جاء يبارك حكومة المستوطنين...بقلم: هاني عوكل

25.03.2013 01:30 PM
قبل أن يحل الرئيس الأميركي باراك أوباما ضيفاً على المنطقة، اجتهد نتنياهو في إطار المهلة المحددة له، لتشكيل حكومة إسرائيلية هو على رأسها، وحسم أخيراً شكل حكومته التي يبدو أن بائتلافها الحالي اختارت الاستيطان لا السلام.

أخيراً حصل نتنياهو على ما يريد، فأولاً رغب الرجل في قيادة حكومة ونجح في ذلك، وثانياً عقد شراكات مع أحزاب يمينية تمثل المستوطنين، وطعّم ائتلافه بحزب ليفني الذي يعتبر وسطياً، وفي النهاية خرج بحكومة تمتلك 68 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي.

هذه الحكومة سيكون هدفها الأساس تعزيز الاستيطان، والتركيز على الشأن الداخلي المتعلق بجوانب اجتماعية واقتصادية، وعدا عن ذلك، لن يتم الخوض في حالة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلا في حدود إدارة الصراع، كما يريد ويرغب بذلك ليبرمان.

زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، صمم هذه المرة على عدم تجميد الاستيطان، ويتفق معه في ذلك وزير الحرب الجديد موشيه يعالون، ونائبه في الوزارة داني دانون، فهؤلاء وهناك الكثير منهم، دخلوا الحكومة وفي نيتهم تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية.

لقد جاء أوباما إلى المنطقة ليبارك هذه الحكومة ويدعمها بكل قوة، ولعلنا نلاحظ أن الرئيس الأميركي زار إسرائيل أولاً قبل الأردن وفلسطين، ومن مطار بن غوريون، تغزل بتل أبيب وأكد على متانة التحالف وعمق العلاقات بين البلدين.

إن الهدف من زيارة أوباما إلى إسرائيل لا يتصل بتحديد موقف من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أو بتقديم مبادرة، ففي كل الأحوال وجود أو عدم وجود مبادرة لن يخدم القضية الفلسطينية، وكما أسلفنا سابقاً فإن الهدف من الزيارة دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً.

أوباما في زيارته لإسرائيل، أوعز للمسؤولين الأميركيين بدء المباحثات لتمديد المساعدات الأميركية لتل أبيب والتي تقدر حوالي 3 مليارات دولار سنوياً، إلى ما بعد عام 2017، ولاحظوا أن الرجل استهل أولى جولاته بالإطلاع على بطارية مضادة للصواريخ، تابعة لمنظومة القبة الحديدية.

ما الذي فعله أوباما؟ الرئيس اجتر مواقفه السابقة وأعلنها في إسرائيل وفلسطين، فهو لا يعارض قيام دولة فلسطينية، لكنه لم يقل كيف يمكن إقامة هذه الدولة، ولم يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان من أجل إنجاح المفاوضات وإطلاقها ضمن مسار صحيح وواضح.

أوباما اكتفى أيضاً بطرح ملف البرنامج النووي الإيراني، ليس لأن الولايات المتحدة قلقة من تطور هذا البرنامج، وإنما لأن إسرائيل ترغب في الاستماع إلى الموقف الأميركي بعد إعادة انتخاب أوباما لولاية ثانية، ذلك أن الأخير اتفق مع تل أبيب بضرورة الوقوف بحزم ضد هذا البرنامج.

إسرائيل في المضمون غير راضية عن هذا الموقف، لأنها أعلنت مراراً بأن الحل يكمن في توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، بينما تصر الولايات المتحدة على استخدام الدبلوماسية والمباحثات وفرض العقوبات الاقتصادية وغيرها لثني طهران عن التوقف في تطوير برنامجها.

مع ذلك، لا ترغب إسرائيل في فتح هذا الملف الآن، لأنها تدرك مدى أهمية وتاريخية زيارة أوباما إلى إسرائيل، وتعلم أن هذه الزيارة من شأنها فك العزلة الدولية عن تل أبيب، خصوصاً بعد الانتصار الفلسطيني بالحصول على عضوية الدولة بصفة مراقب في واقعة الأمم المتحدة.

ولعل إسرائيل مستفيدة جداً من الوضع العربي الراهن، من حيث تحصين نفسها بالقوة الداخلية والدعمين السياسي والعسكري وطلب المزيد من المساعدات الأميركية تحديداً، وعلى الأرجح أنها ستبدأ تسويق فرضية وجودها ضمن نطاق جغرافي دائري غير آمن، قد يضمن لها تحديد الأولويات.

واحدة من السيناريوهات الإسرائيلية، تتصل بإبقاء حالة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على نار هادئة، والتحكم بمستوى درجاته بعيداً عن الاشتعال والانفجار، وفي ذات الوقت تحصين الجبهة الداخلية ويشمل ذلك، إعادة النظر في مسائل تخص حياة ورفاهية المواطن الإسرائيلي.

ربما سيقول الإسرائيليون لشركائهم الأوروبيين، إننا نعيش بين قطيع من الذئاب، وعليكم أن تتفهموا وضعنا وحاجتنا لتأمين أنفسنا، وذلك سيعني أن الاستيطان سيعمل في نطاق مشروع وآمن، وبترحيب من الولايات المتحدة الأميركية.

وسيستدعون سلتهم من التصريحات المسعولة، مثل "إننا مع المفاوضات لكن بدون شروط"، ما يجعلهم بعيدين عن دائرة النقد الدولي، في الوقت الذي يعاني فيه الإطار الرسمي العربي من ضعف شديد، لا يؤهله للعب دور قوي نحو تغيير المزاج الدولي.

في إطار ذلك، ليس علينا أن نضرب الكف بالكف ونتأفف لأن أوباما لم يتغزل بنا، أو أنه لم يقدم لنا دعماً أو موقفاً إيجابياً أو مبادرة متينة، ففي نهاية الأمر الرجل يمثل سياسة أميركية قديمة تقوم على الولاء لإسرائيل، ولن تبيعنا أميركا أكثر من كلام واهي.

في خطابه بالقاهرة حينما نصب رئيساً، استبشر أغلب الناس خيراً بأوباما، لكن اتضح فيما بعد أنه لا يملك رخصة حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، واليوم وبعد أربعة أعوام تقريباً على ذلك الخطاب، أدرك أوباما انطلاقاً من زيارته لإسرائيل، أن أحسن حل لهذا الصراع يتصل بإدارته أو تركه لتل أبيب تلعب فيه كما تريد.

نعم، يمكن القول إنهم يمتلكون خارطة، لكن علينا أيضاً أن نمتلك واحدة تخصنا، ففي النهاية إذا أردت أن تحدث فرقاً اعمل جلبة، وهذا يعني أن من المهم إطلاق موقف شعبي حاسم يرفض حكومة نتنياهو ويرفض الاستيطان، ومع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

إن التأثير القوي والشديد لحركتنا يتعلق بإنضاج وحدتنا وجعلها حقيقة غير قابلة للتصرف، ووضع التدابير التي من شأنها التأسيس لعملية نضالية شعبية سلمية مستمرة، تؤكد للعالم بما في ذلك الولايات المتحدة، أن أمن إسرائيل مرتبط بأمن فلسطين وقيام الدولة.

والله لو اقتنعنا بأن الحركة الشعبية لازمة وفعل دائم مؤمن ومحصن من كل الطيف الفلسطيني، ويحتاج إلى نفس طويل، حينها حتماً سنصوغ التاريخ من أوسع الأبواب، ولعل أوباما أو غيره من الرؤساء اللاحقين، سيتدخلون ويحضرون إلينا ليضعوا كل وزنهم وثقلهم في حسم الصراع، نحو تحصيل وإنجاز الحقوق الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير