اسماء سلامة تكتب لوطن: جهوزية فلسطين للتعامل مع كورونا

25.02.2020 02:14 PM

في الوقت الذي يتحدث العالم بأسره فيه عن فيروس كورونا ، والترقب  الذي يعيشه الناس بين تسجيل أول إصابة في هذا البلد ، وتسجيل أول حالة وفاة في بلد آخر ، ومراقبة التقارير الإخبارية والفيديوهات التي تردنا من كل حدب وصوب ، أطلت علينا قضية الوفد الكوري الذي جاءنا زائراً ليتركنا مخلفاً وراءه حمى نقل العدوى بفيروس كورونا الذي ثبت إصابة بعض من أعضاء هذا الوفد به ..

فلسطين التي لا تعتبر كأي دولة في العالم ، كيف ستقوم بإغلاق الحدود ، ومنع الزائرين من هذه الدولة أو تلك ، وهي لا تسيطر على حدود ، كيف ستتعامل في مستشفياتها التي ينقصها الكثير من التجهيزات الطبية والمعدات والأدوية ، في الظروف الطبيعية ودون إعلان حالات طوارئ ، مستشفيات الوطن عاجزة عن تلبية احتياجات مرضاها ، وتحتاج في بعض الأحيان للانتظار أشهراً ليصلك دور إجراء عملية جراحية أو الحصول على نوع معين من الأدوية ..
وفي ظل الظروف الحالية لم يكن ينقصنا سوى حالة استنفار كهذه ، لتكشف لنا عن المزيد من السلبيات في هذا المجتمع ، في حين نرى الإجراءات التي تتخذها دول العالم ، والدول المجاورة لنا ، لا نجد لدينا حتى الاتفاق على التعامل مع هذه الأزمة ، من جهة تصريحات معالي وزير الصحة بكامل جهوزية الوزارة للتعامل مع كورونا ، وبين تصريحات نقيب الأطباء الذي قال أن الوزارة غير مؤهلة على الإطلاق للتعامل مع هذا الفيروس حسب المعايير العالمية ، والمستشفيات تنقصها كل التجهيزات لمثل هذه الحالة ، موضحاً أن أبسط المعدات الضرورية للطبيب أو الممرض الذي من المفترض أن يتعامل مع المصابين بكورونا ( الكمامة الطبية ) غير متوفرة ، والحجر الصحي غير طبيعي .. فعن أي جهوزية نتحدث .

وفي الوقت الذي يترقب فيه الفلسطينيون عواقب زيارة الوفد الكوري ، بدأت حمى كورونا تتغلغل في  المجتمع ، الندرة في تواجد الكمامات ( العادية ) في السوق الفلسطيني ، مع الارتفاع الكبير في أسعارها مقارنة ببلد المنشأ ، حيث بلغ سعر الكمامة الواحدة على بعض المواقع المائة دولار ، إذا كانت أبسط وسائل الوقائية التي نفترض أن تقوم الحكومة بتوفيرها للمواطنين ( مجاناً ) أصبحت تباع بهذا الشكل ، فأين الرقابة وأين المساءلة وأين الضمير ، ماذا يفرق هؤلاء ( التجار ) عن أغنياء الحروب ، يتاجرون بحاجة الناس ، ويستغلون هلعهم وخوفهم ( يا روح ما بعدك روح ) .
ومن جهة أخرى تزامن هذه الحالة من الخوف والهلع ، مع مطالبة الأطباء بعلاوات بأثر رجعي منذ عام 2013 ، وقيامهم بإجراءات لعرقلة العمل ( على اعتبار أن المستشفيات كانت تعمل بكامل الكفاءة سابقاً ) ، الأمر الذي أثر سلبياً على المواطنين ، الذين باتوا ليس في مجرد حيرة بل بعدم ثقة مطلقة في مصيرهم إذا ما سجلت إصابات لدينا ، والمصير الذي ستؤول له في ظل هذا الواقع المؤسف للمستشفيات والقطاع الصحي بكامله .

ومن جهة أخرى المقدمات الأولية للطريقة التي قد تعمل بها الحكومة مع المصابين بالفيروس ، حيث شاهد الجميع  الإجراء السريع الذي اتخذته الحكومة بوضع كرفانات في أريحا للحجر الصحي ، هذه الأماكن التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستخدم لأغراض طبية ، فهي مناسبة لعمال في ورشة بناء ، أو للحراسة .  ألم يكن بالإمكان تجهيز جزء من مبنى المستشفى في أريحا ليكون مكاناً مناسباً للحجر الصحي على من يشتبه بإصابته بالمرض ، ونقل هذا القسم إلى باقي المستشفيات في المدن الأخرى ... إن الصورة التي تطبع في ذهن المواطن العادي أن من سيصاب بالمرض سيتم عزله في مثل هذه العربات ، التي تشبه الزنازين ، لن يقبل أحد على نفسه هذا الموقف ، كما لا يمكن قبوله على أحد .. بحاجة للنظر في واقع مستشفياتنا وتجهيز الأقسام المناسبة واللائقة للتعامل مع المصابين ( في حال وجودهم ) ، وتقديم الرعاية الصحية المناسبة لهم .

بالنظر لواقع الحال لدينا ، المشهد لا يبشر بخير ، إذا ما كانت الأخبار عن هذا الفيروس صحيحة وبدون تهويل ، لا أعتقد أن هذا الفيروس هو بهذه الخطورة التي يتم تناقلها في وسائل الإعلام وعبر قنوات الأخبار ، نسبة الوفيات ، والفئات العمرية لها ، وتاريخها المرضي ، كل ذلك يدخل في الحسبان ، ما يصلنا هو أعداد المصابين والوفيات ، ولا تصلنا  أي معلومات عن الأشخاص الذين تم شفاؤهم من المرض ، وهو الذي يبقي الصورة المرتبطة بالمرض هي الموت ..

بحاجة لمن يشرح لنا بالفعل عن فيروس كورونا ، الأعراض وطرق انتقال العدوى ، كيفية التعامل مع شخص مصاب ، وكيفية التصرف في حال أُصبنا بالعدوى ، والأمور الوقائية الواجب إتباعها من الآن في سبيل مواجهة المرض .

لسنا بحاجة لنثبت مدى اختلافنا مع بعضنا البعض، وأننا نتصيد الأخطاء للآخرين ، ولا نسجل المواقف ، أبناء الوطن الواحد في الأزمات يكونون صفاً واحداً طالما أن الخطر يهدد الجميع ، وليس فئة دون أخرى ، لأن هذا الفيروس يستغل الهواء الذي لا يقع حتى الآن تحد وصاية أحد ، ولا يستطيع أي أحد التحكم به  ، الكل عرضة للإصابة ، ولا بديل للهواء الموجود في سمائنا ، لن يكون أحد محصن ضد احتمالية الإصابة بالعدوى .

لن تشتري الأموال هواءً مستورداً ، ولن يستطيع أحد أن يعيش بدون هواء، نحن سواسية ... أتمنى أن تتعامل الجهات المسؤولة وذات العلاقة بهذا الموضوع ، بالطريقة العقلانية التي تحترم فيها عقل المواطن وحاجاته ومخاوفه ، نريد أن نفهم حقيقة الوضع ، والإمكانيات المتاحة لدينا ، ومدى قدرتنا على التعامل مع هذا الفيروس أو غيره في المستقبل ، لسنا بحاجة لمن يطمئن المواطن دون أن يجانب الصواب ، ولا من يخرج ليعطينا الصورة الوردية ، بحاجة لإجراءات منطقية ومقنعة تضمن لنا درجة ولو بسيطة من القناعة بأن هناك من هم مسؤولون عن سلامتنا بعد الله ، وأنهم على قدر المسؤولية .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير