يوم الأرض وهبة أكتوبر والتوصية

29.03.2020 08:01 PM

كتب: عوض عبد الفتاح

انتابني شعورٌ ونحن  تحت القصف الإعلامي المركز منذ ظهور ما حصلت عليه القائمة المشتركة، من المقاعد في الكنيست الإسرائيلية، أن كل المسيرة الطويلة لنضال الفلسطينيين داخل المنطقة المستعمرة منذ عام ١٩٤٨ ليست إلا أحداث تاريخية غير ذات شأن . وهذه النتائج ، بالفعل، تستحق الاحتفاء، على الأقل من منظور من لايزال يرى في المشاركة في الكنيست، وسيلة العمل السياسي الرئيسية المتوفرة.

غير أن ما لا يستحق الاحتفاء به، بل الإدانة، هو التوصية التي قدمتها القائمة المشتركة لمجرم الحرب، بني غانتس، وما يترتب عليها من عواقب، على مستوى الوعي الجماعي والذاكرة التاريخية.

لم تكن تلك النتائج الانتخابية حصيلة معركة شعبية ميدانية، ولا تضحيات كبرى، في مواجهة شاملة مع قوات القمع الصيونية، وليست هي منعطفاً تاريخيا. واذا ما كان هناك منعطف تاريخي، في مجال الممارسة البرلمانية، فهو وصول حزب عربي قومي يتحدى يهودية الدولة الى الكنيست عام ١٩٩٦، وتشكيل القائمة المشتركة في المرة الأولى ، عام ٢٠١٥.

واذا كان نجاح التجمع الوطني الديمقراطي، في تغيير الخطاب السياسي، عند العرب في الداخل ، قد أشبع تقييماً، ونقداً، إيجاباً وسلباً،( في الدوائر الفلسطينية، والعربية ، والإسرائيلية)، وبات مرجعاً لكل باحث في تحولات التجربة السياسية لفلسطينيي الداخل، فإن العبرة الأساسية من إقامة القائمة المشتركة وخوض الأحزاب العربية مجتمعةً، قد تم تضييعها في فوضى حساب المقاعد والتخلي عن القيم. والعبرة هي خلق وحدة في ظروف الانقسام الفلسطيني الكارثي، وكذلك حالة الاستقطاب العمياء التي اثارها تحويل الثورات العربية إلى حروب أهلية، وطائفية، ومذهبية. وعشية تلك الانتخابات، أي عام ٢٠١٥، سألنا أحد قادة السلطة الفلسطينية، بعد أن قدمنا واجب العزاء بوفاة الشهيد زياد أبو العين في مدينة رام الله، وكنا وفداً من التجمع، لماذا تصرون على قائمة مشتركة، ولماذا لا تخوضون الانتخابات بقائمتين. وكان المسئول ومعه أيضا مجموعة نواب وزراء، ينقلون رأي الجبهة والعربية للتغيير، اللتين ناهضتا الفكرة بشدة . وأظهر هذا المسئول، اعجابه بالمنطق الذي  طرحناه، بل طلب مني تلخيص النقاط التي طرحتُها في تسويغ فكرة القائمة المشتركة، مكتوبة، وارسالها إليهم في اليوم التالي لبحثه على المستوى الرسمي ، وهذا ما فعلته، دون تأخير . والحقيقة، رغم نقدنا الشديد لسلطة رام الله، فإننا اردنا أن يضغطوا على المعارضين للفكرة، لا ان يشجعوهم على الهروب من الفكرة كما كانوا يفعلون في السابق. وتولى جمال زحالقة متابعة الاتصالات مع الجبهة، ومن ثم تشكل وفد رسمي من التجمع لادارة التفاوض مع الأحزاب الاخرى على تركيب القائمة.

غير أن هذا المشروع الوحدوي، ما لبث أن بدأ يتقوض، من داخله، علي يد القوى التي كانت في الأساس مناهضة للفكرة، من خلال المنافسة الشخصية بينهم، او من خلال سرقة مقعد التجمع ، والأخطر من خلال الهبوط بالخطاب السياسي.

ليست انتخابات للكنيست في آذار ٢٠٢٠، محطة تاربخية . لدينا محطتان تاريخيتان كبريان جسدتا وحدة الفلسطينيين، تستحقان أن نذكرهما ونستعيد معانيهما، ونبني على دروسهما، خاصة في ظروف التهتك الوطني والاخلاقي. هما يوم الأرض عام ١٩٧٦، وهبة القدس والاقصى، أكتوبر ٢٠٠٠. والحقيقة انه أيضا جرت محاولات حثيثة لتفريغ هاتين المحطتين من مغزاهما.

هبّة يوم الأرض، كانت تلك المواجهة التي أطلقها فلسطينيو ال ٤٨، دفاعاً عن الأرض، فامتدت الى الضفة والقطاع، موحدة الشعب الفلسطيني بأكمله. كانت تلك مفارقة مدهشة، أن يكون هذا الجزء من شعبنا الفلسطيني، الذي شكّك الكثيرون من التجمعات الفلسطينية الأخرى في وطنيته، مولّداً هبّةً عارمة في كل فلسطين التاريخية، وأن يتحول هذا اليوم إلى ذكرى وطنية ، تُحيا سنويا من قبل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. لم يضع هذا اليوم الدامي، ستة سهداء ومئات الجرحى، حداً لسرقة الارض وإستعمارها، ولكنه ولّد ديناميات جديدة على مستوى الفعل الوطني وبلورة الهوية الوطنية الفلسطينية.

أما المحطة الوطنية الشاملة الثانية  فهي هبة القدس والاقصى. وهذه الهبة فاقت هبة يوم الأرض، بمقاييس كثيرة. الأول؛ أنّها كانت إستجابة جماهيرية قلّ نظيرها، لنداء شعبنا الذي كان ينتفض من أجل دحر الاحتلال والاستيطان، أي لم يكن السبب المباشر مصادرة أراضي كما كان في يوم ألأرض، انما من أجل القضية الفلسطينية ككل. الثاني؛ سقوط عدد كبير من الشهداء، ١٣، ومئات الجرحى ، ومئات المعتقلين. الثالث، طول مدتها ، اذ استمرت لثمانية أيام . الرابع؛ شموليتها، أذ كانت شعبية بكل المفاهيم، بمشاركة الشباب والكبار والنساء.

إن إستحضار هذين الحدثين المؤسسين، والغوص في معانيهما، يكتسب أهمية خاصة في هذه الظروف. لأنّ من شأن ذلك أن يُفرمل الانحراف والتهوّر، ويوقظ الوعي مجدداً، باننا شعبٌ نخوض معركة وطنية تحررية تاريخية ولسنا ناخبين، او مهاجرين. واننا لسنا مطيةً لأي من  مجرمي الحرب الصهاينة.

المجد والخلود لشهداء  يوم الأرض، المجد والخلود لشهداء الانتفاضة الثانية، وشهداء النضال الفلسطيني منذ انطلاقه

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير