يكرههم ويحابيهم!

من فوق رؤوس القيادات

28.02.2020 10:19 AM

كتب: عوض عبد الفتاح

خاض بنيامين نتاياهو معاركه الانتخابية الاخيرة مستنداً إلى إختراقات كبيرة وخطيرة للأنظمة العربية، فضلا عن تلك التي حققها على الساحة العالمية. كما أنه تباهى ولا يزال بالإنجازات الاقتصادية حيث تمكنت إسرائيل تحت قيادته من النجاة من الازمة الاقتصادية التي ضربت النظام الرأسمالي العالمي لهام ٢٠٠٨. مع ذلك لم يتمكن من تشكيل حكومة، ويتوقع العديد من المحللين والمراقبين أن يتكرر نفس السيناريو بعد أنتخابات الثاني من آذار، يوم الاثنين القادم، وتجري انتخابات رابعة. و يظهر، من خلال حملاته الاعلامية، وتصريحاته، انه غير مستوعب لاسباب هذا " الجحود " الذي يقابله به خصومه، إذ انه كوّن صورة عن نفسه بأنه شخصية عظيمة يجب أن تضاف إلى قائمة الشخصيات العظيمة( ذات العقلية الاستعمارية الاجرامية )  في التاريخ.

إذاً لماذا لا يلتف معظم ناخبي المجتمع الإسرائيلي الكولونيالي حول "بطلهم" ، ويتجه الكثيرون ممن كانوا في صفوف الليكود واليمين، قيادات ونشطاء، الى التصويت لحزب "كحول لافان" ، ورغم أن هذا المجتمع يزداد غلوا في التطرف والكراهية ضد الفلسطينيين أينما كانوا. الجواب هو أن الإسرائيليين سئموا طريقة نتانياهو في الحكم، وفساده الشخصي،، وليسوا هم ضد الاختراقات والإنجازات التي حققها لكيانهم، وهو سلوكٌ أدى به الى مواجهة لوائح اتهام بالفساد التي قد تؤدي به الى السجن لسنوات. والاهم من ذلك هو وجود بديل صهيوني انتخابي، يحمل تقريبا نفس الايدلوجيا، ونفس نزعة التوسع، والاستعلائعية الكولونيالية، الا وهو "كحول لفان" . هو بديل يتسم في نظر شرائح واسعة من المجتمع الصهيوني، بالرزانة و اللياقة السياسية، ومن ناحية ثانية لأنه يرفض الاعتماد على المواطنين العرب في تشكيل حكومة، حتى لو استجدى مندوبو القائمة المشتركة هذا الدعم، أو انبطحوا على بطونهم . فقد بات جليّاً، أن الفروق بين الحزبين  هامشية، وتجميلية . أحدهما حزبٌ فظٌ، لا تهمه الشكليات، وحزبٌ آخر يتصرف برزانة تجاه مجتمعه، ويرغب بأن تعود إسرائيل الى الظهور كما كانت في عقود سابقة، إلى الصورة الوهمية الزائفة لنظام استعماري إستيطاني متوحش، يواصل اغتصاب فلسطين، ويُنكّل بشعبها دون التسبب بردّ فعلٍ غاضب من العالم.

 في ضوء فشل نتانياهو المتكرر في تشكيل حكومة، لجأ، في الاسابيع الأخيرة، الى العرب؛ إلى أنظمة عربية، وإلى العرب في الداخل( فلسطينيي ال٤٨) خاصة بعد أن أظهرت الاستطلاعات تفوق حزب كاحول لافان على الليكود، وذلك قبل أن تتغير الصورة في الأسبوع الأخير. بخصوص الأنظمة العربية، فالإختراقات حاصلة منذ إسقاط مصر في حضن التحالف الأمريكي الصهيوني، على يد نظام السادات، مروراً بالدكتاتور حسني مبارك ووصولا إلى الساقط، الطاغي، عبد الفتاح السيسي. ولكن الجديد هو إسقاط أنظمة عربية جديدة، ليست مرتبطة بإتفاقية صلح/إستسلام رسمية مع الكيان الصهيوني، وإصطفافها إلى معسكر الثورة المضادة ضد الشعوب العربية، وإلى جانب إسرائيل ضد إيران.

 أما بخصوص الفلسطينيين، داخل الخط الأخضر، فقد لجأ إلى محاباتهم، بعد أن إستنتج أن التحريض الارعن المستمر خاصة أثناء الحملات الانتخابية يؤدي إلى نتائج عكسية، اذ يزداد الكثيرون منهم بالتمسك بالقائمة المشتركة، بل أن حملة التأييد قادت الى العديد من الناقدين والمستائين من أداء المشتركة، السياسي والوطني، الى التصويت لها، فقط كرهاً لسياسته العدوانية. وقد لمس أن كل الدعم السياسي والمادي الذي جاء من القيادة العليا للولايات المتحدة الامريكية لنتانياهو، ظلّ قاصراً عن تغيير ميزان القوى في الخريطة الانتخابية داخل إسرائيل لصالح الليكود، وتمكينه من مواصلة الحكم، في حين أن الدعم الذي تقدمه المنظات الصهيونية اللبرالية، المتخوفة على صورة إسرائيل، لحملات رفع نسبة التصويت بين المواطنيين العرب، يعطي ثمارا افضل لصالح خصمه، اليمين الاخر ؛ كاحول لفان.

فقد اختار تكتيك القفز من فوق رؤوس مندوبي القائمة المشتركة، و قصر التحريض عليهم فقط، والتوجه الى المواطنين العرب مباشرة، عبر تقديم وعود جديدة بتحسين حياتهم، وإظهار إنجازات تحققت بفضل القيادات العربية وكأنها جاءت بفضله. وهذه السياسة، قديمة، تعود الآن بعد أن جرى التخلي عنها لفترة وجيزة، وذلك بعد تفاقم التطرف والانحدار نحو الفاشية. فمنذ انشاء إسرائيل، إتّبعت الحكومات المتعاقبة، وأجهزتها الأمنية، سياسات تتمثل في تصوير جزء من القيادات العربية كمتطرفة، وفي محاباة المواطنين العرب وتصويرهم كانهم ضحايا القيادات العربية المتطرفة وليس ضحايا النهب والسرقة والافقار والتجهيل، الذي يمارسه نظام الابرتهايد الكولونيالي. وكان تنظيم حركة الأرض أول ضحايا هذه السياسات في العقد الأول بعد النكبة، اذ جرى حظره وملاحقة قادته ، في حين أبقى على الحزب الشيوعي . أما اليوم فقد جرى حظر الحركة الإسلامية الشمالية، وتجري محاولات مستمرة، منذ عقدين، لتقويض حزب التجمع الوطني الديمقراطي، رغم تكيفه، إلى حدٍ بعيد ،مؤخرا، مع توجه القائمة المشتركة، وتراجعه عن صرامة الموقف المناهض ليهودية وصهيونية الدولة  . كل ذلك يجري في سياق دق الاسافين بين القوى السياسية ، ومخططات تمزيق المجتمع الفلسطيني، وترويضه، لتسهيل السيطرة عليه.

بطبيعة الحال لن تؤدي تكتيكات نتانياهو القديمة الجديدة، الا الى تعزيز مناهضة المواطنين العرب لشخصه، ولسياساته، وتعزيز مأزقه، ولكن العطب هو في غياب الرؤية السياسية الجذرية، الوطنية، لدى القائمة المشتركة، أي غياب فضح "كحول لفان" بنفس القدر، اذ يجري التكيف مع الصهيونية، والدعاية الانتخابية الصادرة باللغة العبرية، التي تحاول تبرير الصهيونية. وهذا الانحراف ليس سقوطاً أخلاقياً فحسب، بل ايضاً سقوطٌ سياسي . وبالتالي نحن امام سقوط أخلاقي، لا بد من التصدي له بحزم ووضوح ، وبروح من المسئولية الوطنية العالية، ليس فقط عبر النقد الإعلامي ، بل عبر تشكيل سياسات مبدئية صارمة، وحوامل تنظيمية وطنية واجتماعية بديلة، قابلة للعيش والاستمرار . إنه من المؤلم، ان تمر ثلاثة حملات انتخابية، في غضون عام واحد، وبميزانية ضخمة، بدون خوض حملات تثقفيف عميقة للجمهور العربي، داخل الخط الاخضر، بمضامين وطنية تحررية، مناهضة للصهيونية، وليهودية الدولة، ولنظام الاستعمار الاستيطاني، الذي بات ممتدا، وشرعياً (إسرائيليا وامريكياً)  في كل فلسطين التاريخية. هكذا كانت حملات التيار الوطني الديمقراطي الانتخابية على الأقل، في الماضي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير