عودة تركيا الى موقعها-طارق خضر

27.03.2013 06:12 PM
رام الله-وطن: مع موافقة رئيس الوزراء الصهيوني النزول عن الشجرة، التي صعد اليها عقب احداث اعتداء الجيش الصهيوني على المتضامنين الاجانب مع فلسطين، والمطالبين برفع الحصار عن غزة على متن سفينة مرمرة، عبر تقديم الاعتذار، وما يعنيه ذلك من تحمل المسؤولية الاخلاقية والقانونية، وتلقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان هذه الخطوة الاسرائيلية، وقبول الاعتذار وبدء الاجراءات لعودة العلاقات الطبيعية بين تركيا والكيان الصهيوني، والتي اساسا لم تتأثر الا في شقها الديبلوماسي اي سحب السفراء واغلاق السفارات. حيث ان غرفة العمليات العسكرية المشتركة والواقعة في مقر وزارة الدفاع التركية في انقرة، بقيت تعمل بشكل طبيعي في التجسس على سوريا عبر تكنولوجيا اسرائيلية متطورة متمركزة على طول الحدود التركية السورية. وكذلك عملية التنسيق العسكري المشترك والتحليل للمعلومات بقيت مستمرة كما كان سابقا عبر لجان الناتو، اما عمليات التدريب لسلاح الجو الصهيوني والذي كان يستعمل الاجواء التركية الشاسعة كساحة تدريب، فقد تم تجميدها ولم يتم اغلاقها نهائيا امام الطائرات الاسرائيلية، وشارك خبراء وقادة امنيين اسرائيليين الى جانب نظرائهم الاتراك ضمن المناورات المشتركة لقوات حلف الاطلسي، والتي تجري سنويا على عدة جبهات في اوروبا. اما على الصعيد الاقتصادي فان حال السياحة والتجارة لم تتقلص نتيجة توتر العلاقات الديبلوماسية بل انها زادت .

موقف اردوغان من العدوان الصهيوني الاول والثاني ( 2008+ 2012) على غزة جعل منه بطل في نظر الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية ورفع من نسبة تأييده بين الشعب التركي الذي يقف بغالبيته بالأساس موقفا معاديا للامبريالية الامريكية وربيبتها اسرائيل. موقف اردوغان حمل في طياته هدفان في ان واحد، الهدف الاول يحمل رسالة الى أوروبا التي ترفض ان تكون تركيا جزء منها وجزءا من سوقها ونظامها الذي بدء يتشكل وصولا الى اوروبا الموحدة، فرغم كل الخدمات التي قدمتها تركيا الى الامبريالية العالمية كعدو لدود للاتحاد السوفيتي السابق، وقبولها ان تكون خط الدفاع الاول عن اوروبا الغربية في حال نشوب نزاع مسلح مع دول المنظومة الاشتراكية، عبر امتلاكها لأكبر جيش في اوروبا الغربية، وثاني اكبر جيش في حلف الناتو بعد الجيش الامريكي ( عدد الجيش التركي يفوق 700 الف جندي). هذه الخدمات كلها كان ثمنها ان توضع خطط لدمج تركيا عبر مجموعة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للتوائم مع القوانين الاوروبية، وهذه الخطط ترسم لتركيا منذ العام 1973 وحتى اليوم، بينما لم يستغرق هذا الوضع مع دول مثل بولندا او رومانيا او تشيكيا سوى عامين اوثلاثة اعوام. اذن اردوغان استغل توجهه الى الشرق العربي والإسلامي ليقول لاوروبا الغربية انه بعد ان يصبح لاعبا أساسيا في الشرق الاوسط، ومن موقع القوة الذي تركيا تبرز كدولة اقليمية في ظل تنامي الدور الإقليمي لايران في هذه المتغيرات ستتغير المعادلة، والغرب سيركض خلفها ولن تتسول تركيا مجددا بطاقة عضوية في الاتحاد الاوروبي. اما الهدف الثاني لتوجه تركيا الى الشرق العربي فكان هدفا اقتصاديا، حيث ان نمو الاقتصاد التركي لعدة سنوات بنسبة نمو تراوحت ما بين 7-9% تطلب الامر فتح اسواق جديدة للصناعات التركية التي لا تستطيع ان تنافس الصناعة الاوروبية في عقر دارها، لكنها تستطيع أن تنافس في اسواق دول اخرى نتيجة تدني سعرها عن البضائع الأوروبية، هذا ساهم في رفع ومضاعفة الميزان التجاري التركي مع الدول العربية والذي يزيد عن 40 مليار دولار في عام 2012، إضافة للتبادل التجاري مع العراق والتي تزيد عن 30 مليار دولار، يضاف اليها عدة مليارات اخرى يتم التبادل التجاري فيها بين تركيا والعراق عبر تهريب النفط مقابل إعادة قيمته بضائع مهربة من تركيا.


سياسات اردوغان هذه ساهمت في رفع نسبة الثقة بتركيا في العالم العربي وتجاوز المرحلة الاستعمارية العثمانية وتداعياتها وسياسات الحكومات الاتاتوركية حيث كانت تركيا من اوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني عام 1948، واصبح العلم التركي يرفع في التظاهرات واسم اردغان يهتف به بالمسيرات هذا على المستوى الشعبي، اما على المستوى الرسمي فقد اثبتت تركيا لحلفائها الاطلسيين ( تركيا عضو مؤسس في حلف الناتو منذ تاسيسه)، انها هي المفتاح للتغيير في العالمين العربي والاسلامي من خلال تقديم نفسها على انها دولة اسلامية يقودها الاخوان المسلمين وعلمانية متحالفة عضويا مع الامبريالية الامريكية والغرب عموما. اما على الصعيد الرسمي العربي فقد بدأت تركيا بحضور اجتماعات القمم العربية ووصل الامر بمطالبة البعض بضمها الى الجامعة العربية كعضو مراقب. وهكذا دخلت تركيا كلاعب اساسي في الساحة العربية سياسيا واقتصاديا في البداية ومن ثم عسكريا ومخابراتيا وتطور الامر كما هو الامر حاليا الى دور المقرر للنظام السياسي الذي يعد لسوريا.


مع تطور الاحداث وازدياد التدخل الاستعماري في سوريا والتسليح لما يسمي بالمعارضة السورية لم يعد مسموحا لتركيا ان تبقى اللاعب الكبير الوحيد في الساحة التركية( حيث ان بقية اللاعبين الصغار من امثال قطر والسعودية.... هم اذناب تابعين وليس مقررين) وهنا كان لا بد من تنسيق الجهود بين تركيا واسرائيل كلاعبين اساسيين للضغط على سوريا عبر الجبهة الشمالية والجنوبية الغربية. وهذا ما استدعى التدخل الامريكي المباشر عبر الرئيس اوباما للضغط على نيتانياهو للقبول بالاعتذار والعودة للتنسيق المشترك بين الطرفين التركي والاسرائيلي. الرفض الاسرائيلي للاعتذار لم يكن ناجما فقط عن تنصل اسرائيل من الالاف الجرائم التي ارتكبتها منذ زرعها في فلسطين لاهداف استعمارية وعنجهيتها واعتبارها دولة فوق القانون فقط، بل ان اسرائيل بهذا الاعتذار تقر على مضض بدور تركيا كقوة اقليمية منافسة بعد ان كانت ترفض ان ترى اي قوة اقليمية مقررة في المنطقة غيرها.وربما يأتي في ذات الجهود والمخططات استقالة الحكومة اللبنانية لاعادة خلط الاوراق ولتشكيل نقطة ضغط جديدة من الجهة الغربية لسوريا لتمكين عملاء اسرائيل في لبنان من المساهمة في القيام بدورهم التخريبي في سوريا.


هكذا نرى ان عودة العلاقات التركية الاسرائيلية وبالسرعة التي تمت مرتبط بتنسيق الجهود للتدخل العسكري في سوريا، سواء بصورة مباشرة او عبر العملاء والوكلاء في الساحة السورية بمسمياتهم المختلفة الجيش الحر... جبهة النصرة... لواء اليرموك...كتائب السنة... . واعاد اوباوما في زيارته الاخير ترتيب وخلط العديد من الاوراق السابقة في المنطقة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير