حضر وغادر اوباما وترك لنا خفي حنين- سامر عبده،عقروق

25.03.2013 04:10 PM
لعلنا جميعا نعرف قصة خفي حنين، قصة الأعرابي الذي ضحى بناقته وما عليها من متاع ذلك انه لم يستطع ان يحسن الحكم على ما يواجه ولم يحسن التقدير، وهذا حالنا على ما أرى ويرى معي الكثيرين من زيارة اوباما إلى دولة فلسطين، وأقولها بتحفظ هذه المرة، لماذا ؟ لعدة أسباب وردت في ما قاله اوباما، وفي عدد من الكلمات والإجراءات البروتوكولية التي رافقت هذه الزيارة، وباستثناء مبلغ 500 مليون التي ستحول إلى خزينة الدولة، فان الثمن الذي دفعناه غاليا جدا وفاحشا، ويتجاوز مبلغ ألاف مليارات الدولارات، والخوف مما سندفعه أو سنضطر إلى دفعة كالعودة غير المشروطة للمفاوضات مثلا.

اسمحوا لي بداية ان أسجل استنكاري واستهجان الكثيرين في الشارع الفلسطيني على موافقة الذين اتفقوا مع الأمريكان على جدول الزيارة لاوباما، وكيف وافقوا ان لا يزور اوباما ضريح القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والكثيرين اعتبروا ذلك بمثابة اهانه لتاريخ نضال الشعب الفلسطيني بمجملة لما يمثله الرجل، وتجاهل لمكانة هذا الرجل الفذ في تاريخ النضال الشعب الفلسطيني، سيقولون لك لكنه انحنى للعلم وللسلام الوطني، نعم اتفق معكم ، ولكن، هل توافق الصين ان يزورها اوباما دون ان يضع إكليل زهور على قبر ماو، أو هل تقبل فنزويلا ان يزورها دون وضع إكليل على قبر تشافيز، اعتقد أننا تهاونا كثيرا بحقنا وحق رجالنا.

حقيقة أقولها أنا من المتشائمين من زيارة اوباما ومما سينتج عنها خلال الأسابيع والأشهر القادمة، وكان عمي، والد زوجتي يقول لي دائما ( القائد المحنك يحسب لأسوأ الظروف)، وسأعرض معكم لعدد من الأمور التي وردت جهارا نهارا في مؤتمرات اوباما الصحفية:

لقد قالها اوباما صريحة وفي أكثر من موقع انه يؤيد، ويدعو، ويجب على الفلسطينيين ان يعترفوا بدولة إسرائيل اليهودية، والغريب في الأمر ان واحدة من هذه التصريحات جاءت على أراضي دولة فلسطين التي عانت، وما زالت تعاني من قضية إجبار ما يزيد عن 6 مليون إنسان فلسطيني ان يعيشوا حالة الاغتراب في دول الشتات، وفي ظروف غير إنسانية وما يجري في سوريا هو حالة يومية، وهؤلاء لهم حقوق منصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها ومعاهداتها الدولية، والكارثة الكبرى ان مثل هذه الدعوة تحمل بكل معانيها دعوة إلى التمييز العنصري القائم على أساس الدين، فهناك ما يزيد عن واحد ونصف مليون إنسان فلسطيني من المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل العام 1948، وهناك الدروز وغيرهم من الطوائف، فما مصير هؤلاء في ظل شرعنه وإضفاء الصبغة القانونية على دولة التمييز العنصري القائم على الدين وعلى مفهوم المواطنة ، والمواطن من الدرجة الثانية والثالثة آنذاك.

ما يعنيني ويشدني كفلسطيني، هو كيف سنرد كفلسطينيين على هذه القضية التي ستضع مصير 1.5 مليون فلسطيني في مهب الريح، وسيكونون معرضين للترحيل والتهجير القسري، وبطرق أبشع بكثير من تلك التي اتبعت في أعوام 1846-1948 من مذابح وتدمير وحرق بيوت وبيارات وقتل جماعي للسكان، وفي هذه المرة بمباركة من السيد اوباما والكونغرس الأمريكي ويبدوان ان الرئيس اوباما لم يعرف أو يقرأ الكثير عن هذه الانتهاكات، أين سيكون مستقبل هؤلاء، وأين سيتم إلقائهم، وكيف ستكون حياتهم وقسوتها حتى لو بقوا في ظل هذه




الدولة اليهودية المقترحة، الغريب ان هناك ادعاء كبير بان دولة الاحتلال هي دولة ديمقراطية.
احد الأمور المثيرة كذلك ان هناك تهاونا كبيرا وواضحا من موقف اوباما من الاستيطان غير الشرعي، هل هو وقف، أم تأجيل لبحث هذه القضية، والجدار وأثاره العنصرية، وقتل بيت لحم من خلال الجدار الجديد والعزل الذي سيتم للمدينة كما تم اغتيال القدس، ودولة الاحتلال تعمل في إقامة هذا الجدار على قدم وساق، وأشار اوباما إلى ان هذه القضايا يمكن ان تؤجل إلى مرحلة المفاوضات النهائية، وذلك ما حصل في قصة القدس والحدود والمعابر، وهذا كان في أوسلو في العام 1994، يعني منذ ما يزيد عن 18 عام، والخوف ان يكون هناك 20 أو 30 أو 40 سنه أخرى من الانتظار والمفاوضات، وعندها ستكون الجغرافيا الفلسطينية قد انتهت وتلاشت عن سطح الأرض، ويكون السكان قد اجبروا على المغادرة تحت ظروف وأسباب مختلفة.

أكل اوباما الفلافل والحمص على انه من التراث اليهودي، وتحفظ بل رفض رفضا قاطعا تناول وجبة الورق الدوالي، وهي من الآكلات الفلكلورية والتراثية الفلسطينية على مائدة الرئيس وكذلك رفض تناول الكنافة النابلسية لأنه يريد الحفاظ على رشاقته وصحته، كل هذه اهانات مقصودة ومدروسة للإنسان والتاريخ والتراث الفلسطيني وتحمل الكثير من المعاني.

نحن في الشارع لم نرحب بزيارة اوباما وكان موقفنا واضحا رفعنا الأعلام السوداء والبوسترات المنددة بالزيارة، لأننا نشعر بالقلق من الزيارة، وأود التأكيد على ان قلقنا قد زاد وارتفعت وتيرته بشكل واضح بعد الزيارة، الزيارة جاءت ليس لإيجاد أجندة لحل القضية الفلسطينية أو وقف الاستيطان أو الإفراج عن الأسرى، بل جاءت لتحسين علاقات اوباما مع نتنياهو، وتسريع المصالحة الإسرائيلية مع تركيا.

يبدو ان القادم خطير ، بل وخطير جدا وسيكون له تأثير واضح على الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، بل والإقليمية.

احد كبار السن في البلدة القديمة في نابلس قال لي في تقييم زيارة اوباما انه حضر وغادر وترك لنا خفي حنين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير