القطاع الخاص في ظل الكورونا

02.04.2020 10:58 PM

كتب: بهاء زياد فقهاء


يحكم الحياة المعاصرة الأن مبدأ سيادة القانون بغض النظر عن مصدره أو مستواه في النظام القانوني، وعلى أساسه فانه لا بد على الأفراد أن يحترموا ذلك المبدأ كأساس لمشروعية تنفيذ أعمالهم، ولا بد أيضا على السلطات الثلاث أن تحترم القواعد القانونية وسيادتها سواء أكانت تشريعية، تنفيذية أو قضائية، وأن تستمد مشروعية قراراتها بموجب تلك القوانين كأصل عام، للحفاظ على حقوق وحريات الأفراد، من خلال ضرورة احترام سيادة القانون حيث تخضع لمبدأ المشروعية.

ولا شك بأن الدولة عندما تضع قوانينها، فانها تضعها في ظل الظروف الاعتيادية فيها، بما يتلاءم مع سياساتها والبيئة الداخلية سواء أكانت على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي وغيرها، الا أنه ومن المسلم بأنه لا بد من احتمال وجود حالات استثنائية وطارئة تحول فجأة على الدولة، والتي من شأنها أن تسبب أزمات مختلفة للبلاد، وبذلك لن تتمكن القوانين العادية من أن تفي بالفلسفة والأغراض التي وجدت من أجلها، وعلى ضوء ذلك ولأن لكل أصل استثناء، فقد قامت الدول بالنص ضمن قوانينها على أحد أهم الاستثناءات على مبدأ المشروعية "كأصل عام"، ألا وهو اعلان حالة الطوارئ، وفيه يمنح القانون السلطة التنفيذية صلاحية الخروج عن القوانين العادية لمواجهة تلك الأزمات والتي من شانها أن تهدد أمن الوطن وسلامة المجتمع، وقد سار المشرع الفلسطيني على هذا النهج عندما نص في القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 في الباب السابع منه على أحكام حالة الطوارئ، إذ نصت المادة 110 منه على أنه:

أ) عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً.
وبذلك فان المشرع الفلسطيني قد حدد الحالات التي يجوز فيها اعلان حالة الطوارئ، في حين أنها تعلن بموجب مرسوم رئاسي من قبل رئيس السلطة الوطنية وتم تقييدها بمدة لا تزيد على ثلاثين يوما، ويجوز تجديد التمديد لثلاثين يوما اضافية اذا ما استدعى الأمر لذلك بعد موافقة المجلس التشريعي، مع وجوب تحديد الهدف والمنطقة التي تشملها حالة الطوارئ، مع ضرورة رقابة المجلس التشريعي، في حين لا يجوز أيضا حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ، وهذا ما يشكل مخالفة دستورية في حالة مخالفة ذلك.

وفي يوم الخميس الموافق5/3/2020، أعلن الرئيس محمود عباس حالة الطوارئ في دولة فلسطين، نظرا لمخاطر تفشي وباء كوفيد 19 ما يعرف اعلاميا بفيروس "كورونا"، وهو فيروس شديد العدوى، نظرا لقدرته على ان يصيب أعدادا كبيرة في فترة زمنية قصيرة، مع عدم وجود اللقاح المناسب لمنع  تفشيه، مما يهدد الصحة والسلامة العامة وأمن الشعب، الأمر الذي ارتأى فيه الرئيس وجوب اعلان حالة الطوارئ لتحقق موجباتها، وفوض مجلس الوزراء باتخاذ الإجراءات المناسبة التي من شانها أن تنفذ حالة الطوارئ، وبما يحقق الهدف منها. تبع ذلك التفويض اتخاذ مجلس الوزراء مجموعة من الإجراءات كإغلاق المدارس والجامعات، ومنع التنقل بين المحافظات، واغلاق مدينة بيت لحم التي ظهرت فيها اول اصابات بفيروس كورونا، ومن ثم تبع ذلك مجموعة من الإجراءات الأخرى مثل اغلاق المنافذ الحدودية ومنع الحركة.

ولا شك بأن قدرة الفيروس على الانتشار السريع ستخلق العديد من المخاطر على جميع الاصعدة، وأهمها على الصعيد الاقتصادي، ذلك أن استمرار انتشاره مع حالة عدم القدرة على الحد منه، سيؤدي لاضطرار الحكومة لأخذ اجراءات جبرية من شأنها أن تساعد في الحد من انتشار الفيروس، وهذا ما سيؤثر حتما على الوضع الاقتصادي بشكل عام وعلى الأفراد والقطاع الخاص أيضا، حيث سيتم تعطيل العمليات الانتاجية في الدولة، كما سيتم تشويش سلسلة القيمة في زمن باتت فيه مكونات السلع تصنع في العديد من الدول، مما سيؤثر على العديد من القطاعات ومنها قطاع التجارة الخارجية والصناعات، والتجارة الداخلية والقطاع الخاص، وأصحاب المنشأت الصغيرة،  خاصة في ظل ضعف الامكانيات الاقتصادية الفلسطينية، وقلة مواردها، عدا عن سيطرة الاحتلال على الجزء الأكبر منها، وعدم قدرة الفلسطينيين على السيطرة على حدودها، فكل ذلك جعل منها منظومة هشة في مواجهة الفيروس، الا أنها فقط تعتمد على القطاع الخاص من خلال استثماراتهم المتواضعة في توفير التجهيزات اللازمة، وفرض الحجر الصحي، وعرقلة التواصل فيما بين الأماكن ومنع التجمعات، وذلك لا يعد كافيا، اذ أنه سيستنزف جهد  القطاع الخاص وطاقاته الى أن يصل الى حد الانهيار، لذلك ومن هذا المنطلق يتوجب التفكير في طرق لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، حتى لا تصل الأمور الى هذا الحد، وحتى يتم تدارك الأمور بأقل ضرر ممكن.

فصحيح أن الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاد بسيط يعتمد على المشاريع الصغيرة ذات الانتاج الصغير كالمشاغل والمحلات التجارية وغيرها، وأيضا على العمال الذين يعملون لدى الاحتلال الاسرائيلي، الا أن ذلك يشكل خطرا محدقا على الاقتصاد الفلسطيني، وهذا ما يؤثر سلبا على مستوى الأفراد والشركات أيضا، فقد تصل بعض الشركات الى حد الاغلاق، ومن المؤكد بأن المشاريع الصغير -والتي يعتمد عليها الاقتصاد الفلسطيني- لن تتمكن من الاستمرار، الأمر الذي سيؤدي حتما الى اضعاف المنظومة الاقتصادية بشكل كبير، خاصة في ظل تعطيل الامداد العالمي للسلع، ومن ناحية أخرى تباطؤ الطلب على معظم السلع والخدمات، نظرا لانخفاض مستويات الدخل وقلة المستهلكين، وعدم وجود السيولة الكافية التي من شانها أن تطيل أمد الشركات، وتسيير أمور الأفراد المعيشية، وهذا ما يسوق الى أوضاع أشد خطورة من انتشار الوباء، الى أن تصل –من الممكن- الى الحد ارتفاع نسب الجريمة في الدولة.

لذلك وجب على واضعي السياسات اتخاذ العديد من الخطوات على الفور، لتدارك ما نحن مقبلون عليه وفق الوضع القائم، فيقع عبء مواجهة أثار الفيروس الاقتصادية على عاتق الحكومة في المقام الأول، وعدم الاكتفاء بمنع تفشي المرض، فقد قامت سلطة النقد مؤخرا بوضع العديد من التعليمات التي من شانها أن تنظم العمليات المصرفية والائتمان، من خلال سياساتها النقدية، الا أن ذلك غير كاف أيضا فالتبعات الاقتصادية سيدفع ثمنها غاليا فيما بعد الأزمة عند تقليل سعر الفائدة، فتزداد القروض، ومن الممكن أن تزداد التعثرات، وفي ذات الوقت المشاريع الصغيرة والقطاع الخاص بحاجة للأموال في هذه الفترة، فالابقاء على سعر الفائدة مرتفعا أيضا يؤثر سلبا عليها على المدى القريب، وبالتالي فان التغيير بسعر الفائدة سواء بالزيادة أو النقصان غير مجد في هذه الحالة، كما أن تقلصات الطلب اثر تداعيات عدم اليقين الاقتصادي حول الفيروس، تحدث اضطرابات على مستوى الطلب وسلسلة التوريد العالمي، مما يثقل كاهل الأسر بالديون، حيث يجب سداد هذا الدين حتى في ظل تباطؤ العمليات الاقتصادية "ضع حلا ان أمكن"
ان فيروس كوفيد 19 "كورونا" يسلط الضوء مباشرة على صانعي السياسات، لمواجهة الفيروس بطريقة بناءة وسريعة، حيث يتحتم على صانعي السياسة التحلي بالهدوء والتفكير بأفضل سبل من شأنها أن تتأكد من أن الاضرار التي يتعرض لها العمال والشركات العاملة في كافة القطاعات، سيتم تقليلها الى الحد الأدنى، وتحقيقا لهذه الغاية نوصي بالأتي:

أولا: وضع المزيد من الموارد والجهود للصحة العامة:
تحتاج الحكومة الى دعم العديد من الخدمات الطبية التي عادة ما تكون مجانية، كدعم للجهود الفورية التي من الممكن أن تخفف من وطأة أثار الفيروس، أو خفض العوائق أمام الفحوصات كعمل الفحص مجاني التكلفة، وتوعية الناس بعدم الخوف من الدخول للمشفى وعمل الاختبارات اللازمة، كما يجب تنظيم وتخزين كل ما يلزم من معدات طبية حتى تصل لأكبر عدد ممكن، وبناء المراكز المختصة للحجر الصحي ومنع حركة المشتبه بهم بشكل أكبر من ما هو عليه الأن.

ثانيا: طمأنة الشركات بأنها ستكون على ما يرام ان تضررت بسبب إجراءات الحكومة في محاربة الفيروس، وان الحكومة ستتولى اصلاح هذا الضرر عند الضرورة:
يجب على الحكومة الفلسطينية أن تعمل على التدابير التي من شانها أن توفر المساعدة الفورية والمباشرة عند الحاجة، فعلى سبيل المثال: ستعاني المنشات الصغيرة من فقدان السيولة وبالتالي يجب توفير قروض منخفضة الفائدة للشركات الصغيرة الواقعة في مناطق الحجر الصحي، أو تقديم تسهيلات من خلال المصارف الاسلامية وفرض نسبة ربح بسيطة جدا، على أن يكون استيفائها بعد فترة زمنية كافية بحيث تكون عادلة للأطراف، مع ضرورة تعامل الأطراف بكامل المسؤولية بالايفاء كل منه بالتزاماته. كما يمكن للحكومة ان تقوم بفرض ضريبة دخل أعلى على الشركات الضخمة وأصحاب رؤوس الأموال في الدولة، مقابل تخفيضها على أصحاب المشاريع الصغيرة، حتى تتمكن الحكومة من دعمهم والابقاء على دورة حياة مشاريعهم، الأمر الذي سيؤدي أيضا الى السماح للعمال بأن يذهبوا لعملهم دون الحاجة لاقتطاع أجزاء من اجورهم، أو أن تتمكن من منحهم اجازات مدفوعة الأجر، مع تقديم الحكومة لبرامج تأمينية مصممة خصيصا للشركات وأصحاب المشاريع المتضررين من إجراءات الحكومة لمجابهة الفيروس.

ثالثا: تخفيف المخاطر على الأسر والمستهلكين:
يجب على الحكومة اتخاذ العديد من الخطوات التي من شانها أن تساعد المستهلكين والأسر قليلة ومتوسطة الدخل، حيث يشكلون ركيزة أساسية في تحريك عجلة الاقتصاد نحو الأمام، فيمكن للحكومة أن تقوم باعفائهم من الفواتير الدورية الشهرية و/أو تأجيلها بالتنسيق مع الجهات المختصة والقادرة على ذلك، كشركة الكهرباء والاتصالات والبلديات، فذلك يمكنهم من ضمان قدرتهم على تحمل ضرورات الحياة، والقدرة على الاحتفاظ بحياتهم الخاصة دونما التوجه نحو أفعال تكون اشد وطأة من الفيروس.
فوضع السيولة في جيوب تلك الأسر يزيد من قدرتها على الاستهلاك، الأمر الذي يحفز الشركات على الابقاء على استثماراتها، والتقليل من حدة الأثر الاقتصادي للفيروس عليها، وهذا ما يشكل دعامة رئيسية نحو النمو الاقتصادي، والاستثمار بشكل فاعل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير