائية والعلاجية اللازمة لحصر انتشارها، وبرامج التثقيف الصحي، والإجراءات اللازمة لمنع انتقالها من وإلى دولة فلسطين، وإجراءات فرض الحجر الصحي في فلسطين لمنع انتقال الأمراض الوبائية منها وإليها، وإجراءات عزل المصابين والمشتبه بهم والمخالطين، وإجراءات الرقابة والتفتيش، وفرَض عقوبات جزائية أشد من تلك الواردة في تشريعات الطوارىء. كما أن قانون حماية المستهلك 2005 وتعديلاته نظم وضمن على نحو تفصيلي حقوق المستهلك، وعدم تعرضه لأية مخاطر صحية، وحصوله على السلع بما يتفق والتعليمات الفنية الإلزامية وبشفافية، وحظر وجرّم الغش والغبن والتلاعب بالأسعار واحتكار السلع، وتناول بشكل مفصل سلامة المنتج ونزاهة المعاملات الاقتصادية، وشدد على أهمية دور "المجلس الفلسطيني لحماية المستهلك" في ضمان حقوقه وعدم تعرضه لأية أضرار أو مخاطر (أين دوره في الأزمة الراهنة؟) ودور جمعيات حماية المستهلك، وفرض عقوبات أشد مما ورد في تشريعات الطوارىء تطال كل مَن عرض أو باع أو خزن سلع غذائية فاسدة أو تالفة أو مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو تلاعب بتاريخ صلاحيتها، وكل مَن امتنع عن عرض أو بيع السلع التموينية، وكل مَن صنع أو باع أو عرض للبيع أو وزع أي مواد أو سلع أو معدات تستعمل في الغش أو روّج لها وغيرها من الجرائم المعاقب عليها بعقوبات مشددة. علاوة على سيل النصوص العقابية الواردة في قانون مكافحة الفساد 2005 وتعديلاته وقانون الدفاع المدني 1998 وقانون العقوبات 1960 وتعديلاته وغيرها من القوانين العادية النافذة. وبالنتيجة، لا فراغ، ولا هدف، من تشريعات الطوارىء، أمام تلك الحقائق.

7. إن غياب دور المجتمع المدني الفلسطيني في الدفاع سيادة القانون، وسمو الدستور، والمبادىء والقيم الدستورية، في مواجهة ما يجري من إطاحة بالدستور (القانون الأساسي) ومنظومة الحقوق والحريات الدستورية المكفولة للناس في الاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وما أعقبه من ترويج سبق صدور مرسوم تمديد حالة الطوارىء لسيناريوهات زائفة لما بعد حالة الطوارىء بلا تأصيل ولا أساس دستوري وتنطوي على اعتداء على إرادة المشرّع الدستوري، من شأنه أن يشجع السلطة التنفيذية على الاستمرار في الإطاحة بالدستور، وسموه، وقيمه، وامتهان الحقوق والكرامة الإنسانية.

8. إن من واجب السادة القضاة، رغم النزيف المستمر الحاصل في القضاء، حراسة القانون الأساسي وحماية إرادة المشرّع الدستوري والحقوق والحريات الدستورية المكفولة للمواطنين في القانون الأساسي والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين، وانتهكتها تشريعات الطوارىء انتهاكاً صارخاً، وإنفاذ الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في الأحكام والقرارات القضائية، ووضع حد لتغول السلطة التنفيذية على الدستور والقانون وحقوق الناس، لأن استقلال القاضي حجر الأساس في استقلال القضاء وفي نزاهة النظام القضائي، ولأن الأحكام القضائية تصدر باسم الشعب الفلسطيني.

9. ينبغي على السلطة التنفيذية أن تعلن للناس عن المغزى من تمديد حالة الطوارىء طالما أن الهدف من تشريعات الطوارىء (مواجهة تفشي فايروس كورونا) واردٌ على نحو  منظم ومفصل وأشد عقوبة في التشريعات العادية؟ كيف يُقال والحالة تلك إن الهدف من تمديد حالة الطوارىء حماية الناس من تفشي فيروس كورونا؟ لا يوجد نص واحد في تشريعات الطوارىء لم يرد في التشريعات العادية، ومرسوم تمديد حالة الطوارىء يشكل إمعاناً، ليس فقط في انتهاك الدستور، وإنما في الخروج على السياسة والصناعة التشريعية، نحو المزيد من التفكك في المنظومة التشريعية الفلسطينية وعدم احترامها من الجهات المختصة في ظل حالة الفوضى التشريعية، ولم يتناول على الإطلاق التبعات الاقتصادية والاجتماعية والجوانب النفسية الناجمة عن تفشي فايروس كورونا وهي مكون أصيل في السياسة التشريعية فكيف يمكن تفسير هذا التجاهل؟

10. ينبغي أن تعلن السلطة التنفيذية للناس، مصدر السلطات، بشفافية، خطتها الكاملة للتعامل مع تفشي فايروس كورونا بمختلف مستوياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والأبعاد النفسية، وطبيعة الشراكة مع المجتمع المدني والأدوار والمسؤوليات، وآليات التنفيذ، وسبل الرقابة على الأداء، ودور القطاع الخاص وبخاصة البنوك وشركات الاتصالات والتأمين وصندوق الاستثمار الفلسطيني والشركات الكبرى التي تسيطر على مفاصل الاقتصاد الفلسطيني الريعي في مجال المسؤولية الاجتماعية، والعدالة والحماية الاجتماعية، في أزمة تتطلب مسؤولية أخلاقية ووطنية وقانونية من الجميع. لا يكفي من رئيس الوزراء القول في المؤتمرات الصحفية بأن لدينا لجنة طبية ولجنة اقتصادية تملك رؤية اقتصادية ولجنة لمتابعة أوضاع العمال وصندوق وقفة عز وغيرها؛ دون عرض خطة الحكومة ومخرجات عمل اللجان على الناس لتمكينهم من حقهم في الاطلاع عليها، وإبداء الرأي بشأنها، ومراقبة مدى الإلتزام بها، والإطمئنان على حسن سير التنفيذ على الأرض.

مجدداً، حقوق الإنسان، متأصلة ولا تتجزأ، مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، لا يمكن التنازل عنها، وهي أساس التضامن في مواجهة تفشي فايروس كورونا. ودولة القانون، هي دولة الحقوق والعقل، واحترام سيادة القانون والخضوع لأحكامه وهرمية التشريع وسمو الدستور وضمان الحقوق والحريات وحمايتها من تعسف السلطات العامة وشراكة ورقابة المجتمع المدني، ونقيضها الدولة البوليسية والسلطات المطلقة والتفرد بالسلطة والتعسف في استخدامها وإهدار الدستور والقانون والتغول على منظومة الحقوق. لا فراغ قانوني ولا مبرر لإعلان حالة الطوارىء وتمديدها والإطاحة بالدستور، عشرات الدول لم تعلن حالة الطوارىء في مواجهة الجائحة، والرهان على العقاب وحده بلا خطة خطيئة كبرى، من شأنها أن تزيد من أوجاع الناس وأوضاعهم الاقتصادية البائسة، ولا تؤمّن عوامل الصمود والثبات وظهير شعبي قوي في مواجهة جائحة لا يُعرف متى ستنتهي، وتطحن الاقتصاد الفلسطيني الهش بلا هوادة، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير